|
دراسة فنية تحليلية في نماذج مختارة من شعر سعيد الداعور
نشر بتاريخ: 23/01/2021 ( آخر تحديث: 23/01/2021 الساعة: 10:33 )
بقلم: محمد جلال عيسى ينتج العمل الأدبي عن تفاعل الشاعر أو المبدع مع موروثه الثقافي واللغوي, الأمر الذي يربط الأدب بثقافة الأديب، بمختلف تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والدينية والجمالية، إما بطريقة انعكاسية مباشرة كما عند أصحاب نظرية المحاكاة، وإما بطريقة جدلية قائمة على النفي والصراع والتناقض والتضاد. فيظهر الأدب باعتباره انعكاساً للحياة, وبالنظر في شعر سعيد الداعور يلحظ أنه يعبر عن هموم مجتمعه وآماله مثلما يعبر عن تجاربه وأحاسيسه, وما عاش فيه الأديب من أوضاع اجتماعية وظروف سياسية وفكرية, فالمتأمل في قصيدة (الرد) يجد أن الشاعر قد نظم هذه قصيدة رداً على قصف بيته وبيارته واعتداء المحتل على شعبه وبلاده, فيقول: قتلتُمْ أشجاري بالصواريخِ والقنابلْ سأزرعُها زيتوناً فالزيتونُ في وطني يُقاتِلْ افعلوا ما شئتُمْ ، واللهُ يفعلُ بالمقابِلْ يصور الشاعر الفلسطيني الصامد والثائر ضد المحتل الذي يغتصب وطنه ويدمر بيته وأرضه, وقد اتخذ الشاعر من ضمير المتكلم وسيلةً للحوار بين السارد والمحتل المغتصب قائلاً: افعلوا ما شئتُم , واللهُ يفعلُ ما يريدْ سنعيشُ أحراراً على أرضِنَا ولن نكونَ لكم عبيدْ ويسير الحوار وتسير الأحداث من خلال ضمير المتكلم, والقارئ عندما يقرأ القصيدة يجد نفسه أمام خطاب الشاعر الموجه إلى المحتل, فما يلبث القارئ إلا أن يضع نفسه مكان الشاعر موجهاً هذا الخطاب للمحتل الظالم قائلاً على لسان الشاعر: إني اتبعثرُ حَبّاتٍ من قمحٍ تنبتُ في هذي الأرضِ سنابلْ وأعيشُ ألملمُ كلَّ جياعِ الأرضِ وأجعلُ من عودِ القمح ِمقاتلْ أما في ذكرى النكبة فنجد تيار الوعي يعبر عن أهداف الشاعر وطموحاته, "ويتدفق تيار الوعي نتيجة مؤثر خارجي, يمر الإنسان بموقف ما, فيثير هذا الموقف أو هذه الحادثة ذكرى كامنة"(أيوب, 2001 : 151). وأي مؤثر خارجي أقوى تأثيراً من تلك المؤثرات الخارجية التي عاشها الفلسطيني, فهو الذي عاش واقعاً مريراً مليئاً بالآلام والهزائم, والتشرد والضياع والشتات, فجاءت أغلب كلماته هنا تعبر عن الحرقة لدى الشاعر بسبب النكبة, يقول: ستونَ عاماً أحرقَتْ جيلاً فجيلْ ستونَ عاماً نُبحِرُ في ظُلْمِ المُسْتحيلْ ستونَ عاماً من القَهْرِ الثقيلْ ستونَ عاماً من الرَّدِّ الهزيلْ ويثبت لنا تيار الوعي في قصيدة (صاحبة الأسوار) أنّ الشاعر متأثر نفسياً بمواقف الماضي, ومن العبء الذي ألقي على كاهله, ومن المؤكد أن تيار الوعي يعد من أهم طرق السرد الحديثة, فهو يكشف لنا باطن الشخصية, وما يسعدها وما يؤرقها, يقول الشاعر: كانتِ الدنيا مطرْ ومواقفٌ تكتبُ فيها العِبَرْ.. رُغمَ ظلمِ الظَّلمِ كانتْ رُغمَ وحشِ السجنِ كانتْ تبتسمْ.. وخُلودُ الأسماءِ في هذا المساءِ في سماءِ غزةَ يرتسمْ.. ورجالُ الطاغوتِ من إحدى الضحايا تنتقمْ.. نرى هنا, أنّ الشعور لدى سعيد الداعور انصهر في بوتقة الإحساس بالعاطفة والعقل معاً, فالعقل يفهم معنى الظلم, ويدرك مدى الابتعاد عن الأهل والوطن والسجن, ولكن الشعور الداخلي للعاطفة الجياشة التي يحياها الشاعر لا تستطيع أن تعبر عن هذه المكنونات, فيغوص في أعماق النفس ليستخرج لنا الدرّ الدفين والقابع وراء مشاعره الخالدة وعاطفته الجياشة نحو حب صاحبة الأساور الفضية, فيقول: يا رمزَ العشقِ الساكنِ في وحشِ الليل.. يا رمزَ الحبِّ المتدفِقِ من نهرِ الحرية.. سيفيقُ الناسُ على طنينِ سِوارِك يوماً وتُحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــكُ أســـــــــــــــــــــــاوٌركَ أجمــــــــــــــــــــــــــــــــل كوفـــــــــــــــــــــــة فيجعل منها معادلاً موضوعياً لحب الأرض الذي يحثه على الثورة, ولا شيء يغني عن حب الأرض. ونلاحظ أن السرد موجود بنسبة عالية في قصائده, وهذا ما يستدعي حضور الشخصية والحدث, وهو بذلك يعمل عملية إسقاط على النفس والشخصية, والأنا المتحدثة في القصائد من خلال التركيز على باطنها وتيار الوعي لديها, وذلك من خلال المناجاة أو الحلم, وذلك من خلال العوامل النفسية العديدة والتي تحيط بالشاعر من جميع جوانبه, فنجد هنا أنّ الرؤية السردية في قصيدة (حل العرب) تنسج نسيجاً متماسكاً في الشعر الثوري, وتتجسد الدراما بين الأسطر الشعرية, لتحملنا إلى عالم الحركة وهي تتحد مع البناء الدرامي في العمل الشعري ليتكون لنا فضاء في النص يربط بين الرؤية السردية والدراما قائلاً: بدأَ المسلسلُ في العراقْ وبدأَ العربُ في الافتراقْ أُكِلَ الثورُ الأبيضُ فرحَ الخليجْ فلسطينُ ذاقتْ مُرَ ذاك المزيجْ فيجذب قارئ النص الشعري نحو بنية النص المتكاملة. وفي هذه القصيدة يستدعي الشاعر شخصية صدام حسين, وهو الزعيم العربي الثائر الذي سلب وطنه وأعدم في صباح عيد الأضحى, ولم يحرك له العالم ساكناً فكأنهم أصبحوا ذبائح تساق من قبل المحتل وأعوانه, يقول: ويومَ أضحانا شُنِقَ الأسيرْ مِنْ سيئٍ إلي أسوأِ حالُ العرب سَلَّموا رقابَهم وثرواتَهم للغرب ينتظرونَ الحمايةَ من جيشِ اليهودْ باعوا القدسَ والمسرى للقرودْ زرعوا الفوضى لشرقٍ جديدْ يحث الشاعر ويحرضهم على الغاصب المحتل. وتتمثل شخصية الثائر في شخصية الشهيد الأسير الذي ما أصبح شهيداً إلا بعد أن كان ثائراً كبيراً, نجد سعيد الداعور في قصيدته (قلم رصاص) يظهر الصوت الداخلي المتسلل إلى عقله من خلال المونولوج, والذي يحثه دوماً على الثورة على كل أشكال الظلم, يقول: اكتُبْ فالقلمُ سلاحٌ بتَّار اضربْ في صرحِ الظالمِ ينهار لذا يرسم لنا الشاعر لوحة سيكولوجية لشخصيته, وهو يتملك الإرادة ويكتوي بنار المحتل في آنٍ واحد, فإرادة الشاعر وإرادة الشعب الفلسطيني تكون نحو النصر والثبات والتمكين, رغم القتل والتجويع والترويع, فيقول في قصيدة (صامدون): اقتلونا جِّوعونا شرِّودنا مارسُوا فينا الإبادة لكنَّكم مهما فعلتُمْ لن تهزموا فينا الإرادة هذا ويثور الشاعر على أشكال الظلم, أو المتسلقين على أكتاف الثورة والشعب واللاجئين, وربما لكل هذه الأسباب المجتمعة وغيرها جاء الصوت المتفجر داخل الشاعر, وهذا ما شعرناه من خلال المونولوج في القصة الشعرية, وقد جاء الصوت المتفجر جلياً في هذه القصيدة, يقول في قصيدته (للفجر أوان): قميءٌ وبذئٌ وجبانْ مَنْ يأكُلُ لحمَ الإنسانْ من يَعجنُ خبزَه بدميْ يعصرُهُ شرياناً يتلو شريانْ قميءٌ وبذئٌ وجبانْ مَنْ يقبلُ بيع َالأوطانْ مَنْ يُسِلِمُ يدهُ للشيطانْ وفي هذه القصيدة رمزية واستعارة, حيث مثل الشاعر عن الحاكم أو القائد المستكين والذي يقبل التطبيع والتعاون مع الاحتلال بالخائن, وفي هذه القصيدة نجد أنّ أغلب حروف القصيدة تفجيرية, وهذه تدلل على أنّ الحوار الداخلي الذي يدور في ذهن الشاعر مصحوباً بحالة نفسية هي حالة الذهول والغضب التي يحياها ليس الشاعر فقط بل كل الفلسطينيين يؤمن بأن النصر آتٍ لا محال وهو ما أشار إليه العنوان, يقول: قميءٌ وبذئٌ وجبانْ من يستسلِمُ للعُدوانْ من يستسلِمُ للطغيانْ قميءٌ وبذئٌ وجبانْ من لا يقطعَ رأسَ الثُعبانْ من لا يكسرُ قيدَ السَّجَّانْ (...) من لا يؤمِنُ أن للفجرِ أوانْ وفي قصيدة (للقدس مكان) نلحظ بأن رغبة سعيد الداعور الجامحة في النصر والتحرير لا يحققها إلا ما يراه وما يريده هو وأبناء فلسطين الذين يحملون رغبة واحدة مكبوتة تكمن أهميتها في تحرير القدس, يقول: فلسطين وقَفٌ عُمَرِيٌ لكلَّ النَّاسْ حذاري من صفقةٍ بيعٍ أيُّها الحُرَّاسْ جيشُ مِصْر طردَ منها الصليبينِ يا قدسُ لا تنتظري صلاحَ الدينْ نحن الفدائيون جندُ الله الفاتحينْ والمتأمل في دوال القصيدة يجد أن الغلبة فيها للأسماء؛ لما لدلالة الاسمية من قوة تمكنه من الاستمرارية. رغم ما يحيط به من أثقال ومعيقات أبرزها من أبناء أمته, فيشير إلى هذه المعيقات, يقول: يا قدسُ يا مدينةَ الأحزانِ خائنٌ من باعَكِ للشيطانْ أطبقي شفتيكِ ولا تشتكِي لجبانْ ذلُّوا وتولُّوا عُربانَ خليج ِالخرفانْ منذ متى يحكمنا نذلٌ وجبانْ؟ باعوا شعوبَهم وأَرضَهم بلا أثمانْ سنقطعُ أيديكُم عن قدسِ الأقداسْ للظلم والقهر الذي يحياه الشعب الفلسطيني قصة كبيرة مع الشاعر الفلسطيني, ليحدد لنا شخصية الآخر, التي لا تدع الفلسطيني يعيش بسلام فرغم أنه لاجئ مشرد إلا أنهم يلاحقوه بصفقات مشبوهة للقضاء على بقائه, ووصف الآخر ما بين شيطان وجبان وخرفان ونذل وجبان وأشار إلى أنه خائن باع القضية, وذلك بصور متعدة, منها الظاهر الجلي ومنها الرمزي, ومنها ما يفهم من السياق, ومنها من خلال الحبكة القصصية. |