نشر بتاريخ: 21/04/2021 ( آخر تحديث: 21/04/2021 الساعة: 13:57 )
استندت الأحزاب اليمينية والصهيونية الإسرائيلية في سياستها الرافضة لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلى سببين رئيسيين، يحكمهما جملة من العوامل الأيديولوجية والتاريخية والدينية والسياسية للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي.
يرتبط السبب الأول، بجوهر الفكر الصهيوني القائم على إنكار وجود الشعب الفلسطيني، ونفي حقوقه التاريخية والقومية في فلسطين، مقابل إبراز وتأكيد الحقوق التاريخية والدينية والسياسية لليهود فيها؛ وبالتالي تبرير عدم الأحقية السياسية للشعب الفلسطيني بدولة خاصة به على أي جزء من أرض فلسطين.
أما السبب الثاني، فيتمثل باعتقاد قادة تلك الأحزاب بأن أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبشكل خاص من الضفة الغربية، وتأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة، من شأنه تهديد وجود إسرائيل من النواحي الجيوستراتيجية.
ويعتبر "بنيامين نتنياهو"_ رئيس أكبر الأحزاب اليمينية الإسرائيلية "الليكود" وأبرز رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذي تمكن من التفوق في ستة دورات انتخابية برلمانية (خمسة منها متتالية رغم اتهامه بملفات فساد خطيرة وتعثره في تشكيل حكومة مستقرة) متجاوزاً بذلك "ديفيد بن غوريون" مؤسس دولة إسرائيل_ نموذجا واضحا على إنكار وجود الشعب الفلسطيني وبالتالي التنكر لحقوقه السياسية المقررة في القانون الدولي، وانتهاج سياسة عدائية تجاهه.
عقيدة "نتنياهو" السياسية:
ينكر "نتنياهو" في كتابه "مكان بين الأمم"، ادعاء العرب بأن اليهود احتلوا "أرض إسرائيل"، من أيدي شعب عربي عاش عليها مئات السنين، وكان صاحبها الشرعي. ويذهب إلى أبعد من ذلك بالقول أن اسم فلسطين نفسه لم يكن مستعملاً بين العرب، وأن البريطانيين هم الذين أحيوه، ومنهم صادره العرب لأنفسهم، في القرن الحالي.
وإن كان "نتنياهو" لا ينفِ بأنه كان هنالك عرب عاشوا في "أرض إسرائيل"، مثلما عاش عرب آخرون في أماكن أخرى كثيرة. لكنه يؤكد بأنه لم يكن هناك شعب فلسطيني ذو وعي قومي أو هوية قومية، أو حتى مصالح قومية مشتركة، ومثلما لم تكن هناك دولة فلسطينية على مر العصور، لم يكن هناك شعب فلسطيني أو ثقافة فلسطينية، بل إن الذين كانوا يلقبون أنفسهم "بفلسطينيين" في عهد الانتداب البريطاني، هم يهود فلسطين بالذات.
يزعم "نتنياهو" بأنه تم التعهد لليهود في مؤتمر "سان ريمو" عام 1920، ببيت قومي في فلسطين، على أرض تبلغ مساحتها خمسة أضعاف مساحة (أرض إسرائيل) حالياً، غير أن بريطانيا انتزعت في مؤتمر عصبة الأمم عام 1922، شرق الأردن من منطقة الوطن القومي اليهودي وأقامت إمارة شرق الأردن على جزء كبير من الأراضي المخصصة للشعب اليهودي (ما يقارب 77% من هذه الأراضي)، وتم إغلاق شرق الأردن بكامله في وجه الاستيطان اليهودي .
ويعتبر "نتنياهو" أن انتزاع شرق الأردن من منطقة الوطن القومي اليهودي، شكل تنازلاً مسبقاً من جانب الحركة الصهيونية، وهو بمثابة تعويض للفلسطينيين الذين يشكلون أغلبية سكانية به، ويعتبر بأن الأردن هو الدولة الفلسطينية القائمة بالفعل، مما يُبطل ادعاءات الفلسطينيين بأنهم بلا دولة، وينفي أحقيتهم بدولة ثانية في الأراضي المحتلة عام 1967.
عقيدة "نتنياهو" الأمنية:
يعتقد "نتنياهو" بأن تأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة على حدود عام 1967، يُشكل تهديداً جيوستراتيجياً لدولة إسرائيل. لأن مثل هذه الدولة؛ ستُلغي نهائياً قيمة المنطقة العازلة الموجودة حالياً على الجبهة الشرقية التي تفصل إسرائيل عن الأردن، وستضر بقدرة إسرائيل على الردع بما يشمل ثلاثة عناصر رئيسة تتمثل في قوتها العسكرية مقابل القوة العسكرية العربية، والمدة الزمنية للإنذار المبكر المتوفرة لديها لتمكينها من تجنيد قوات الاحتياط لديها، والحد الأدنى من المساحة المطلوبة للجيش الإسرائيلي كي يستطيع الانتشار لمواجهة أي خطر محتمل، كما أنها ستحرم إسرائيل من الموارد الاقتصادية ومصادر المياه التي تحصل عليها من الضفة الغربية. وستُجسد المرحلة الأولى من استراتيجية المراحل الفلسطينية التي تؤمن بها منظمة التحرير الفلسطينية والتي تهدف في نهاية المطاف لتدمير إسرائيل.
يؤمن "نتنياهو" بأن منهج الأرض مقابل السلام التقليدي يشكل خطراً على إسرائيل، لأن الأرض التي سيتم التنازل عنها ستكون بمثابة منطقة انطلاق للإرهاب، والهجمات العسكرية، أو الاثنتين معاً، ولأن الوعود الممنوحة لإسرائيل من قبل القادة العرب، حتى لو كانت صادقة، تأتي من أفراد يحكموا بشكل غير ديمقراطي، ولن تكون ملزمة لمن سيأتي بعدهم.
ويدافع "نتنياهو" عن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بقوله أن الاحتلال قد يكون سيء وينطوي على أعباء مادية ومعنوية ولكنه لن يشكل تهديداً لوجود إسرائيل، بل إن انسحاب إسرائيل من أراضي الضفة الغربية، سيؤدي إلى تقليل العمق الاستراتيجي لإسرائيل، وحرمان إسرائيل من السيطرة على مرتفعات الضفة الغربية، وتقليل الوقت اللازم لإسرائيل للتعبئة في الأزمات، ويتطلب زيادة الاعتماد على الاستراتيجيات الاستباقية، مما يؤدي إلى زيادة مخاطر تقطيع أوصال إسرائيل في أي حرب قادمة. وكل ذلك سيخلق مشاكل خطيرة تفوق الأعباء النفسية والاقتصادية للاحتلال.
ويخلص "نتنياهو" إلى القول بأن الدولة الفلسطينية، مثلها مثل اليد الممدودة لخنق شريان الحياة لإسرائيل الممتد على طول ساحل البحر من حيفا وحتى عسقلان، وبأن "أرض إسرائيل الغربية"، أي المنطقة الموجودة حالياً تحت سيطرة إسرائيل، هي وحدة إقليمية واحدة، فيها سلسلة جبلية واحدة، تُشرف على سهل ساحلي واحد، وكل من يقترح تقسيم هذه المنطقة إلى دولتين ينقصهما الاستقرار والأمن، ويحاول الدفاع عما هو غير قابل للدفاع، يكون كمن يدعو لكارثة.
"نتنياهو" وانعدام الثقة بالعرب:
يعتقد "نتنياهو" بأنه بعد أن فشل العرب بالقضاء على إسرائيل، وخصوصاً بعد هزيمة حرب عام 1967، والنتائج المحدودة التي حققوها في حرب عام 1973، تولد لديهم اعتقاداً بأنهم غير مضطرين للتسليم بوجود إسرائيل، وأن باستطاعتهم مواصلة السعي للقضاء عليها، وإن لم يكن بمقدورهم تدمير إسرائيل ضمن حدودها الحالية، فيجب إعادتها أولاً إلى الحدود الضيقة التي سبقت حرب الأيام الستة عام 1967، ومن ثم شن هجوماً مدمراً على "الدولة اليهودية"، وهو ما يعرف "بنظرية المراحل".
ويُلخص "نتنياهو" مواقفه من منظمة التحرير والحقوق الفلسطينية المشروعة بالقول، إن الثلاثي، غير المقدس، والمتمثل بالأهداف العليا للمنظمة (دولة مستقلة، وتقرير مصير، وحق عودة) وإلى جانبها أدوات التنفيذ الثلاثية (الميثاق الوطني الفلسطيني، ونظرية المراحل، والكفاح المسلح) تُشكل معاً عقيدة منظمة التحرير الفلسطينية، منها يستمد تلاميذها وأعوانها توجهاتهم، وإيحاءاتهم، وأهدافهم أيضاً؛ المتمثلة بالجهاد، وهدفها تدمير دولة إسرائيل بصورة نهائية.
"نتنياهو" والحل المرغوب:
يعتقد "نتنياهو" بأن معظم العرب الفلسطينيين، يعيشون الآن في معظم منطقة فلسطين الانتدابية (فلسطين والأردن)، ولا داعي لتحويل الأردن إلى "دولة فلسطينية"، فقد كانت هكذا منذ يوم ولادتها، وما يُدعى بالقضية الفلسطينية يمكن حله في إطار الدولتين المستقلتين، إسرائيل والأردن، دون أن تقام بينهما دولة ثالثة مصطنعة وغير مستقرة، فأرض إسرائيل الانتدابية كبيرة لدرجة تجعلها قادرة على استيعاب دولة يهودية صغيرة، إسرائيل، ودولة أكبر لعرب فلسطين، تلك التي تُدعى الأردن.
وتصور "نتنياهو" للأردن بأنها الدولة الفلسطينية وفقاً لما يعتقده، هو تعريف لوضع قائم وموجود، وليس صياغة حقوق، كما أنه ليس دعوة للقيام بأي عمل، ولا استبدال نظام الحكم في تلك الدولة. وحسب مفهوم "نتنياهو"، إن وجود وطناً قومياً فلسطينياً في الأردن، لا يستوجب إقامة جميع الفلسطينيين فيه، فالفلسطيني من الضفة الغربية، يستطيع السكن في إسرائيل، وإلا يختار الحياة في الأردن، مثلما يوجد يهود يفضلون العيش في الولايات المتحدة أو في فرنسا، وعدم الهجرة إلى إسرائيل. لكن الفلسطيني الذي اختار العيش في الضفة الغربية، يجب عليه الاعتراف بحقيقة أنه اختار أن يكون أقلية في منطقة خاضعة لسلطة الدولة اليهودية، ولا يحق له المطالبة بدولة فلسطينية ثانية في الضفة الغربية، مثلما لا يحق لعرب إسرائيل المطالبة بدولة فلسطينية ثالثة في الجليل ورابعة في النقب، وبالتالي إن الموضوع الذي يجب مناقشته والتفاوض بشأنه مع عرب الضفة الغربية حسب "نتنياهو"، هو مسألة صفتهم المدنية وليس مطالبتهم بالسيادة العربية على هذه المناطق الحيوية لمستقبل إسرائيل.
"نتنياهو" النسخة المحدثة:
أعلن "نتنياهو" عام 2009، بخطابه في جامعة "بار إيلان"، وبعد الضغوط التي تعرض لها من الرئيس الأميركي في حينه "باراك أوباما"، عن موافقته على "دولة فلسطينية"، شريطة أن تكون منزوعة السلاح ويعترف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل. ولم يحدد "نتنياهو" مطالبه الأمنية في خطابه، كما رفض تحديدها في "مفاوضات التقريب" التي جرت مع الجانب الفلسطيني برعاية أمريكية، وبإشراف السيناتور الأمريكي السابق "جورج ميتشل" خلال جولاته المكوكية في المنطقة.
وبصورة عامة، يشترط "نتنياهو" عدم تحديد مواعيد أو جـداول زمنية تُقيّد مدة وجود إسرائيل في منطقة غور الأردن، ويرفض أي وجود لقوات طرف ثالث فيها بالمستقبل، ويصر أن تكون القوات الإسرائيلية التي تقوم بدوريات على طول نهر الأردن مقاربة للقوات الموجودة حالياً، كما يُطالب بوجود منطقة عــازلــة، على أســاس أن منطقة غــور الأردن تُشكل خط الــدفــاع الأول ضد التهديدات من الشرق، وخصوصاً في ظل الواقع الاستراتيجي القائم. كما يصر "نتنياهو" على إقامة محطات إنذار مبكر على قمم الجبال في الضفة الغربية. ويرفض سيطرة "الدولة الفلسطينية" على أجوائها بما في ذلك حركة الطيران والأثير. ويعارض تجميع الفلسطينيين لمياه الأمطار في الضفة الغربية. ويتمسك بوجود إسرائيلي على المعابر والحدود مع الأردن و"الدولة الفلسطينية".
كما ويرفض "نتنياهو" عودة أي فلسطيني إلى إسرائيل، ويوافق على عودة عدد محدود لأراضي "الدولة الفلسطينية". ويسعى "نتنياهو" لشطب قضية اللاجئين من جدول أعمال المفاوضات.
ويرفض "نتنياهو" الاعتراف بحدود الرابع من حزيران عام 1967، أساساً للتفاوض. ويطمح بالسيطرة على ما نسبته 40% من الضفة الغربية تحت شعار إقامة "مناطق أمنية" أو "مناطق دفاعية"، تضم نحو 85% من المستوطنين (تشمل من 5-7 كُتل استيطانية من أهمها "معاليه أدوميم" و"أريئيل" و"غوش عتصيون")، وتضم غور الأردن، وشمال البحر الميت، وبريتي القدس وبيت لحم وجزء من برية الخليل (التي تسميها إسرائيل صحراء يهودا)، لكي تحافظ فيها على معسكرات الجيش الإسرائيلي، ولبناء مطار عسكري لمواجهة ما تسميه "خطر الجبهة الشرقية"، أو أي هجوم عربي من هذه المنطقة، والتصدي لـ "الإرهاب" العابر للحدود من قبل "التنظيمات الإسلامية المتطرفة". وبناء المزيد من المستوطنات والمتنزهات العامة والحدائق، لمد حدود بلدية القدس حتى مشارف البحر الميت. كذلك يتطلع "نتنياهو" إلى السيطرة على الجبال المطلة على غور الأردن، التي تُطل على شارع "ألون" فيما سمى "نتنياهو" نفسه المخطط المذكور أعلاه بـ "ألون +".
ويــصــر "نتنياهو" فــي مواقفه حـــول مــديــنــة الــقــدس، عــلــى ضــــرورة بــقــائــهــا مــوحــدة تحت الـسـيـادة الإســرائــيــلــيــة، ورفــض الـتـفـاوض حولها خــلال أية مفاوضات.
الخلاصة: لم يعد "نتنياهو" منذ انتخاب الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" يتحدث عن قبوله بدولة فلسطينية، حتى وإن كانت تلك الدولة وفقا لمفهومة وتوصيفه ليست منزوعة السلاح وحسب، وإنما خالية من أي مضمون للسيادة، وتجحف بالحقوق الفلسطينية المقررة بالقانون الدولي، وتستثني القدس وتسقط حق العودة. وجل ما يسعى إليه استمرار تغذية واستدامة الانقسام الفلسطيني بما يمكن من انتزاع أجزاء كبيرة من الضفة الغربية من الولاية الجغرافية الفلسطينية وفصل قطاع غزة، وضرب المشروع الوطني الفلسطيني الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية، بما يؤسس لإنشاء "دويلة" في غزة وحكم ذاتي+ في ما يتبقى من أراضي الضفة الغربية، وفرض أدوار وصاية إقليمية على الفلسطينيين بما يستجيب للعناصر التي تضمنها خطة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" والمسماة "صفقة القرن"؛ ولعل اندفاع "نتنياهو" نحو تطبيع العلاقات مع عدد من الدول العربية رغم احتقاره للقادة العرب وانعدام ثقته بهم كونهم غير منتخبين ديمقراطيا - على حد تعبيره - ولا يمثلون إلا دوائر حكمهم الضيقة التي لا يمكن الرهان عليها، يأتي في هذا الإطار.
وبانتظار ما ستسفر عنه محاولاته لتشكيل حكومة إسرائيلية بعد الانتخابات الأخيرة، وهي الخامسة في غضون العامين المنصرمين، وسعيه لتغيير نظام الانتخابات في إسرائيل بما يتيح انتخاب مباشر لرئيس الحكومة، وبانتظار ما سيستقر عليه شكل ومضمون علاقته بالإدارة الأمريكية الجديدة، وما تتسم به حتى الآن بالبرود بعد علاقة حميمية غير مسبوقة مع إدارة ترامب السابقة، وبانتظار نتائج محاكمته على قضايا الفساد المنسوبة اليه. فهل سيبقى "نتنياهو" يتربع على عرش إسرائيل كما يرغب بوصفه "ملك إسرائيل"، أم سينتهي به الحال على مقاعد المعارضة، أو ربما خلف القضبان. هذا ما سيتضح خلال الفترة القريبة القادمة.