|
أثر خالد
نشر بتاريخ: 09/01/2021 ( آخر تحديث: 09/01/2021 الساعة: 22:27 )
كتبت: سنابل عمر
دخلت منزلاً ليس به غلطة واحدة بوابة نحاسية وخلفها أزهار وباب منزل جميل طرازه حديث فقانطه روح شابة بعمر الإثنين والثمانين، رجل يجلس على كنبةٍ متفردة يلتحفه اللحاف فهو من يحتاج الدفئ من صدر ذاك الرجل العظيم المكنى بأبي علي الذي أبى إلا أن يعرف عن نفسه وفق منهجية كتابه أجيال قائلاً:" أنا خالد محمد علي محمد سليمان محمود ربيع حمودة محمد دبش أبو دية ابن جبير " فجبير هو أصل عائلة دبش وكل الأسماء المتبوع بها اسمه هم أجداد العائلة، هو رجل ترى في تفاصيل وجهه التاريخ، تحتله المعلومات، متفردُ الشخصية والمكانة في يده اليمنى بقعة منتظمة الشكل تميل للسواد، أظنها شيئاً أكبر من الدم المتجلط فهي صعاب ما رآه. أمرني أن أضحك في كل مرة ضحك بها لأنه يعلم أن الحياة لا نعيشها إلا عنوةً . جاب العالم ودرس في جامعة دمشق ومن ثم بيروت والاسكندرية، عمل كباقي العاملين فيما مضى فقد وجب عليه تأمين المأكل والمشرب لإخوته، ولكنه لم ينسَ نفسه مرةً فقد نعت نفسه بالسارق، ويقصد ذكاءه في سرقة المعلومات، فقد عاد للدراسة الجامعية بعد أكثر من ٧ أعوام من انتهائه من المدرسة. فكتابه كان أساسه سؤاله لأحدهم، ما اسمك الكامل! ولم يجبه إلا قلة. فحب معرفته الإجابة على سؤاله كان أول سبب لإنشاء كتابه الأول أجيال، فأخذ بجمع المعلومات حول الأمر بصعوبة كبيرة فمعرفة الجذر يحتاج إلى المشي بتسلسل مع الثمرة والسير للبعيد منها وصولاً إلى نهايتها وأصل منبتها، فلبث في جمع معلوماته حول كتابه ما يقارب الثلاثة عشر عاماً دونما مقابل، وإنما حباً لقريته صورباهر، حتى قام بالوصول إلى مبتغاه وتفصيل العائلات ومعرفة جذورهم حتى الجد الثالث عشر منهم بتقصيه ذلك من مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في السلطة الفلسطينية لمدة ثماني سنوات، والعمل على تتبع كلمة صورباهر أينما وقعت في التاريخ منذ أكثر من ٤٠٠ عام مضى، وكذلك عودته للوقائع في المحاكم الشرعية في القدس لأول مئة عام من العهد التركي. لم ينته الحديث هنا فقد قال لي العديد من الأمور الجزلة التي دارت دونما تركيز فكلامه جم لا يستطيع استعابه بشر فهو حقاً خالدٌ لا يشبه بني البشر، أكمل حديثه بعدما أهداني كتاباً وقلماً وأخبرني عن حبه الكبير لتمنيه ارتياد جامعة بيت لحم والتعلم بها الآن، وأفصح عن شمله إياها في كتابه الجديد قناديل الذي لم ينشر بعد. حديث يتبعه حديث وكونه متعدد الصفات فهو متنقل في مواضيعه أصلاً فالرجل الذي يجهله الكثيرون حتى محرك البحث _جوجل_ هو ممرض ومحامٍ ومصور فوتوغرافي ومؤلف، ورجل إداري فالأستاذ خالد هو أول منشئ لأهم مراكز قرية صورباهر ابتداءً من النوادي الرياضية الثقافية والخدماتية مروراً بجمعية السيدات والكشافة وصولاً للمستوصفات الصحية الكبيرة، ولجنة الزكاة التي تم من خلالها بناء مدارس القرية سواء التابعة للبلدية الحالية أو للسلطة الفلسطينية وشراء الأراضي ومشروع المتر الخيري. وفي كل مرة شكل بها رجالاً وجب عليهم التعاضد معه في مسيرته قاموا بإلقائه في غيابة الجب ومحاولة الاستحواذ على كل ما فعله، فذاك الذي حرم بيته من متاعهم وأنفق أمواله على قريته الحبيبة لم يسانده أحد قط، فإخوة يوسف الصديق ألقوا به وتخلوا عنه، وهذا الأمر كُرِرَ فعله مع ابن عائلة دَبَش، فلو كان من غير عائلة لأصبح عزيزهم اليوم، ومع ذلك فالجب أعطاه دعماً أكبر وجعل من اسمه وسام شرف فواصل سيره بقوة أكبر وأنشأ الكثير مما لا يحصى . نفس عميق ثم أخذ أبو علي يلعن الزمان الذي ما عاد جيداً وقال:" أنا كنز من المادة والناس بدهاش تفهم ". فلو عاد به الزمان للوراء سيضبط يديه عن الذي ما استحق كرمه، ولكنه سيكرر ما فعله من جديد فهو يفخر بكل تفاصيل حياته، ذلك هو الجندي المجهول ابن عائلة دبش من قرية صورباهر. مضى الوقت سريعاً فوقفت وبالكاد أستطيع الهرب منه فهو كتاب حديدي لا يغلق وأنا البلهاء في زمن غير ذي زمن، شكرته وأخبرني أني أنا تالا أي ابنة النخلة يقصد مدحي لإسعادي له في يومه، فهو لا يعلم أني فقدت صديقتي تالا البارحة، ونفثت كلماته روحها بداخلي من جديد فاليوم تالا وغداً أيضاً وفي كل يوم يا أستاذي الجليل. |