خيارات الأغلبية المطلقة وأغلبية الثلثين في المجلس التشريعي
نشر بتاريخ: 03/04/2021 ( آخر تحديث: 03/04/2021 الساعة: 19:14 )
الكاتب: المحامي المستشار علي أبو دياك
المجلس التشريعي هو السلطة التشريعية المنتخبة وفقا للمادة (47) من القانون الأساسي، ويعتبر القانون الأساسي بمثابة الدستور المؤقت الذي يتضمن الأحكام الدستورية التي حددت مبادئ وأساس الحكم في فلسطين، وحيث أن المجلس التشريعي هو السلطة التشريعية المختصة بتعديل القانون الأساسي فإن من يملك ثلثي مقاعد المجلس التشريعي يمكنه تعديل القانون الأساسي بكل ما تضمنه من مبادئ وأحكام دستورية، حيث نصت المادة (2) على أن الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في القانون الأساسي، ونصت المادة (5) على أن نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخاباً مباشراً من قـبل الشعب وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي الفلسطيني، ونصت المادة (6) على أن مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص.
ويختص المجلس التشريعي بمنح الثقة وحجبها عن الحكومة، حيث نصت المادة (83) من القانون الأساسي على أن الحكومة تعتبر مستقيلة ويعاد تشكيلها فور بدء ولاية المجلس التشريعي، حيث يقوم الرئيس وفقا للمادة (65) من القانون الأساسي بتكليف رئيس الوزراء الذي يتولى تشكيل حكومته خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ اختياره، وله الحق في مهلة أخرى أقصاها أسبوعان آخران فقط، وبموجب المادة (66) من القانون الأساسي فإن على رئيس الوزراء المكلف فور اختياره لأعضاء حكومته أن يتقدم بطلب إلى المجلس التشريعي لعقد جلسة خاصة للتصويت على الثقة بالحكومة بعد الاستماع والانتهاء من مناقشة البيان الوزاري المكتوب الذي يحدد برنامج وسياسة الحكومة، ويتم منح الثقة بالحكومة بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس التشريعي (67) عضو، وإذا أخفق رئيس الوزراء المكلف في تشكيل حكومته خلال الأجل المذكور أو لم يحصل على ثقة المجلس التشريعي وجب على رئيس السلطة الوطنية استبداله بآخر خلال أسبوعين من تاريخ إخفاقه أو من تاريخ جلسة الثقة حسب مقتضى الحال، وتنطبق على رئيس الوزراء المكلف الجديد ذات هذه الأحكام.
وهذا الاختصاص للمجلس التشريعي تجاه تشكيل الحكومة لا يتوقف عند منح الثقة للحكومة وإنما يملك المجلس التشريعي بموجب المادة (57) والمادة (78) من القانون الأساسي حجب الثقة عن الحكومة بالأغلبية المطلقة لأعضائه (67) عضو، ويترتب على حجب الثقة عن رئيس الوزراء وحكومته انتهاء ولايتهم، ووفقا للمادة (79) يكلف الرئيس بديلا لرئيس الوزراء خلال مهلة أقصاها أسبوعان تبدأ من تاريخ حجب الثقة، ويخضع رئيس الوزراء المكلف الجديد لذات أحكام الحصول على ثقة المجلس التشريعي.
والمجلس التشريعي هو السلطة المختصة حصرا بإقرار القوانين، فقد نصت المادة (47) من القانون الأساسي على أن يتولى المجلس التشريعي مهامه التشريعية والرقابية على الوجه المبين في نظامه الداخلي، وفوض المجلس التشريعي بأن يضع إجراءات إقرار القوانين في النظام الداخلي للمجلس، ووفقا للمادة (69) من النظام الداخلي للمجلس فإنه يتم إقرار مشاريع القوانين بالأغلبية المطلقة (نصف + واحد من عدد أعضاء المجلس الحاضرين عند التصويت) ما لم ينص على خلاف ذلك، وبموجب المادة (70) من النظام الداخلي فإن على رئيس المجلس التشريعي فور إقرار مشروع القانون بالقراءة الثالثة أو فور انقضاء أسبوعين من تاريخ إقراره بالقراءة الثانية أن يحيل مشروع القانون إلى رئيس السلطة الوطنية لإصداره، ويجري نشره في الجريدة الرسمية.
وتعتبر المادة (71) من النظام الداخلي من الأحكام الدستورية الفاصلة التي تعطي المجلس التشريعي السلطة المطلقة في التشريع حيث تعطي المجلس التشريعي حق إصدار القوانين ونشرها في الجريدة الرسمية حتى لو اعترض عليها الرئيس أو لم يصدرها وذلك في حالتين:
الحالة الأولى: إذا مرت فترة شهر دون أن يقوم رئيس السلطة الوطنية بإصدار القوانين المحالة اليه من رئيس المجلس ودون أن يعيدها إلى المجلس مرفقة بملاحظاته أو أسباب اعتراضه تعتبر صادرة وتنشر فورا في الجريدة الرسمية، والحالة الثانية: إذا قام رئيس السلطة الوطنية برد القوانين وإعادتها الى المجلس خلال شهر من تاريخ إحالتها إليه مرفقة بملاحظاته أو أسباب اعتراضه، فتعاد مناقشة القانون فإذا تم إقراره بالأغلبية المطلقة للمجلس (نصف + 1 من عدد أعضاء المجلس (67) عضو) يعتبر نافذاً وينشر فوراً في الجريدة الرسمية.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن المجلس التشريعي يمكنه تعديل نظامه الداخلي في أي وقت بموافقة الأغلبية المطلقة للمجلس (67) عضو بموجب المادة (114) النظام الداخلي للمجلس، مما يمكن المجلس من تعديل قواعد وإجراءات إقرار القوانين والقرارات وفقا لإرادته المنفردة.
ويملك المجلس التشريعي سلطة تعديل القانون الأساسي بأغلبية ثلثي عدد أعضائه (88) عضو بموجب المادة (120) من القانون الأساسي التي نصت على أنه لا تعدل أحكام هذا القانون الأساسي المعدل إلا بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، كما نصت المادة (73) من النظام الداخلي للمجلس على أن أي تعديل أو تنقيح في القانون الأساسي يتطلب موافقة أغلبية الثلثين، وبناء على هذا النص فإن أي تحالف يبلغ الثلثين من أعضاء المجلس يملك تعديل القانون الأساسي بكل ما ورد فيه من أحكام تنظم الحقوق والحريات والعلاقة بين السلطات ومبادئ الحكم في فلسطين.
وبالرجوع إلى نتائج الانتخابات التشريعية سنة 2006 فقد أفرزت نتائج حاسمة دون جدوى لأي تحالفات، حيث كان النظام الانتخابي يجمع مناصفة بين الدوائر والقوائم، فقد حصلت حماس على ما مجموعه 74 مقعد وفتح على 45 مقعد وباقي القوائم 13 مقعد، حيث أحرزت حماس الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس التي تمتلك إقرار القوانين ومنح وحجب الثقة عن الحكومة وإقرار الموازنة السنوية، ولكنها لم تمتلك أغلبية ثلثي أعضاء المجلس (88) عضواً حتى وإن اجتمعت الأهداف والمصالح وتحالفت وقتيا مع القوائم الأخرى لإحراز أغلبية الثلثين لحسم التصويت على مسألة دستورية معينة في القانون الأساسي، وكذلك فإن فتح بمقاعدها الخمسة وأربعين (45) ولو تحالفت مع باقي القوائم الأخرى الثلاثة عشر عضوا فإنه لم يكن بامكانها حسم التصويت على أي قرار في المجلس التشريعي.
في النتيجية فإن المعركة الانتخابية لحصد الأصوات والفوز بالمقاعد لن تستمر طويلا حيث تنتهي حكما في شهر أيار القادم بظهور نتائج الانتخابات، إلا أن معركة التنافس المصيرية ستكون بعد ذلك تحت قبة المجلس التشريعي، حيث تبدأ مرحلة التحالف والتكتل بين الكتل والقوائم المتنافسة على أساس البرامج والأهداف المتقاربة لتحقيق هدفين أساسيين أولهما التحالف بهدف حشد الأغلبية المطلقة التي تملك منح الثقة وحجب الثقة عن الحكومة وإقرار القوانين، وثانيهما التحالف بهدف حشد أغلبية الثلثين التي تملك تعديل القانون الأساسي، حيث أن نتائج الانتخابات سترسم مشهد مختلف وخريطة حكم جديدة يمكنها السيطرة على القرار في المجلس التشريعي، وسيكون نظام الحكم برمته أمام تحديات جديدة يجب أخذها بالحسبان منذ الآن والبدء بصياغة خيوط وخطوط التحالفات وبناء جسور المقاربات والتكتلات الممكنة، لأن النتيجة الحقيقية للانتخابات لا تقاس فقط بكسب أو خسارة المقاعد النيابية، وإنما تقاس بكسب أو خسارة السيطرة على القرار في المجلس التشريعي، وفقدان القدرة على استقطاب القوائم المتقاربة والمتجانسة وإحراز التحالفات البرلمانية التي تضمن بمجملها جمع واصطفاف أغلبية أعضاء المجلس التشريعي للمحافظة على الهوية الدستورية لنظام الحكم ومنظومة الحقوق والحريات ومبادئ العلاقة بين السلطات.