|
المقاومة الشعبية الفلسطينية: الاشكاليات والمعيقات
نشر بتاريخ: 12/02/2021 ( آخر تحديث: 12/02/2021 الساعة: 14:19 )
وبالرغم من صدور بيان القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية بتاريخ 13/9/2020 من أجل إطلاق حراك جماهيري لمقاومة الاحتلال وإنجاز الاستقلال الوطني، الا أن هذا البيان بقي يتيما ولم يتمخض عنه تحرك شعبي مؤثر. ليس هذا فحسب فالمتابع للشان الفلسطيني يلاحظ تراجعا واضحا في انخراط الجمهور الفلسطيني في فعاليات المقاومة الشعبية في السنوات الأخيرة. إن هذا يثير تساؤلا رئيسيا عن اسباب هذا التراجع وما هي العوامل التي أدت إلى احجام الجماهير الفلسطينية عن المشاركة في فعاليات المقاومة الشعبية خاصة وانها ليست أسلوبا جديدا أو تقنية مستحدثة في تاريخ النضال الفلسطيني، بل هي إحدى أشكال المقاومة التي مارسها الشعب الفلسطيني منذ بداية صراعه مع الحركة الصهيونية العالمية وحكومة الانتداب البريطاني، وقد شكلت الانتفاضة الفلسطينية الأولى مرحلة مفصلية في تاريخ المقاومة الفلسطينية من خلال قدرتها على تعبئة جماهيرية واسعة شملت كافة شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني كما تميزت باستخدامها وسائل وأسلحة سياسية، اجتماعية، واقتصادية في نضالها ضد الاحتلال وسياساته العنصرية، كما أنها عملت على تعزيز الاتجاهات الإيجابية داخل الفرد والمجتمع من أجل الحرية والتغيير. بلا شك أن تردد وتراجع الجمهور الفلسطيني عن المشاركة في فعاليات المقاومة الشعبية لم يأتي من فراغ بل هو نتاج لمجموعة من العوامل والمتغيرات التي ساهمت في التأثير على توجهات الجماهير الفلسطينية اتجاه المقاومة الشعبية ودورها كوسيلة نضالية للتحرر والتغيير السياسي والاجتماعي. سأحاول في هذا المقال أن الخص أهم العوامل المعيقة لخيار المقاومة الجماهيرية في فلسطين. 1. التركيز على مجموعة محدودة من المواقع ونقاط المواجهة وعدم توسيعها لتشمل مجمل الحغرافيا الفلسطينية. كما أنها تمحورت حول اشخاص محددين وفشلت في الوصول إلى أوساط المجتمع الفلسطيني من أجل تجنيده للمشاركة في فعالياتها التي بقيت تتميز بكونها فعاليات نخبوية، ومما تجدر الاشارة اليه في هذا الصدد الى انه في كثير من الأحيان كان عدد المتضامنين الأجانب يفوق عدد المتظاهرين الفلسطينيين. ان تمركز هذه الفعاليات الشعبية في نقاط محددة وباعداد متظاهرين محدودة أفقد هذه الفعاليات أحد أهم مقومات نجاح واستمرارية أي حركة مقاومة شعبية وهي الشمولية والتمكبن من خلال تجنيد نسبة كبيرة من طاقات الجماهير من مختلف الفئات والأعمار والاتجاهات للمشاركة في إثراء مسيرة التحرر والنضال. 2. غياب رؤية واستراتيجية نضالية واضحة للمقاومة الجماهيرية يترافق ذلك مع عدم وجود رغبة سياسية حقيقية لدي القيادات الفلسطينية لإنضاج استراتيجية شاملة وموحدة ذات برنامج تحرري لتأطير الجماهير الفلسطينية وتعبئتها للمشاركة في الفعاليات الميدانية. فعلى الرغم من ان غالبية الفصائل الفلسطينية تتبنى فكرة المقاومة الشعبية كما ورد في ادبياتها ومؤتمراتها كاسلوب نضالي ضد سياسات الاحتلال وممارساته كالاستيطان والتمييز العنصري الا انها لاتزال عاجزة أو غير جادة في تحويل هذه النصوص الى افعال حقيقية على ارض الواقع. والأهم من ذلك أن الجماهير الفلسطينية لم تعد ترى في الفصائل الفلسطينية حاضنا حقيقيا لها نتيجة تراجع دورها السياسي والاجتماعي. كما تجدر الاشارة الى ان الانقسام الفلسطيني قد أدى الى انعدام التنسيق والعمل المشترك بين الفصائل الفلسطينية كما ساهم في انعدام الثقة بين هذه الفصائل واضعف قدرتها على بناء برامج وفعاليات تستقطب الجماهير العريضة. 3. ضعف المشاركة السياسية والتفاعل التنظيمي وانعكاسها على المشاركة في المقاومة الشعبية ضد الاحتلال. بلا شك انه كلما زادت مشاركة افراد المجتمع في العمل السياسي والاجتماعي وكلما زادت نسبة تأطيرهم في العمل التنظيمي كلما كان استعدادهم للمشاركة في الفعاليات الميدانية أكبر. تعتبر المشاركة السياسية عنصرا مهما في تشكيل شخصية الفرد وتعزيز انتمائه الوطني كما أنها تزيد من ايمانه بأهمية دوره كإنسان واعي ومقاوم. لم تكن الانتفاضة الفلسطينية الاولى لتنجح وتحقق اهدافها بدون تعزيز قيم المشاركة السياسية والعمل الاجتماعي التطوعي في الجامعات والنقابات والاندية وتعزيز قيم التعددية السياسية والتعبئة الجماهيرية التي كانت تعيشها الجماهير الفلسطينية في مرحلة ما قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى. فالمقاومة الشعبية لا تستطيع ان تستمر وتنجح بدون تعبئة جماهيرية صحيحة قائمة على تعزيز الثقة مع الجماهير واحترامها باعتبارها مصدر الشرعية ومحرك النضال. أضف الى ذلك ان الجماهير الفلسطينية بحاجة الى الاقتناع بأن المقاومة الجماهيرية التي يتم تبنيها حاليا تمثل استراتيجية مقاومة حقيقية وليست مجموعة من الفعاليات الفردية والمحدودة التي يقوم بها أفراد أو مؤسسات رسمية محددة كجزء من مهام وظيفية. 4. سياسات الاحتلال: يمثل الاحتلال أحد أبشع أشكال العنف البنائي في الحياة الإنسانية لأنه يقوم على أساس فرض إرادته على الشعب المحتل والسيطرة عليه بقوة السلاح ومن خلال استخدام ممارسات قمعية عنيفة، ويعتبر الاحتلال الإسرائيلي من أكثر أنواع الاحتلال بشاعة ودموية عبر التاريخ الإنساني لما يقوم به من عمليات قتل واعتقال وتدمير للممتلكات ومصادرة للأراضي وتجريف المزارع واقتلاع الأشجار وإغلاق المدارس والجامعات. لقد عمل الاحتلال الإسرائيلي بكل قوته على منع قيام مقاومة شعبية فلسطينية، وقد واجه كافة أشكال هذا النوع من المقاومة بمزيد من العنف والبطش، وكان هذا واضحا في الانتفاضة الأولى عام 1987 حيث اعتبر قادة الاحتلال الإسرائيلي أن أكبر تحدي يمكن أن تواجهه الدولة العبرية هو تسلح الشعب الفلسطيني بالمقاومة الجماهيرية اللاعنفية وهذا يتضح من خلال تصريحات قادة الاحتلال، ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة الميساجيرو الإيطالية وصف اسحق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك الانتفاضة الفلسطينية الأولى بأنها مرحلة من مراحل الحرب العربية لتدمير إسرائيل، وأن ما يجري هو صيغة جديدة لتدميرها. وهذا ما يفسر أيضا إستراتيجية الجيش الإسرائيلي في التعامل مع أي تحرك جماهيري فلسطيني والتي تستند إلى استخدام القوة بشكل كثيف، فعند اندلاع انتفاضة الأقصى جاء الرد الإسرائيلي سريعا وشرسا بهدف سحق وإبادة المظاهرات الشعبية التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية. 5. التغييرات الاجتماعية لدى قطاعات وشرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني، التي أعقبت انتفاضة الأقصى والانقسام الفلسطيني، والتي غيرت في المزاج الشعبي لبعض الشرائح في فلسطين، وأدت إلى تحولات تدريجية في اهتمامات واولويات كثير من المواطنين الفلسطينيين بحيث أصبح هناك تداخل بين أولوية التحرر من الاحتلال وبناء مجتمع استهلاكي يعتمد على القروض من أجل تحقيق متطلبات الرفاه. وهذا يشكل تناقض واضح مع متطلبات مرحلة التحرر لشعب لا زال تحت الاحتلال. أخبرا من المهم التأكيد على أن إعادة الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية يتطلب تفعيل المقاومه الشعبية. فما يمكن أن تطوره هذه المقاومة من تحالفات مع قوى عالمية تؤمن بالحرية والعدالة ومقاطعة الاحتلال بكافة الاشكال يبقى هو الخيار الأكثر اتساقا مع المنطق والمتغيرات العالمية. إن التوجه نحو تفعيل المقاومة الشعبية يجب أن يستند إلى إستراتيجية فلسطينية شاملة تهدف إلى إعادة تفعيل دور الجماهير وتوسيع مساحة النضال الفلسطيني وعدم حصره في الإطار النخبوي أو الحزبي. كما يبقى سلاح المقاطعة الاقتصادي والثقافي والاكاديمي أحد أهم اشكال المقاومة الشعبيةاللاعنفية التي يجب تعزيزها لما لها من تأثر على اقتصاد الاحتلال ومحاصرة نشاطاته الثقافثة والاكاديمية على مستوى العالم وفي نفس الوقت نشر الرواية الفلسطينية و تأطيرها تاريخيا وعلميا.
|