|
الفاقد التعليمي ... وجائحة كورونا
نشر بتاريخ: 16/04/2021 ( آخر تحديث: 16/04/2021 الساعة: 18:33 )
د. رفاء الرمحي لم تكن جائحة كورونا هي الظرف الأول الذي تضطر فيه المؤسسات التعليمية لإغلاق أبوابها أمام الطلبة وفي المستويات الدراسية كلها، ففي فلسطين تحديدا اضطرت المؤسسات التعليمية إلى إغلاق أبوابها غير ذي مرّة بفعل لاحتلال، ومشهد الاجتياحات لا يزال ماثلا في الذاكرة. لكن الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا تميز عن سابقاته بأنه الأوسع والأكثر امتدادا زمني، إذ أغلقت غالبية المؤسسات التعليمية في كافة أنحاء المعمورة أبوابها أمام طلبتها من شهرين إلى ستة أشهر أو يزيد، وهو ما فرض على القائمين على المؤسسات التربوية في قطاعيْ التعليم العام والعالي التفكير في سياسات تربوية مستقبلية؛ تعالج الفاقد التعليمي لدى الطلبة في مختلف المراحل وتضمن أن المتعلمين يتعلمون، والحديث عن وجود فاقد لا يتطلب الكثير من الجهد، ويكفي بحسبة بسيطة حساب عدد أيام الحضور الفعلي في المدارس مثلا، أو رصد التباينات في مدى التزام الطلبة عموما بالتعلم الالكتروني بوصفه التدخل الرئيس للتعلم عن بُعد. بالعودة للفاقد التعليمي (Learning loss)، نجد أن المصطلح يعبر عن الخسارة العامة أو المحددة في المعرفة والمهارات التعليمية وما لها من انعكاسات في التقدم الأكاديمي اللاحق لدى الطلبة، ويعود السبب الرئيس في ذلك للانقطاع المؤقت أو الممتد في تعليم وتعلم الطلبة، للفلسطينيين مع هذا الفاقد حكاية خاصّة، فهم أكثر شعب عانى من وجود فاقد تعليمي على مدار السنوات السابقة نتيجة الاحتلال الإسرائيلي متعدد التدمير؛ جرّاء سياسته لتدمير المؤسسات التعليمية كهدف عدواني؛ تمثل في إغلاق مؤسساتنا التعليمية ولفترات طويلة خلال الهبات الشعبية والانتفاضات المتوالية. الفاقد التعليمي عاد ليطلّ عبر بوابّة جائحة كورونا وما فرضته من تحول من التعليم الوجاهي إلى التعليم الافتراضي والمدمج، ما جعل التربويين مطالبين بالتفكير والتفكر والبحث بعمق لإيجاد أدوات فعالة لقياس نسبة الفاقد التعليمي لدى المتعلمين، وكيفية العمل على الحد منها، وكما أشارت الدراسات إلى أن الفاقد التعليمي لا يكون نتيجة إغلاق المؤسسات التعليمية قصراً وفي الظروف الطارئة فقط، وإنما يمتد الأمر لمسببات أخرى مثل انقطاع الطلبة في العطلة الصيفية؛ ما قد يضطر مدرسيهم إلى إعادة التركيز على أساسيات التعلم بعد انتهائها، وتتركز هذه الملاحظة تحديدا في الصفين الأول والثاني، فما بالكم إذا كان فوق الانقطاع بفعل العطلة الصيفية انقطاع بسبب الجائحة، فالفاقد حينها مضاعف!! فيما يخص نسبة الفاقد التعليمي لدى المتعلمين فهي تتحدد بناءً على ما يفقده الطلبة من المعارف والمفاهيم الأساسية بسبب عدم اكتمال الدورة التعليمية المعرفية لأي سبب كان، وعدم الاكتمال بات حقيقة واقعة في ظل الجائحة ما يعزّز أهمية وجود تخطيط تربوي معمق ووازن؛ لضمان اكتمال الدورة المعرفية التعليمية لدى طلبتنا، والعمل على التحقق من ذلك بأدوات قياس تربوية فعالة، وحتى لا يكون الأمر مجرّد رد فعل عابر، فإن أول المطلوب مع انتهاء العام الدراسي البدء في جهد بحثي موجّه لدراسة معمقّة تضع أيدينا على مجمل ما نتج عن الجائحة والانقطاع من فاقد تعليمي ستكون له تداعيات على المدى البعيد في ظل تراكمية المعرفة. ثمّة ما يجب مراعاته، وهو ما تشير إليه الدراسات التربوية من الأسباب المتعددة التي تساهم في زيادة نسبة الفاقد التعليمي لدى الطلبة، وأولها وأبرزها إغلاق المؤسسات التعليمية لفترات طويلة، ما يترتب عليه انخفاض مستوى التعلم وإعاقة تحسين المهارات، وزيادة نسبة التفاوت في التعلم ما يقود إلى انخفاض مستويات التعلم لدى الطلبة، وهنا نستحضر ما تشير إليه تقارير البنك الدولي من أن 53% من الأطفال في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لا يمكنهم قراءة وفهم قصة قصيرة عند الانتهاء من دراسة صفوف المرحلة الأساسية الدنيا أي بحلول سن العاشرة، ويعد هذا المعدل مرتفعاً ويظهر خطراً حقيقياً على قدرة هؤلاء الطلبة على التعلّم اللاحق. ثاني الأسباب كامن في مستويات التعلم غير المتكافئة وغير العادلة والتاتجة عن الفجوة الرقمية بين الطلبة، نتيجة التوجه نحو التعليم الافتراضي أو المدمج، ما وسّع مساحة "عدم العدالة"، وفاقم فجوات التعلم بين مختلف شرائح نفس الأفواج الطلابية داخل البلد الواحد، وهنا يمكن الاستئناس بما أورده الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني من أن 49% من أطفال الأسر حُرموا من المشاركة في النشاطات التعليمية لعدم وجود إنترنت، ما يعني زيادة الفاقد التعليمي لدى هؤلاء الطلبة ، كما أن تأجيل العديد من الاختبارات الوطنية التي تجريها الجهات المسؤولة عن التعليم يؤدي لحدوث تأخير في قياس مخرجات العملية التعليمية. ويأتي التسرب المدرسي في الترتيب الثالث لمسببات الفاقد التعليمي فإغلاق المدارس، والغياب المطول عن الحصص الصفية الوجاهية يعطي الفرصة للعديد من الطلبة للتسرب الافتراضي، وتصبح أدوات الرقابة والتحقق من التفاعل المعرفي ضعيفة، وخصوصاً لدى الطلبة الأكثر تهميشًا، وهذا أمر مقلق!! . وهنا لا بد من تدخل التخطيط التربوي من مختلف المستويات السياساتية ، فقياس الفاقد التعليمي أمر غير يسير على المديين القصير والبعيد، والمؤسسات التعليمية بحاجة إلى وقت كافٍ للتقييم، ثم لإعادة بناء المعرفة والمهارات التي فقدت، فإعادة البناء مشروع طويل الأمد، وهو بحاجة لعملية تخطيط تربوية معمقة ومحكمة، بحيث تصبح المدارس قادرة على الاعتماد على موارد إضافية لدعم هؤلاء المتعلمين الذين تأثروا من عدم اكتمال الدورة المعرفية للمفاهيم الأساسية. أخيراً؛ تجد المنظومة التربوية بكل مكوناتها نفسها أمام سؤالٍ في غاية الأهمية والأثر، وهو : كيف يمكننا الحد من نسبة الفاقد التعليمي لدى طلبتنا في الظروف المختلفة ؟ في حالتنا الفلسطينية؛ الحد من الفاقد التعليمي مسؤولية مجتمعية يجب أن يتشارك في تحملها الكل الفلسطيني، أي الأهالي ومؤسسات المجتمع المدني التربوية ووزارتا التربية والتعليم،والتعليم العالي، والجامعات بحيث يتم تدريب المعلمين على طرق تعليم وتعلم تفاعلية، تزيد فرصة التعلم للطلبة، وتلبي حاجاتهم التعلمية وتزيد دافعيتهم، وعدم الاكتفاء بتقديم حصص الكترونية تقليدية غير تفاعلية. كما أنه يجب التركيز على المعارف والمهارات الأساسية للتعلم اللاحق، والتي تساعد المتعلم على بناء معرفته، وتنظيمها، من خلال الأنشطة الصفية واللاصفية، وربط المفاهيم العلمية بالحياة العملية، والتركيز على طلبة صفوف المرحلة الأساسية الدنيا من عمر 6 سنوات إلى عمر10 سنوات عبر إثراء الخطط التعليمية التطويرية العلاجية لهم، فهم وحسب العديد من الدراسات التربوية الأكثر تضرراً من بين فئات الطلبة المختلفة، ولا بد أيضاً من استثمار جزء من العطلة الصيفية بتنظيم المخيمات الصيفية الهادفة لترسيخ المعارف والمفاهيم الاساسية بطريقة جاذبة ومحببة للطلبة. وبالتالي، فإن الخطوة التالية تتمثل في ضرورة تجاوز الفاقد للبدء في خطوات فعلية للحد من الفاقد، فالحقيقة التي يتناساها الكثيرون أننا نتحدث عن فاقد متراكم على مدار عامين دراسيين، وبالتالي نحن أمام فاقد تراكمي ما يضاعف المسؤوليات علينا جميعا. |