وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حول إنتخابات حماس الداخلية في غزة

نشر بتاريخ: 14/03/2021 ( آخر تحديث: 14/03/2021 الساعة: 12:47 )
حول إنتخابات حماس الداخلية في غزة

إنتهت يوم الأربعاء الماضي الموافق 10/3/2021، الجولة الرابعة من إنتخابات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة بالإعلان رسمياً عن فوز يحيى السنوار على منافسه نزار عوض الله، لتنتهي بذلك إنتخابات حماس العامة في أحد المناطق الإنتخابية التي يحددها النظام الإنتخابي بثلاث مناطق (غزة، الضفة الغربية، الخارج)، إذ من المنتظر أن تُنهي قريباً باقي المناطق إنتخاباتها الداخلية لتنتخب المناطق الثلاث سوية رئيس المكتب السياسي العام للحركة.

ويسمح النظام الإنتخابي المطبق في الحركة لكل منطقة من المناطق الثلاث بتطوير نظامها الداخلي ولائحتها الإنتخابية الخاصة شريطة عدم التعارض مع النظام الأساسي للحركة، وعند الإختلاف تنظر هذا الإختلاف لجنة قانونية عامة ولجنة تفسير للنظام، وإذا لم يُسوى الخلاف يحال الأمر برمته لهيئة قضائية مستقلة للبث فيه وإصدار حكم قضائي بات.

وكانت مصادر إعلامية وأخرى مقربة من حركة حماس قد أعلنت عقب الجولة الثالثة من الإنتخابات التي جرت يوم الثلاثاء الموافق 9/3/2021، عن فوز المهندس نزار عوض الله برئاسة المكتب السياسي للحركة في غزة، الأمر الذي أثار كثير من اللغط في اوساط أعضاء حركة حماس وكذلك في أوساط كثير من المراقبين الفلسطينين، لا سيما بعد قرار اللجنة القانونية التي يرأسها القائد في الحركة فرج الغول التوجه لجولة رابعة من الإعادة، إذ فيما اعتبر البعض أن جولة الإعادة الرابعة هي شكل من أشكال التزوير، إعتبر أخرون أن التوجه لجولة رابعة جاء نتيجة لضغوط إقليمية تفضل بقاء السنوار على رأس المكتب السياسي لضمان عدم تراجع حماس عن التفاهمات التي توصلت اليها مع أطراف محلية وإقليمية بخصوص الترتيبات السياسية للمنطقة.

وفيما تنفي هذه المقالة وجود أي شكل من أشكال التزوير في أي من مراحل الإنتخابات، إلا أنها تُسلط الضوء على واحدة من المناطق الشورية السبع، وتحديداً منطقة شمال غزة، لا سيما وأن تصويت هذه المنطقة في الجولة الرابعة قد تحول بشكل دراماتيكي وجاء مخالفاً لاتجاهات تصويتها في جولات الإعادة التي سبقت الجولة الرابعة، حيث كانت اتجاهات تصويت هذه المنطقة ما قبل الجولة الرابعة لصالح منافس السنوار، الأمر الذي يستدعي قراءة ما جرى ويجري داخل حركة حماس لما لذلك من تداعيات على الواقع الفلسطيني برمته.

وفي محاولتها تفسير ما جرى هذه المرة في انتخابات حماس في غزة تؤكد هذه المقالة على أن أي من المتنافسين لم يحصل على نسبة (50%+1) في جولات الإنتخابات الثلاث، مما يعني وفقاً لأحكام النظام الإنتخابي أن من يحصل على أعلى الأصوات لا يعتبر فائزاً برئاسة المكتب السياسي، إذا لم يحصل بالحد الأدنى على 161 صوت من مجموع أصوات الناخبين، الأمر الذي لم يتحقق في جولة الإنتخابات الأولى وجولتي الإعادة الأولى والثانية، وفي جولة الإعادة الثالثة حصل السنوار على 167 صوت متجاوزاً بذلك نسبة (50%+1) مقابل 153 صوت لعوض الله.

ويُعرف السنوار بصلابته وحماسته للعمل العسكري المقاوم، حيث يسجل له ولفريقه أنه كان من أول المؤسسين لجهاز حماس العسكري الذي أصبح يعرف لاحقا بكتائب عز الدين القسام حين أسس في بداية ثمانينات القرن الماضي الجهاز الأمني المعروف (بمجد)، الأمر الذي أدى لإعتقاله من قبل الإحتلال الإسرائيلي والحكم عليه بالمؤبد أمضى منهم أكثر من عشرين عاماً حيث أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى المعروفة بصفقة وفاء الأحرار أو (صفقة شاليط) العام 2011.

وقد وفرت سنوات الإعتقال الطويلة للسنوار وفريقه الذي أعتقل معه فرصة الإحتكاك بغيره من المناضلين الفلسطينيين والعرب خاصة من فتح والجبهة الشعبية وحزب الله، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في جعل السنوار قائد غير تقليدي في نظرته للآخر الفلسطيني، حيث كانت اول الإشارات الدالة على ذلك وثيقة الوفاق الوطني العام 2005 التي أصبحت مرجعاً لكل جولات الحوار بين فصائل العمل الوطني والإسلامي بعد إنقلاب العام 2007.

وجاءت أقوى الإشارات الدالة على هذا التحول بعد إنتخابه رئيساً للمكتب السياسي في غزة للمرة الأولى العام 2017 في تصريحاته في أكثر من مكان وفي أكثر من مناسبة أمام أعضاء حماس أن حماس قد أخطأت بالتورط في أحداث صيف العام 2007 علاوة على أنه شن حملة تطهير واسعة في صفوف حماس للتخلص من الفاسدين مما خلق حالة من النفور منه في صفوف حماس، الأمر الذي خلق تيارين داخل حركة حماس يعرف الأول بتيار المشايخ أو تيار الإخوان التقليديين، وتيار الشباب الذي يبرز فلسطين والمقاومة وعلاقته مع الآخر في خطابه.

ولا أكشف سراً بالقول هنا أن التيار الإخواني التقليدي في الحركة قد سعى للتخلص من قيادة السنوار للحركة في غزة في هذه المرة من إنتخابات الحركة في مرحلة التحضير للإنتخابات أو خلال التصويت وجولات إعادة التصويت، وكان الفيديو الذي حمل تحريضاً ضد السنوار وقيادة القسام الذي سربه أحد عناصر القسام في يناير الماضي من أوضح الإشارات على هذا المسعي.

أما الدلالات الدالة على هذا المسعى التي برزت في مرحلة التحضير للإنتخابات فتجلت في تعديل تركيب مجلس الشورى العام الذي تكون في إنتخابات العام 2017 من 87 عضو ممن يحملون مرتبة نقيب بأقدمية خمس سنوات ومنتخبين من مجالس شورى المناطق الشورية السبع، حيث ضم مجلس الشورى العام هذه المرة كل مجالس شورى المناطق الشورية الكبرى، علاوة على أنه ضم كل أخ أمضى على بيعته للجماعة عشر سنوات فما فوق ولم يحصل على مرتبة نقيب لأسباب تتعلق بمؤهلاته وقدراته على ترأس أسرة إخوانية.

وعلى ذلك زاد عدد أعضاء مجلس الشورى العام في قطاع غزة هذه المرة إلى 320 عضو، موزعين على سبع مناطق شورية كبرى (شمال قطاع غزة، مدينة غزة وتتكون من ثلاث مناطق كبرى، المنطقة الوسطى، خانيونس، رفح)، بشرط أن يبلغ عدد النساء (الأخوات) 50 عضو، أي ما نسبته 15,6% من المجموع العام، وقد إنتهت مراحل انتخابه يوم الأربعاء الموافق 3/3/2021، وفاز برئاسته الشيخ أسامة المزيني.

وتجدر الإشارة هنا أن تخفيف درجة السرية التي أحاطت هذه المرة من الانتخابات التي عادة ما تحاط بالسرية، قد سمح للمراقبين بتفسير السلوك الإنتخابي لهيئة الناخبين الذي يعتبر أحد فروع علم الإجتماع في دراسة ميول ورغبات وأنماط ونوايا الناخبين، وقد تعددت تفاسير السلوك الإنتخابي بين التفسير الجغرافي، والتاريخي، والإجتماعي الإقتصادي، والنفسي، وتفسير المرشح المثالي، وأخيراً تفسير نموذج الإلغاء والإختيار المثالي.

وتظهر قراءة نتائج التصويت أن العامل الجغرافي كان عاملا إضافيا حاسماً لعامل التنافس بين تياري الحركة المختلفين (التقليدي وغير التقليدي) في توجيه الناخبين، حيث لم يحصل عوض الله على أي من أصوات الناخبين في منطقة خانيونس مسقط راس السنوار، فيما لم يحصل السنوار على أكثر من عشرين صوت من مدينة غزة التي يسكنها عوض الله، حيث بدى وكأن التنافس يدور بين شمال القطاع الذي يضم مدينة غزة وجباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، وجنوب القطاع الذي يضم مناطق الوسطى وخانيونس ورفح، وقد ظل الأمر كذلك إلى أن حدث الإنقلاب في جولة الإعادة الرابعة، وصب شمال القطاع أصواته لصالح السنوار.

وفي الختام تؤكد هذه المقالة أن إلتزام حركة حماس بإجراء الإنتخابات الداخلية مرة كل أربع سنوات على أنها المكون السياسي الفلسطيني الأكثر إلتزاماً وتطبيقاً لقواعد وشروط الديمقراطية (الشورى) في رسم السياسات وإتخاذ القرارات وإختيار القيادات داخل الحركة، الأمر الذي يحرج إلى حد ما ويدحض خطاب باقي المكونات السياسية الفلسطينية التي تؤمن بالقيم والمبادئ الديمقراطية وتنادي بإقامة نظام حكم ديمقراطي نيابي وفقاً لنص المادة رقم (5) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003، ويقدم حركة حماس كحركة ظلامية لن تسمح بالعودة مرة أخرى لصناديق الإقتراع حال فوزها بالإنتخابات العامة، كما تؤكد هذه المقالة أن حركة حماس تنظيم غير قابل للتشظي والإنقسام ويجيد إدارة خلافاته الداخلية بروح القانون والنظام الأساسي.