|
خمسون عاماً من الحمل الكاذب!
نشر بتاريخ: 03/02/2021 ( آخر تحديث: 03/02/2021 الساعة: 14:32 )
بقلم: د. صبري صيدم
خمسون عاماً من عمري أكملها اليوم، التي كانت الزمن الذي مرّ منذ استقلت آخر دولة عربية عن الاستعمار المباشر، ليبدأ المستعمرون مرحلة جديدة من الهيمنة والسيطرة والتحكم والتبعية عن بعد، بل أكاد أجزم وغيري الكثيرون، بأن استعماراً من نوع آخر بدأ آنذاك، لتكون فضيحته الفاقعة مع وجود ترامب في السلطة، وهو الذي حوّل العمل السياسي الخفي بما شمله من تطبيع وتبعية وسيطرة، إلى لعب واضح على المكشوف، فلا الأمة انتصرت، ولا نجحت في إخفاء إخفاقاتها وتبعيتها وامتثالها لأوامر العم سام، لنجد أنفسنا وبعد خمسين عاماً أمام حمل كاذب من الوعود والأماني، خاصة بعد سنوات عجاف من ربيع الهم والهموم، وما نجم عنه من تطرف وقتل وتفكك وتدمير.
واليوم وفي زمن الأوبئة القاتلة، بتنا أبناء يعرب، في معظمنا وكما بقية العالم الثالث، تحت رحمة اللقاح، الذي سيلقيه مستعمرو الأمس علينا، وعلى من حكم عليه بالاحتلال، أو الفقر، أو كليهما معاً. حتى صرنا نستمع اليوم لموجة جديدة تقول: سنرسل لكم لقاحاً من نوع كذا ولقاحاً آخر من نوع كذا، وثالثاً من نوع كذا.. هكذا يبدو بازار اللقاحات اليوم بين الفقير والغني عالمياً، في صورة محزنة لحال البشر في عصر كورونا، وذلك إثر صياح لم يتوقف خلال الأسابيع القليلة الماضية لمنظمة الصحة العالمية، جراء تفوق الدول الغنية حسب المنظمة المذكورة، على الدول الفقيرة في الحصول على اللقاحات ضد الوباء.
قرون اشتكى فيها العالم من طبيعة الفارق المستدام في توزيع الثروات، وفق القوة العسكرية والهيمنة السياسية، والتجّبر الآدمي، ليلتحق بها منذ ثمانينيات القرن الماضي، ما عرف بظاهرة الفارق الرقمي، أمام ازدهار تقنيات الاتصالات والمعلوماتية في عصر العولمة، وليشتد الفاصل الحضاري بين ما عرف بدول الشمال ودول الجنوب. واليوم يدخل العالم في نوع جديد من الفرز القائم على من يمتلك المال لشراء اللقاح، ومن لا يمتلكه لتترك الدول العربية المفلسة وفقراء العالم الثالث أمام عنصرية من يملك في مقابل من لا يملك.
صحيح أن لأي دولة الحق في تأمين سلامة مواطنيها أولاً، لكننا نتوقع أن سلامة العالم تعني سلامة مواطنيه جميعاً، خاصة أن سياسة الإغلاق الشامل لم تعد مجدية بعد عام على كورونا، وهو ما يضطر الدول للإبقاء على الحد الأدنى من السفر والاحتكاك المباشر، بين رعايا الدول على اختلافها، غنيها وفقيرها، بينما يستمر تدفق الحراك التجاري الذي يضمن بقاء البشرية وتجارتها وصناعتها على قيد الحياة.
لهذا فإن تطعيم البشرية قاطبة يجب أن لا يخضع للنمط الذي ساد خلال سنوات الحمل الكاذب، وإنما لنمط جديد من التعامل المتكافئ بين الجميع لضمان سلامة البشرية قاطبة، غنيها وفقيرها.
وحتى لا تبقي منظمة الصحة العالمية على صراخها، فإن المطلوب اليوم أن يتم استحداث صندوق كورونا الأممي، الذي تغذيه الدول الغنية لصالح تلك الفقيرة، بغرض تأمين اللقاح وتوفيره للجميع بعدالة وتوازٍ، لا بتجّبر وعليائية وامتهان. إن سلامة فرد في مكان مظلوم مكلوم، تعادل سلامة فرد آخر في مكانٍ ميسورٍ مجبور.
فمال الموت أنفق في الخمسة عقود الماضية، عقود الحمل الكاذب، وقد آن الأوان لينفق مال الحياة لكل الناس، إلا إذا ما صدقت نظرية المؤامرة، التي يروج لها البعض، والتي تقود نحو الحاجة للتخلص من ربع سكان الأرض، عندها تختلف المعادلات ويسود من جديد ميزان القتل على ميزان العدل.
|