وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

السلطان و القيصر: ديمقراطية تعزز الديكتاتورية

نشر بتاريخ: 02/01/2021 ( آخر تحديث: 02/01/2021 الساعة: 18:27 )
السلطان و القيصر: ديمقراطية تعزز الديكتاتورية

ما بين السلطان أردوغان والقيصر بوتين تقاطع و تشابه و تشابك ,إن كان على صعيد السياسة الداخلية , من دهاء و مراوغة و خطاب سياسي ممزوج بنزعة تاريخية قومية ,نجحا من خلالها في استنهاض بلاد كانت غارقة في الفوضى و المديونية و التفتت الاتحاد السوفييتي (روسيا ) و الدولة العثمانية (تركيا الحديثة ) . أو على صعيد السياسة الخارجية و هذا ما نلمسه من خلال تحركاتهما , دولياً وأوربياً و اقليمياً , و لاسيما في سوريا و ليبيا , و حتى في علاقاتهما مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تتراوح , ما بين الاستقلال و التنافس و أحياناً التمرد و التحدي , لكن بخطوات دقيقة و محسوبة .

أي كاريزما ملكا لكي يحكما ما يقارب العشرين عاماً , ومن خلال انتخابات ديمقراطية , وبعد ذلك القيام بسلسلة من الإجراءات و التعديلات و التكتيكات في بلديهما, و كان الهدف منها واضحاً ألا و هو الاستمرار في الحكم لعشر سنوات قادمة على أقل تقدير, وتم ذلك بعلم الشعب بل و برضاه و من خلال عمليات الانتخابات و الاستفتاءات .

و التساؤل الجوهري هنا كيف قبل المواطن بذلك, بل و تحمس لهذه التعديلات الدستورية التي تقود إلى الديكتاتورية و الانفراد و التفرد بالحكم لعشرات السنين . و الإجابة هنا بان الشعوب تبحث عن قضيتين جوهريتين تعتبران الدافع و المحرك للسلوك السياسي بشكل شعوري أو لاشعوري هما :الأمن و الازدهار , و هذا ما يفسر ميل الشعوب - ما بعد الانقلابات و الثورات و الفوضى - إلى الحكم الديكتاتوري , حيث تبدأ بمقارنة أوضاعها ما قبل و ما بعد هذه التحولات , من ناحيتي الأمن و الازدهار . ومن هنا فان الثورات الناجحة هي الثورات القادرة على السيطرة وضبط الأوضاع الداخلية أمنياً و اقتصادياً في مراحلها الانتقالية .

تولى بوتين منصب رئيس روسيا الاتحادية, لدورتين متتاليتين 2000-2008 , ولم يكتف بذلك بل قام بالتنيسق و الترتيب مع "ميدفيدف" لخلافته في الرئاسة لولاية واحدة , لتبرير و شرعنة عودة بوتين للرئاسة فيما بعد ولفترتين لاحقتين ولكن هذه المرة مدة كل واحدة منهما ست سنوات بدل أربع , فيما يعود "ميدفيدف" لرئاسة الوزراء .و في المنصبين –الرئاسة و رئاسة الوزراء – كان بوتين هو الحاكم الفعلي , فيما اكتفى ميدفيدف بلعب دور "المحلل" لارتباط و زواج بوتين بالرئاسة.

أي تناوب و تلاعب مكشوف هذا , و كيف وافق الشعب الروسي على ذلك ؟ إنها حالة الاستقرار و الازدهار , و لا نبالغ إن قلنا بان الشعب الروسي يعيش حالة من" النشوة القومية" بفعل هذه الطروحات القومية الإمبراطورية .

لم يتوقف بوتين عند ذلك , بل و أجرى تعديلات جديدة على الدستور الروسي قبل أشهر معدودات – في ذروة جائحة كورونا - تضمن له البقاء في الكرملين الى العام 2036 ,مع العلم ان الدستور السابق و قبل إجراء التعديلات عليه يسمح له بالبقاء فقط حتى 2024 .

إذن هو حب السلطة و شهوة الحكم , و للعلم فان هذه الصفة ليست ملازمة للشرق و حكامه , و إنما لمجمل السياسيين و من استطاع لذلك سبيلا , و خير دليل على ذلك ما حدث و يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل على يد ترامب و نتنياهو .

أما بالنسبة ل أرودغان, فبعد أن استنفذ منصب رئيس الوزراء لمدة عشر سنوات , تحول الى منصب رئاسة الجمهورية التركية , و كما هو معلوم انه منصب فخري و شكلي ضمن النظام البرلماني التركي الذي كان سائداً وقتذاك , ومع ذلك فقد جعله أردوغان منصباً فاعلاً بمجرد اعتلائه سدة الرئاسة حتى قبل أن يتحول النظام التركي من البرلماني الى الرئاسي , فكيف تمكن من ذلك ؟ هل هي الكاريزما و الدهاء السياسي مرة أخرى ؟

لم يتوقف أردوغان عند هذه الهيمنة االكاريزماتية , بل حاول تقنينها و دسترتها , من خلال تحويل تركيا الى النظام الرئاسي, و نجح في إقرار التعديلات و في عملية التحول و التحويل , و الأهم ان كل ذلك تم بموافقة و رضا الشعب التركي, مع اليقين التام للشعب و لأحزابه, بأن أردوغان قام بهذه التعديلات لضمان بقائه في الحكم لعشر سنوات لاحقة على أقل تقدير . و أصبح أردوغان رئيساً بصلاحيات النظام الرئاسي , وهي صلاحيات شبه مطلقة , تخوله السيطرة على الوضع الداخلي و الخارجي . لقد برر أردوغان قيامه بهذه التعديلات الدستورية تحت ذريعة منح تركيا مزيداً من الاستقرار و حل المشاكل و سهولة التحرك و التقدم , مستغلاً حالة القلق التي عاشها الشعب التركي بعد "الانقلاب " الشهير.

ان التبريرات التي ساقها أردوغان لتبرير التحول باتجاه النظام الرئاسي, أو بوتين و تعديلاته الدستورية تبدو مقنعة للوهلة الأولى , لكن و بنظرة تحليلية عميقة نقول ان محركها الأول و الأخير والوحيد هو إحكام السيطرة, و تحقيق المصالح والمطامح الشخصية , و ذلك من خلال قوة و ازدهار بلديهما , و هذا ما يميزهما عن الأنظمة العربية التي تسعى الى السيطرة و الديكتاتورية , لكن من خلال سياسة "التجويع والتركيع" أو "التخويف" أو كليهما .

*أستاذ العلوم السياسية / جامعة الخليل- فلسطين