وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"الانتخابات التشريعية وحركة فتح"

نشر بتاريخ: 08/03/2021 ( آخر تحديث: 08/03/2021 الساعة: 20:56 )
"الانتخابات التشريعية وحركة فتح"


بقلم: المحامي حاتم ابوهليل


بموجب مرسوم الانتخابات الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم 15/1/2021 ستجرى الانتخابات التشريعية بتاريخ 22/5/2021، والانتخابات الرئاسية في 31/7/2021، وستكون نتيجة الانتخابات التشريعية المرحلة الاولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، على ان يستكمل في 31/8/2021 وفق النظام الاساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية، بحيث تجرى انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن.

وما أن تم الاعلان عن مرسوم الانتخابات حتى بدأت أصوات الكثيرين في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" تتعالى لخوض الانتخابات سواء أكانت التشريعية أو حتى الرئاسية، ولكن موقف حركة فتح بخصوص الانتخابات والتصريحات تفيد بأن الحركة ستخوض هذه المعركة ب "قائمة موحدة"، وكذلك قررت منع كوادرها من الصف الاول الجمع ما بين عضوية اللجنة المركزية و المجلس التشريعي دون تقديم استقالاتهم من مواقعهم التنظيمية فيها.

يبدو أن قرار الحركة بالالتزام بقائمة موحدة أثار حفيظة أعضاء في اللجنة المركزية وكذلك أشخاص كانوا بارزين من السابق في الحركة وتم تنحيتهم أو تهميشهم إن صح التعبير في فترة ولاية الرئيس محمود عباس، وبما أن مرسوم الانتخابات قد صدر ويبدو انه لا يمكن الرجوع عنه أو على الاقل لا يمكن التراجع عن الانتخابات التشريعية؛ بدأ الكثيروين ما بين ثائر على الحركة وما بين من يرى نفسه قد ظلم وهذه هي الفرصة المناسبة لاستعادة مكانته التي كانت او يستحقها.

"شرذمة فتح في صالحها"
بالرغم من عدم تخطيط حركة "فتح" لفكرة شرذمتها؛ ستكون الشرذمة في هذه المرة لصالحها، كيف!
تختلف الانتخابات التشريعية التي ستجرى يوم 22/15/2021 عن التي جرت في كانون الثاني من عام 2006 والتي منيت فيها حركة فتح بهزيمة كبيرة من حركة حماس (التي حصلت على 76 مقعد مقابل 43 45 مقعد لفتح)، وكان السبب المركزي فيها هو تشرذم شرذمة حركة فتح والنظام الانتخابي الذي كان يقسم الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة الى 16 دائرة انتخابية. وبموجب القرار بقانون رقم (1) لسنة 2007م بشأن الانتخابات العامة وحسب المادة الرابعة منه في الفقرة الاولى "يتم انتخاب أعضاء المجلس في انتخابات عامة حرة ومباشرة بطريق الاقتراع السري على اساس التمثيل النسبي الكامل "القوائم " باعتبار الأراضي الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة".
وعبارة دائرة انتخابية واحدة تعني أن القائمة الواحدة التي تحصل على صوت من رفح وصوت من جنين سيكون توزيع المقاعد عليها بشكل نسبي، بحيث أن هذا النظام سيعطي الأسماء الاولى في القائمة عضوية المجلس التشريعي بتراتبية الاسماء ونسبة حصول القائمة على الاصوات الصحيحة في نتيجة الانتخابات.
ولكن كيف ستكون الشرذمة في حركة فتح هذه المرة في صالحها بالرغم من أنه كان سبب مركزي في هزيمتها عام 2006؟!

في الحقيقة إن القارئ لمشهد الانتخابات الفلسطينية قد يعتبرها لعبة سياسية أن تتم بهذا الشكل، خاصة فيما يحصل داخل حركة فتح ووجود انقسام كبير بين اعضائها خاصة من يسمون بقيادة "الصف الاول" ، قد يرى فيه الكثير بأن هذه الاطراف لا تجمعهم حركة واحدة، بالرغم من ان حركة فتح تقوم على "التعددية، وتقبل الاخر".
حركة فتح لها جمهورها ولها كوادرها، وفيها أيضاً فئات أخرى تم تنحيتها من المشهد السياسي، هذه الفئات لديها أيضاً شعبية وجمهور كبير من بين الفلسطينيين، والمشاهد لحركة فتح يجد فيها الكثير من أعضائها ومناصريها منقسمين بين تيارات وأحلاف داخلية تشكل تكتلات تستحوذ على نسب تساعد في حصولها على مقاعد في المجلس التشريعي.
هذه التكتلات في حال خوضها للانتخابات التشريعية خارج ما يسمى "القائمة الموحدة" لحركة فتح ستيعطي حركة فتح نسبة أكبر من التي يمكن أن تحصل عليها فيما لو تم الالتزام بالقائمة الموحدة للأسباب الأتية:
أولاً: حركة فتح لديها مؤيديها ومناصريها ومن هم أعضاء على اختلاف تسمياتهم ومناصبهم ولديهم جمهور عريض من أبناء الشعب الفلسطيني، وخوض الحركة للانتخابات بـ"قائمة موحدة" سيعطيها وزن انتخابي لا بأس به، بحيث كل عضو في فتح سواء أكان كادر أو من أصحاب القرار فيها لم يتفق مع خيارات الحركة أو لديه تحفظات قديمة أو مستجدة سيكون ضد هذه القائمة وإن لم يظهر ذلك في العلن وبأقل تقدير سيضعف من وزن حركة فتح الذي تمثله في الواقع "ويمكن قياس انتخابات 2006 على ذلك باستثناء تعديل النظام الانتخابي لدائرة واحدة".
ثانياً: خوض رموز حركة فتح للانتخابات التشريعية ومِن مَن هم أصحاب الأيادي النظيفة وأصحاب تاريخ سياسي ونضالي، "برأيي" لن يؤدي إلا لحصول فتح على أكبر من وزنها الطبيعي فيما لو أنها خاضت الانتخابات بقائمة واحدة؛ فعندما تشمل هذه الاسماء المستقلين والاكاديميينوالأكاديميين والمقبولين والذين يعبرون عن الشارع، تكون فتح قد استقطبت جزءاً كبيراً من الشارع الذي لن ينتخبها!

والأمثلة عديدة سأطرح منها الجزء الذي بدأ يرى النور :النور:
١. التكتل الذي سوف يقوده الدكتور ناصر القدوة وهو عضو لجنة مركزية في حركة "فتح"، ولكن يبدو أن دوره هش وضعيف جداً في اللجنة المركزية "بعد استلامه عام 2005-2006 وزيراً للخارجية لم يتسلم أي موقع مؤثر في مؤسسات السلطة الفلسطينية"، الامر الذي أدى إلى إعلانه عن رغبته في خوض الانتخابات بشكل مستقل تحت اسم "الملتقى الوطني الديمقراطي"، والدكتور ناصر هو أبن أخت الرئيس الراحل ياسر عرفات ويلقى قبول واسع من فئة المثقفين والاكاديميينوالأكاديميين، والكثير من غير حركة فتح يرغب وقد يسخر نفسه للعمل ضمن فريق يقوده.

٢- الكتلة التي يلمح لها نبيل عمرو وهو سياسي وكاتب فلسطيني معروف وكان له دور كبير في منظمة التحرير وحركة فتح والجهاز الاعلامي والثقافي في السلطة، ومنذ وفاة أبو عمار وهو خارج الدائرة وباختصار ودون تجميل للكلمات تم نبذه واقصاءه خارج مركز القرار او حتى الدائرة المقربة منه، والتسريبات تشير الى ان الكتلة التي قد يتزعمها قد تضم د. سلام فياض رئيس الوزراء السابق (2007-2013) وهو ايضا اقتصادي فلسطيني شغل مراكز هامة ودولية كدوره الهام في البنك الدولي (مساعد المدير التنفيذي للبنك الدولي في واشنطن)، وهذه الكتلة لها نصيب مهم من الشارع.

٣- كتلة مروان البرغوثي في حال لم يتم الموافقة على شروطه التي لم يعلن عنها في اجتماعه مع عضو مركزية فتح حسين الشيخ، واذا ما شكل البرغوثي قائمة مستقلة عن ما تسمى بقائمة فتح الاولى التابعة لسلطة الرئيس محمود عباس ومركزية فتح، فهذا سيجعل من هذه القائمة على رأس المعركة الانتخابية، باختصار قائمة يتراسها مروان البرغوثي الاسير الذي ضحى ويقبع خلف القضبان، سوف تكون من أكبر الكتل الانتخابية المتنافسة، وهذا راي الشارع باعتقادي وشعبنا لديه الكثير من العاطفة، ولديه الكثير من الاستياء من شبهات الفساد الذي التي يتنسب لإدارة السلطة الحالية سواء كانت سبباً فيه او لا، فمن الطبيعي ان يكون المسؤول مسؤول!

٤ - القائمة الاكثر جدلاً قائمة محمد دحلان والتي لم تتضح صورتها او بنيتها حتى الان، وهذه القائمة لها بعض الميزات، مثلاً هي التي حملت جزء من الموظفين والكثير من الاسر في قطاع غزة، وهذا عند الانتخابات يكون له دور مركزي في الاختيار وقطاع غرة له ما يقارب ال ٤٠٪ من مقاعد المجلس التشريعيالقدرة التصويتية في الانتخابات القادمة، ولا يمكن تقدير حجم المساعدات التي تقدم للأسر او حتى حجم التغطية السابقة للموظفين او الكادر الفتحاوي التابع لدحلان ولكن يبدو ان له ثقل كبير، وبالتالي له وزنه الانتخابي .

٥- حركة فتح او كتلة حركة فتح الموحدة التي ستشكل من المقبولين في الشارع الفلسطيني حسب تصريحات اعضاء المركزية تحديدا "أبوجهاد" محمود العالول نائب رئيس حركة فتح لها قاعدتها وكوادرها التي تعمل فيها ولديها موظفين ولديها مؤسسات، وسيكون لها نصيبها وان لم يكن حجمها الطبيعي بسبب التقسيمة التي وضحت اعلاه.

هذه التقسيمة لم تتم بخطة، ولكنها تعبر عن الاختلاف الحقيقي بين افراد المجتمع الفلسطيني، وصحيح ان التكتلات مختلفة، ولكن الناظر لها بعين اخرى يجد ان المستفيد الاكبر لها منها هو حركة فتح وبمعنى اخر قياداتها الذين تم اقصاءهماقصاؤهم والذين لم يتم اقصاءهماقصاؤهم ولا يتفقوا مع الخيار الذي تشكله فتح بقياداتها الحالية، يشكلون حالة وجمهور عريض من أبناء الشعب الفلسطيني وسيلتقون تحت سدة البرلمان.

في النهاية لطالما تغنت "فتح" بالتعددية وأنها أم الجماهير؛ هذه الجماهير تعبر عن اختلاف وهذا الاختلاف يعبر عن الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم واراءهم السياسية، ولما كانت فتح تقبل الاختلاف عليها ألا تقف في وجه أي تكتل أو ائتلاف؛ فالمجلس التشريعي كما تقدم سيشكل المرحلة الاولى من المجلس الوطني وبالتالي سيعبر عن الموقف الوطني للشعب الفلسطيني وبغير ذلك ستتحمل القيادة المسئولية.
فالتكن المسئولية على عاتق الشعب الفلسطيني مجتمعين، فإصلاح فتح يصلح حال القضية الفلسطينية!