|
الانتخابات الفلسطينية القادمة.. التحديات والعقبات والتساؤلات
نشر بتاريخ: 15/02/2021 ( آخر تحديث: 15/02/2021 الساعة: 16:28 )
بقلم: د. أحمد يوسف إن الحقيقة الوحيدة التي عليها إجماع وطني بين الكل الفلسطيني هي أن هناك ضرورة للتقييم والتغيير.. فالمشهد السياسي العام لم يعد استمراره رغبة أحد، وهو يهدد مستقبل المشروع الوطني برمته. خلال الخمس عشرة سنة الماضية تمزقت حركة فتح، وأصبحت هناك أربعة عناوين لها برؤى وتطلعات سياسية متباينة، حيث يرى أكثرهم أن المشهد الذي يقوده الرئيس عباس قد أفرغ حركة فتح من مشروعها النضالي، وغدت الصورة العالقة في أذهان الناس هي عملية التنسيق الأمني المهين مع الاحتلال. هناك أيضاً التيار الذي يمثله مروان البرغوثي، ويرفع شعارات وطنية تعزز من حظوظ فوزه كواجهة نضالية تعمل لتعديل المسار الفتحاوي وتصويبه. كما أن الانتخابات ستمنح التيار الاصلاحي الذي يقوده (دحلان - المشهراوي) فرصة للظهور بشكل رسمي، والحصول على ما نسبته 10% ، حيث لا يمكن لشخصٍ منصفٍ إنكار حضوره الواسع وخاصة في قطاع غزة . لا شك أن فرص توحيد حركة فتح يرجع لمدى المرونة التي يبديها الرئيس عباس في التعامل مع كلٍّ من مروان البرغوثي ودحلان، وهذه مسألة معقدة ولا يبدو أن لها هناك حلاً سهلاً إلى الآن. إن حركة حماس هي الأخرى تواجه تحديات كبيرة في إقناع كوادرها بما تفرضه السياسة من متطلبات المرونة والبرغماتية والتحالف مع الغير من خصوم الأمس، إلا أن قوة صفها الداخلي سيجعلها تمرر الكثير من هذه التفاهمات مع حركة فتح التي يقودها الرئيس عباس، إما على مستوى "القائمة المشتركة" لو تمَّ الاتفاق عليها، أو بقائمة وطنية موسعة تفتح فيها المجال للتكنوقراط والمستقلين بأخذ مواقع وازنة داخل قائمتها . إن المؤشرات التي تطرحها استطلاعات الرأي الداخلية لا تعطي لفتح وحماس أكثر من 25-30% لكل واحد منهما، وهذا معناه إجبار الطرفين لتشكيل حكومة تحالف وطني يتم التوافق عليها بينهما . إن الذي تأمل في تحقيقه حركة حماس هو تفاهم حقيقي مع الرئيس عباس حول الشراكة السياسية والتوافق الوطني، ضمن القواسم المشتركة التي تسمح بها قواعد اللعبة السياسية، ويمكنها أن تمنح من هم في مشهد الحكم والسياسة القدرة على التصدي لمواجهة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ووقف حالة التدهور والهرولة العربية نحو التطبيع مع دولة الاحتلال. إن حركة حماس تدرك أن من سيمنحها الشرعية والقبول إقليمياً ودولياً هو تحالفها مع الرئيس عباس، والدخول معه في حكومة لها مهمات لإصلاح الوضع الداخلي، وجمع الكل الفلسطيني للعمل معاً في سياق نضالي يعتمد استراتيجية اللعنف في العمل المقاوم . إن حركة حماس تعلم أنه لن يتم التعامل أو القبول بها إلا من خلال شراكات سياسية بعباءة مدنية، بعيداً عن قرقعة السلاح، وما ألبسته إسرائيل لها من ثياب الشيطان باتهامات التطرف والإرهاب !! وعليه؛ فإن حركة حماس اليوم تحرص أكثر من أي وقت مضى على إظهار أنها حركة تحرر وطني براية إسلامية محافظة، وأنها جزء من روافع المشروع الوطني، تحركها الرغبة بالشراكة السياسية من خلال التمثيل في المجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية. إن حماس اليوم أقرب إلى البرغماتية السياسة، وهي رغم وجود تأثير كبير للعسكر عليها، إلا أنها أكثر انفتاحاً من ناحية المرونة السياسية والتعامل مع الغرب، وخاصة مع دول الاتحاد الأوروبي من أي وقت مضى، وقد ظهرت مؤشرات ذلك في العديد من التصريحات التي أطلقها زعماء الحركة مثل د. موسى أبو مرزوق والأستاذ خالد مشعل. إن الانتخابات التشريعية القادمة تمثل طوق النجاة للرئيس عباس ولحركة حماس، ومنحهما الشرعية لاستمرار قيادة المشروع الوطني لسنوات قادمة، وأن أي تصدع في العلاقة بينهما قد يقود إلى مزيد من الانهيارات، التي يصعب التنبؤ أو التحكم في مآلاتها . لا شك أن الطرف الإسرائيلي سيرقب تقلبات المشهد الانتخابي أو ما يسميه البعض بـ"العرس الفلسطيني الديمقراطي"، ومن خلال نتائجه سيتم بناء استراتيجية المواجهة مع كل من الرئيس عباس وحركة حماس. إن إسرائيل تطمع باستمرار سياسة التنسيق الأمني، والقدرة على تطويع حماس لتغليب الجانب النضالي السلمي بتليين شوكة العسكر، ووقف حالات التصعيد والاستهداف التي قد تخرج عن السيطرة، وتأخذ الجميع باتجاهات الحرب التي لا تُحمد عقباها. إن إسرائيل تراهن على سياسة الحصار لإضعاف الوضع الفلسطيني الداخلي، وما يترتب عليه من تحريك الحاضنة الشعبية في اتجاهات مغايرة للعمل المقاوم. ولكن هذه أيضاً عملية محفوفة بالأخطار فاستمرار الحصار سيولد حالة من الغليان وحصول الانفجار. إن التيار الإصلاحي رغم محدودية حضوره السياسي اليوم، إلا أنه سيظل قادراً على اللعب بورقة الدعم الإماراتي الخليجي، وبالتالي الحفاظ على تنامي شعبيته، وتعزيز فرص تحالفاته مع آخرين من حركة فتح، وحتى ربما مع حركة حماس في المجلس التشريعي القادم. إن من الجدير ذكره، أن الرئيس عباس حالياً هو خيار الضرورة وليس هو المستقبل بالنسبة لحماس أو حتى لحركة فتح، وفرص نجاحه في انتخابات رئاسية قادمة أمر مشكوك فيه، إلا إذا دعمته حركة حماس ضمن تفاهمات يتم الاتفاق عليها بين الطرفين. لا شكَّ أن إحتمالية إجراء انتخابات الرئاسة أو تعطيلها ما تزال بيد الرئيس عباس، وهو صاحب القرار في ذلك، بناءً على تقديرات الملأ من حوله من أصحاب المصالح والامتيازات . في الحقيقة، إن المزاج الشعبي العام وربما الإقليمي والدولي مع تغيير الرئيس عباس واختيار شخصية وطنية تحظى بإجماع الكل الفلسطيني، ضمن ما سيؤول إليه المشهد الانتخابي القادم من إحتمالية قيام شراكة سياسية بتوافق وطني . باختصار.. مازال المشهد المتعلق بالانتخابات التشريعية وشكل التوافقات والتفاهمات بين الأطراف الحزبية المختلفة يدعو للتفاؤل، وإن كان مشهد الانتخابات الرئاسية ما زال يكتنفه الغموض، ومن الصعب التكهن بنتائجه وانعكاساته، إذا لم تستكمل العملية كما تمَّ الإعلان عنها. |