وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

البرنامج المجتمعي واحترام إنسانية المواطن مفتاح الفوز في الانتخابات التشريعية

نشر بتاريخ: 07/02/2021 ( آخر تحديث: 07/02/2021 الساعة: 12:06 )
البرنامج المجتمعي واحترام إنسانية المواطن مفتاح الفوز في الانتخابات التشريعية

كمتابع ومحلل في الشأن السياسي منذ سنوات طوال، وجدت أن الفوارق في البرامج والشعارات السياسية بين الفصائل والقوى العاملة على الساحة الفلسطينية، قد تقلصت من عام إلى آخر، حتى أصبحت متشابهة ، يصعب التمييز بينها ، واستناداً إلى عديد المواقف والبيانات وتصاريحات قادة من مختلف الفصائل، إضافة إلى التغيير الذي طرأ على الأدبيات السياسية الفصائلية، تبين أن القاسم المشترك بين هذه القوى على الأقل مرحلياً، هو إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية، وأن الهدف من تعميم مواقف مغايرة بين الفترة والأخرى ، يهدف إلى الحفاظ على الصورة النمطية لبعض الفصائل في أذهان الجماهير ،لئلا يرتبط ذلك بتنازلات تأكل من حصص التأييد.

ربما يكون هذا التشخيص صادماً للذين لايتابعون المتغيرات بدقة، بينما لا يخرج عن نطاق استخلاصات المحللين القادرين على تقديم قراءات علمية وعميقة للمواقف وما يحيط بها . لنعرض بهدوء ووضوح حقيقة تتعلق بقوى اتخذت مواقف متشددة من اوسلو، ووصفت الاتفاق وتداعياته بأقذع الأوصاف ابتداءً من التفريط وانتهاءً بالتخوين، في حين تضع الآن كل طاقاتها وإمكانياتها لتحقيق أكبر نسبة تمثيل في الانتخابات التشريعية التي هي وليدة اوسلو في الأصل، أي أنها تدخل إلى البرلمان من بوابة اوسلو، ومن لم يرق له هذا التشخيص ، فليخبرني بحقيقة بوابته السياسية والقانونية التي تسمح له بالمشاركة في الانتخابات ، لعلي أصوب تشخيصي. لهذا ومن أجل ألا نبيع المواطن وهماً، فإن الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية هي من مفردات وإفرازات اوسلو.

قد يقول قائل إن اتفاق اوسلو أصبح مفروضاً ولا يمكن تجاوزه في ظل موازين القوى والانقسام الفلسطيني والموقف الدولي ، وأن استثمار بعض هوامش هذا الاتفاق كالانتخابات مثلاً يندرج في إطار فهم مرحلي للواقع، ويمكن لي بالطبع استيعاب مثل هذا الطرح، لكن مع الإقرار أن التباينات في الطروحات السياسية البرامجية للقوى قد ذابت، اللهم أن الاختلاف هو في أسلوب تعبير كل طرف عن مواقفه ، وما يصاحب ذلك من تلاعب في الكلمات والقفز على الحبال، فيتشتت المواطن بين ماهو حقيقي في الطرح وماهو تضليلي تمويهي.

أعلم أن هناك عوامل كثيرة تكالبت على الفلسطينيين، وأن الوضعين العربي والدولي فرضا وقائع محددة ، وأن النظام العالمي بتركيبته ومصالحه لا يقدم للفلسطينيين سوى دولة في الضفة والقطاع " على المستوى النظري" فقط ، بيد أن الذي يمثل توافقاً دولياً اعتماداً على قرارات أممية أخذ يتراجع في ظل مسابقة إسرائيل الزمن في تغيير الوقائع على الأرض، ما جعل موضوع الدولة المستقلة صعباً ومعقداً أمام ترهل الموقف الدولي ومحاباة الاحتلال، وأمام الانقسام الذي مزق النسيج السياسي والمجتمعي ، وأظهر الفلسطينيين في المرآة الخارجية أنهم يتقاتلون على سلطات وصلاحيات تحت الاحتلال، حيث بهت الانقسام الصورة النضالية العامة للفلسطينيين وأساء لها.

وعلى أهمية الطرح السياسي كون قضيتنا هي سياسية وحقوقية في الدرجة الأولى،إلا أن البحث عن تمايزات جاذبة للناخب في هذا المجال بين فريق وآخر تكاد تكون صعبة،ليتحقق التميز والتمايز في رأيي من خلال البرنامج المجتمعي لأسباب كثيرة نذكر منها:

أولاً- الوضع الاقتصادي الخانق الذي حول حياتنا إلى جحيم، فيما يتطلع المواطن إلى بصيص ضوء يستبشر به في نهاية النفق المظلم.

ثانياً- تطلع المواطن إلى حياة يومية توفر له الاشتراطات الأساسية من أمن وضمان معيشي وفرص عمل وحد من البطالة.

ثالثًا- توق الفلسطينيين إلى تحريم حقيقي للاعتقال على أساس المواقف السياسية والمعتقدات الفكرية.

رابعًا- حاجة المواطن إلى خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية، وبالاستفادة من دروس وعبر (كورونا) فإن مطلب توفير الخدمات الصحية وجعلها متاحة لكل المواطنين يتصدر المطالب الحياتية المجتمعية كافة.

باستدعاء سريع لمحطة مهمة في التاريخ العربي نشير إلى أن القائد القومي جمال عبدالناصر هُزم عسكريًا في العام ١٩٦٧، ووقعت القيادة في أخطاء عسكرية وأمنية وعدم تقدير مواقف وحسابات، لكن بوصلتها ظلت تعرف وجهتها جيداً بخصوص القضايا المجتمعية واحتياجات المواطن ،لأن المصريين خاصة والعرب كافة الذين عاصروا عبدالناصر أو الذين وقفوا على تجربته لاحقاً من خلال القراءات والوثائق والمعطيات الأرشيفية ما زالوا ينظرون بحنين إلى التأميمات التي قام بها، والمساكن الشعبية، وتشييد المصانع، وتوفير فرص العمل، والتأمين الصحي، وإتاحة التعليم بكل مستوياته للشعب دون تمييز ، إضافة الى نهوض في التصنيع الثقيل والثقافة والفن والإعلام والعمل البحثي والخدمات العامة من شوارع وساحات وأندية وملاعب ومسارح وجمعيات.. الخ

المواطن الفلسطيني اليوم هو بأمس الحاجة إلى تطمين حقيقي على مستقبله ومستقبل أبنائه وليس إلى تطمين كلامي تخديري ، لذلك فإنه سينتخب من يصدق برنامجه المجتمعي وينأى بنفسه عن من يسعى لتخديره بشعارات كبيرة، وأن البرنامج المجتمعي الخدماتي سيكون له فرصة للفوز حينما يركز على القضاء والنزاهة والشفافية وملاحقة الفساد، وحينما يقدم أيضاً موقفا واضحاً من قضية المرأة وحقوقها وانصافها والتعامل معها كشريك كفؤ، لا كتابع أو خادم أو وسيلة لإمتاع الرجل أو آلة للتفريخ.

إن شبه التعادل في كفتي نسبة الذكور والإناث في مجتمعنا من حيث التعداد السكاني، يعطي بالطبع أهمية كبيرة للصوت النسائي ، لاسيما وأن نسبة المؤطرات من النساء قليلة مقارنة مع النسبة الأكبر غير المؤطرة التي سيجذبها البرنامج الذي يحترم المرأة، ويصب في تعزيز مكانتها ، ويتعامل معها كشريك وعقل وطاقة إنتاجية، وليس مجرد خيال وظل لايُرى فقط سوى حين يريد أن يراه الرجل!!!

في البرنامج الاجتماعي هناك حلقات أخرى من المهم التركيز عليها كالطفولة والشباب والمهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة والريف الفلسطيني بخصوصيته السكانية والجغرافية والأسرى المحررين الذين هم قوة نضالية واجتماعية وثقافية وفكرية وأخلاقية ، إلى جانب المثقفين والأكادميين والطلبة ، وقبل ذلك جموع الكادحين الذين يحلمون بفرص عمل تخرجهم من دائرة الفقر والعوز.

وبناءً على ما ذكر من شأن الانفتاح على القوى الفاعلة في المجتمع وكفاءاته المستقلة، أن يضخ بقوة دفع انتخابي، أما الانغلاق الحزبي وحصر النقاشات في الأعضاء والأنصار سوف يؤدي إلى مزيد من الانحسار والتقوقع ، ما سينعكس سلباً على الحصيلة النهائية في صندوق الاقتراع.

نحن نتحدث عن انتخابات في عصر انفتاح أفق الفضاء، وتعدد وسائل الاتصال وسرعة الحصول على المعلومة، أي أن الأساليب الإعلامية الدعائية العصبوية والنرجسية هي بلا جدوى بل سترتد بنتائج سلبية على من يستخدمها.

ومن المفيد مخاطبة المواطن من خلال الوسائل الإعلامية الحديثة، وبكل ما أنتجته البشرية من تطور في التقنيات، وبشعارات ومصطلحات واضحة ومكثفة بعيدة عن الاسهاب وحشد بطولات لا تنتهي.

يستطيع الفصيل أن يوظف تاريخه ، لكن بلغة 2021 لا بلغة الستينيات والسبعينيات ، و بالربط الجدلي التفاعلي المقنع بين الحاضر والماضي بلا تضخيم، وتجنب الحديث عن انتصارات ساحقة، حتى لا يستهين المواطن بالخطاب الإعلامي ويتساءل إذا كانت الانتصارات الحاسمة موجودة لماذا نحن في هذه المعادلة المعقدة التي نعيش اليوم وتحت الاحتلال ؟! . لقد صمد الفلسطينيون في مراحل تاريخية حساسة ، ودفعت القوى بل والشعب بشكل عام تضحيات كبيرة ما منع مصادرة وتذويب القضية والهوية، وهذا مهم جداً ، بيد أن تناول الاحتلال وكأنه في حالة ضعف وتفكك ودفاع سلبي عن النفس عبارة عن نسج لبطولات حسم مضخمة ليس إلا .

من حق الفصائل والقوى التي ستخوض الانتخابات أن تتحدث عن صمودها وإنجازاتها ، دون إغفال تحديات ومشاكل الحصار، وما يحيط بقضيتنا من تحديات. باختصار الانتخابات لا تحتاح إلى طبول وأبواق صاخبة بل إلى الدخول بسلاسة وسرعة وتكثيف إلى قلوب وعقول الجمهور، فمفاتيح الانتخابات الماضية بعضها قد أصابه القدم، ويتحتم على الذي يقرأ المتغيرات أن يغير من مفاتيح مخاطبة الجماهير، لكي لا يمسك بذيل الأحداث ولا يسمع سوى صدى صوت يتردد في الماضي البعيد ، دون ملامسة الحاضر المعاش بمتطلباته واشتراطاته.