|
"إنقلاب أبيض" في الإستراتيجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية
نشر بتاريخ: 02/01/2021 ( آخر تحديث: 02/01/2021 الساعة: 18:20 )
وصف تقرير أعده مركز الأمن الأمريكي، السياسات الترامبية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بأنها سياسات مضرة بالمصالح الأمريكية في المنطقة، وأنها أدت الى نتائج عكسية على الإستقرار في المنطقة وعلى الحل النهائي لتسوية الصراع. وبالرغم من أن هذا التقرير غير ملزم لإدارة بايدن، الا أن مركز الأمن الأمريكي يعتبر من المراكز الهامة في صنع السياسة الخارجية الأمريكية للإدارات الديمقراطية، كما أن معدي التقرير من الوازنين الذين لديهم خبرة واسعة في منطقة الشرق الأوسط؛ فقد شغل السيد غولدنبرغ الباحث الرئيس في التقرير منصب رئيس أركان المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في وزارة الخارجية الأمريكية. ولعب دورًا قياديًا رئيسيًا مع الفريق المصغر الذي يدعم مبادرة الوزير كيري لإجراء مفاوضات سلام الوضع الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. أما مايكل كوبلو الباحث الثاني فهو مدير السياسات في منتدى السياسة الإسرائيلية، وبالنسبة لتمارا كوفمان ويتس الباحثة الثالثة فهي زميلة أولى في مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز. يشير التقرير الى ضرورة قيام إدارة بايدن الجديدة بإنتهاج ثلاثة سياسات معاكسة بشكل دراماتيكي لسياسات ترامب السابقة تجاه القضية الفلسطينية، وهي : أولا: معالجة القضايا الملحة التي تهدد أي إمكانية لإحراز تقدم في معالجة الصراع وتمنع الولايات المتحدة من لعب دور بناء. وهنا يدعو التقرير الى إعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة والغاء صفقة القرن وإعادة فتح قنصلية أمريكية في القدس، وإعادة منح الأموال لوكالة غوث اللاجئين، الى أخره من إجراءات بناء الثقة مع القيادة الفلسطينية. ثانيا: إتباع خطوات ملموسة لتحسين الحرية والأمن والإزدهار للإسرائيليين والفلسطينيين بشكل هادف، ودفع آفاق حل الدولتين المتفق عليه للنزاع على المدى المتوسط. حيث يدعو التقرير إلى الإعتراف بمرجعية قرار 242 كإطار دولي لحل الدولتين وفرض عقوبات على إسرائيل إذا ما إستمرت في سياسة الإستيطان والضم. كما يدعو التقرير الى البدأ بخطوات عملية لتوسيع سيطرة السلطة الوطنية على مناطق "ج" و مناطق "ب" . ثالثا: إعادة تشكيل دور الولايات المتحدة من أجل مزيد من المثابرة والتأثير، من خلال تعديل كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الأطراف ذات العلاقة وبقية العالم بشأن هذه القضية. حيث يدعو التقرير الى التعاون مع الدول العربية والأطراف الدولية في تحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة، وعدم تشجيع سياسات التطبيع بين دولة الإحتلال والدول العربية. بالضرورة، نستشف مما ورد في التقرير أن السياسة الأمريكية الجديدة والمتوقعة تجاه القضية الفلسطينية ستمثل انقلابا أبيضا على السياسات الترامبية الشعبوية السابقة تجاه الصراع، وستتبلور هذه السياسة وفقا للمحدات التالية: لن تكون صفقة القرن جزءًا من هذه السياسة، وعلى العكس ستؤكد الإدارة الجديدة على إلتزامها بحل الدولتين ورفض الاستيطان وعدم الإعتراف بالقدس الموحدة عاصمة للدولة العبرية. ستتضمن هذه السياسة إمكانية فرض عقوبات على إسرائيل إذا ما إستمرت في سياسات الإستيطان وإنشاء الطرق الإلتفافية الإستيطانية وتعطيل حل الدولتين. ستتضمن السياسة الأمريكية الجديدة طلب تعديلات في السياسة الفلسطينية تجاه المصالحة والأسرى والحريات، حيث سيطلب من السلطة الوطنية إجراء تغييرات شكلية تجاه دعم الأسرى من خلال تحويلهم إلى ملف المساعدات الإجتماعية في موازنة السلطة، كما سيطلب منها إتخاذ إجراءات مناسبة لإعادة العملية السياسية الى سابق عهدها قبل الإنقسام. لن تتضمن السياسة الجديدة تشجيع إتفاقات التطبيع العربي مع دولة الإحتلال، بإعتبار أن هذه الاتفاقات غير مفيدة في تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تشجع هذه الإتفاقات إسرائيل على عدم المضي قدما في تحقيق السلام مع الفلسطينيين، وهو موضوعة الصراع الأساسي في المنطقة. من الأهمية بمكان بالنسبة للسياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة، ألا يؤدي السعي لتحقيق حل الدولتين في المستقبل إلى تأجيل الولايات المتحدة خطوات لزيادة الحرية والإزدهار والأمن للجميع. وهذا يعني قيام الولايات المتحدة بإتباع سياستين متوازيتين وليستا متقاطعتين، بالنسبة لكل من مفاوضات الحل النهائي والمفاوضات متعددة الأطراف المتعلقة بالتعاون والإزدهار وتشجيع الحريات. في السياق السابق، يبدو السؤال المهم الآن في كيفية إستثمار القيادة الفلسطينية هذا التحول الدراماتيكي المتوقع في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. وهنا، فإنني أجادل بأن على القيادة الفلسطينية أن تبدأ بالتحرك والتفاعل الخارجي، وأن تبتعد عن سياسة الإنتظار ورد الفعل. وأقصد هنا، أهمية العمل على التفاوض والتواصل مع فريق بايدن الإنتقالي، وتوضيح المواقف الفلسطينية تجاه الصراع، وتجاه السياسات الأمريكية المتوقعة في المنطقة، وهي بالمناسبة سياسات ليست بعيدة عن مبادرة السيد الرئيس أبو مازن المتمثلة بالدعوة الى عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية دولية. وربما تفيد عملية إعادة إنتاج منظومة العلاقات بين دولة فلسطين المحتلة وبين إدارة بايدن المنتخبة في هذه الأثناء بالتحديد، في بلورة سياسات أكثر وضوحا وإتساقا مع المصالح الفلسطينية، كما أن مثل هذه العلاقات والإتصالات ستعزز من فرص توجه حكومة بايدن لتطبيق معايير السياسة الأمريكية الجديدة باتجاه يراعي بشكل أكبر المصالح الفلسطينية.
[1] مدير وحدة الأبحاث في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي. |