دبلوماسية "أغنية البجعة" الترامبية
نشر بتاريخ: 26/12/2020 ( آخر تحديث: 26/12/2020 الساعة: 11:05 )
وصف الخبير المصري في الشأن السياسي الدكتور جمال زهران في مقالته في صحيفة البيان اللبنانية إستمرار نشاط الدبلوماسية الأمريكية في المرحلة الانتقالية الحالية التي تسبق تسلم إدارة "بايدن" للإدارة الأمريكية، بأنها استمرار "للأعمال البهلوانية" لترامب، والتي لها سقف وحدود في الدولة الأمريكية العميقة. ففي العادة والعرف السائد في الولايات المتحدة، تخف وتيرة الدبلوماسية الأمريكية في الفترة الإنتقالية التي يقوم فيها الرئيس المنتهية ولايته بتسليم السلطة الى الرئيس الفائز في الإنتخابات. وينطوي هذا العرف على أهمية عدم إتخاذ سياسات حاسمة لا ترضى بها أغلبية الجمهور الذي أعطى صوته لرئيس جديد، كما يُبرر هذا العرف بضرورة إعطاء الوقت والمساحة الكافية للرئيس الجديد بصنع السياسة الخارجية التي يريدها وفقا للبرنامج الإنتخابي الذي صوت له الناخبون. وفي السياق، فإن تركيز الرئيس المنتهية ولايته يجب أن يتركز على توفير المعلومات الضرورية وتسهيل إستلام السلطة للرئيس المنتخب بطريقة سلسة وهادئة.
وعلى خلاف المألوف والعرف السائد، من الواضح، أن الدبلوماسية الأمريكية أصبحت أكثر نشاطا في الفترة الإنتقالية بعد الإعلان الرسمي عن هزيمة "ترامب" في الإنتخابات. فقد أعلن الأخير في 17 نوفمبر الماضي عن خفض لقواته المتواجدة في العراق وأفغانستان، وبعد ذلك بعدة أيام، قام وزير خارجيته "بومبيو" بزيارة إسرائيل، وإلقاء كلمة تعبوية من داخل إحدى المستوطنات، فيما وصف هذا السلوك بأنه اعتراف رسمي أمريكي ضمني بضم المستوطنات الى إسرائيل، كما أعلن بومبيو في زيارته للمنطقة تشديد العقوبات على إيران، ووصفت عملية إغتيال المهندس النووي الإيراني محسن فخري زادة بأنها أحدى المخرجات السرية لهذه الزيارة. وقبل تنصيب "بايدن" بعدة أسابيع بدأت إدارة ترامب في فرض عقوبات جديدة على إيران من شأنها أن تصعب على الرئيس المنتخب "بايدن" إحياء الاتفاق النووي. وفي الأسبوع الأول من ديسمبر الجاري، بدأ كوشنير صهر ترامب برحلاته المكوكية الى الشرق الاسوط ابتدأها بزياره لقطر والسعودية، وقد وصفت "قناة الحرة" هذه الزيارات بأنها "تأتي في توقيت حساس وملفات تسابق الزمن" تركزت كما يبدو على انهاء ملفات الخلاف بين السعودية وقطر. وأخيرا وصل "كوشنر" الإثنين الماضي ، إلى إسرائيل في آخر زيارة له قبل إنتقال السلطة الى الديمقراطيين، وقاد الأخير وفدا إسرائيليا- أمريكيا إلى المغرب الثلاثاء لتوقيع إتفاقية التطبيع بين المغرب وإسرائيل. ومن ثم أعلن "بومبيو" البارحة البدأ في افتتاح قنصلية أمريكية في الصحراء المغربية تتويجا لهذا الاتفاق.
ومن أجل تفسير هذه الظاهرة الشاذة في الدبلوماسية الأمريكية في المراحل الإنتقالية، يؤكد الدكتور الفلسطيني المختص بالشأن الِأمريكي "جون ضبيط" على أن "كوشنير" يريد أن يضمن أمن إسرائيل قبل مغادرة البيت الابيض، ولهذا يمكن ملاحظة التسرع العجيب والغريب في رسم سياسة جديدة يصعب على الرئيس الجديد "بايدن" تغييرها. ويؤكد على وجهة النظر هذه السفير الفلسطيني لدى بريطانيا الدكتور حسام زملط؛ واصفا النشاط البلوماسي الأخير للولايات المتحدة بأنه "نشاط عصابات" وليس دبلوماسية حقيقية، وأنه يعكس في ثناياه " نشاط عقائدي وشخصي لكوشنير، الذي يؤمن بإسرائيل الكبرى من جهة، ويريد تأمين نصيبه الإستثماري بعد مغادرة حماه ترامب البيت الأبيض من جهة أخرى". من جانبه، يعتقد المحاضر في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة، بأن السبب الكامن وراء هذا السلوك الغريب هو شخصية ترامب ذاته، والتي لا تشبه شخصية أي رئيس أمريكي آخر. فهو يعتقد أنه الفائز في الانتخابات، و"بعد أن بدأ يستسلم للحقيقة المرة ويدرك أنه خسر وسيخرج حتما من البيت الأبيض، فانه أخذ بالسعي إلى إتخاذ سلسلة من الإجراءات التي تهدف الى تعقيد مهمة بايدن، والذي يدرك – أي ترامب- بأن الأخير سيجري تعديلات جوهرية في السياسة الخارجية".
وفي تفسيره لاستمرار نشاط الدبلوماسية الأمريكية في الفترة الإنتقالية لمرحلة ترامب، يفسر الدكتور خليل جهشان مدير المعهد العربي في واشنطن هذا الإستمرار بسبيين؛ السبب الأول يعكس المحاولات البائسة لتعطيل تسلم الرئيس المنتخب لسلطاته الدستورية أو شل سياساته عبر خطوات تحريضية وتعجيزية لإفساد كل ما يمكن إفساده وتوريثه للفريق الجديد لتعقيد مهماته والتقليل من فرص نجاحه. أما السبب الثاني، فيكمن في محاولة ترامب ومستشاريه تحقيق المزيد من الأهداف السياسية التى لم يسمح لهم الوقت في إتمامها من قبل؛ مثل مجابهة إيران إقتصاديا وسياسيا وحتى عسكريا، وإقناع المزيد من الدول العربية للتطبيع مع اسرائيل، وذلك بهدف تحقيق مكاسب شخصية، مالية وسياسية على حد سواء، للاستمرار مستقبلا في أنشطتهم السياسية المدعومة من اللوبي الصهيونى وأنصار إسرائيل من الأصوليين المسيحيين الصهاينة وحلفاء ترامب ونتنياهو في المنطقة بهدف تبييض صورتهم في أعين الرأي العام الأمريكي، وضمان عودة الحزب الجمهوري الى البيت الأبيض عام 2024. ويؤكد على وجهة النظر هذه الباحث نادر الغول قائلا "وربما لو كان الرجل -والمقصود هنا ترامب- يسعى حقيقة للترشح مرة أخرى عام 2024 فانه يريد أن يترك إرثا لنفسه في المستقبل يكون أحد أساسيات حملته الإنتخابية القادمة"!.
بالمحصلة، فان الدبلوماسية الأمريكية النشطة في أواخر عهد ترامب، تصر على إطلاق رسائل للعالم بأن الشعبوية والبراغماتية الترامبية في السياسة الخارجية الأمريكية لن يكون من السهل إسقاطها حتى لو سقط ترامب نفسه في الإنتخابات. وقد نجح ترامب أن يغلف هذه الشعبوية البراغماتية بنزعة صهيونية واضحة، إلا أنه تناسى عمدا بأن كل ما يفعله ليس سوى "عزف نشاز لأغنية البجعه" -وهي عبارة تطلق على أي نشاط أخير قبل التقاعد أو الموت"-، ستصعب الامور على بايدن، ولكنه حتما يستطيع أن يستمع للكثير من المعزوفات السياسية غيرها.