وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إسرائيل تتغول في ديمقراطيتنا!

نشر بتاريخ: 27/04/2021 ( آخر تحديث: 27/04/2021 الساعة: 13:38 )
إسرائيل تتغول في ديمقراطيتنا!

تنتمي الديمقراطية الفلسطينية الناشئة الى حقل الديمقراطيات المفروضة من الخارج في أدب النظرية في السياسة المقارنة، ويعود السبب في ذلك إلى كون إتفاقيات أوسلو 1 وأوسلو 2 للحكم الذاتي الإنتقالي بين الفلسطينيين والإسرائيليين نصت بوضوح على العملية الانتخابية في الأراضي المحتلة، ورتبت جانباً من آلياتها. فقد نصت هذه الإتفاقيات على قيام إسرائيل بتسهيل إجراء الإنتخابات العامة في إراضي السلطة الوطنية الفلسطينية بما فيها مدينة القدس. وإذا ما عدنا إلى نظرية النظم السياسية المقارنة، تخبرنا نتائج الدراسات السابقة بأن غالبية الديمقراطيات المفروضة من الخارج قد نجحت وإستقرت، كما هو الحال في الحالة اليابانية والألمانية والكورية الجنوبية وغيرها من البلدان التي كانت محتلة، الا أن الحالة الفلسطينية تبدو مختلفة تماماً، بل ومعاكسة. فحينما إتفق الفلسطينيون على تجاوز الإنقسام، والإبتعاد عن السلبيات التي رافقت إنتخابات عام 2006، أصرت حكومة الإحتلال الاسرائيلية على إنهاء التجربة الديمقراطية الفلسطينية حتى قبل أن تبدأ. وبدا للجميع أن هذه الحكومة اليمينية تمارس سياسات ممنهجة تهدف الى وأد الديمقراطية الفلسطينية وإفشال تجربتها.

في الإطار السابق، ترفض حكومة الإحتلال السماح للفلسطينيين بإجراء الإنتخابات في القدس، وتتجاوز بذلك الرفض كل الأعراف الدولية والإتفاقات الموقعة مع الجانب الفلسطيني، كما تتجاوز أيضاً كافة الضغوط الدولية عليها في هذا المجال. ويدرك الفلسطينيون تماماً أن هذا الرفض الإسرائيلي ما هو إلا إختبار لإرادة القيادة الفلسطينية في التمسك بالقدس في إطار مفاوضات الوضع النهائي، حيث أن التنازل عن هذا الحق يعني فيما يعنية التساوق مع صفقة القرن، والتي أكدت أن القدس الموحدة عاصمة للدولة العبرية، وهو الأمر الذي لا يستطيع قبوله أي فلسطيني. وإستكمالاً للمخطط الإسرائيلي، تعتقل حكومة الإحتلال العديد من مرشحي مختلف القوائم من المقدسيين، كما تعتقل غيرهم بحجة أنهم ينتمون الى منظمات إرهابية، أو تحت حجج واهية "أمنية" أخرى، بموجبها تعتقلهم إدراياً ولأمدٍ غير معروف. وتقوم حكومة الإحتلال أيضاً بتهديد الفلسطينيين لاسيما المقدسيين منهم بعدم المشاركة في الإنتخابات، وفرض عقوبات صارمةٍ عليهم إذا لم يلتزموا بهذه الأوامر العسكرية، والتي قد تصل الى السجن أو النفي. ولم تكتفي هذه الحكومة اليمينية بتهديد المواطنين، وإنما أرسلت مدير الأمن الداخلي لديها" الشاباك" الى السيد الرئيس محمود عباس لتهديده بعدم إجراء الإنتخابات وإخباره بأن اسرائيل لن تسمح أبداً بإجراء الإنتخابات في القدس. وفي المحصلة، وكما تظاهر المقدسييون الليالي الماضية ضد جنود الإحتلال متمسكين بأقصاهم وبحقهم في المشاركة في الإنتخابات، قام الرئيس الفلسطيني بطرد المسؤول الأمني الاسرائيلي رافضاً سياسات الإملاء الاسرائيلية.

اليوم علينا كفلسطينيين أن نتوحد شعباً وأحزاباً وقيادةً في رفض كل سياسات الإحتلال الإسرائيلي لاسيما تلك المتعلقة بعدم إجراء الانتخابات في المدينة المقدسة، فالتنازل عن حقنا في إجراء الإنتخابات في القدس يعني التنازل عن القدس سياسياً. ولن يسمح أحدٌ بأن يسجل التاريخ على شعبنا ولا على أحزابنا ولا على الرئيس أبو مازن نفسه التنازل عن عاصمتنا الأبدية. من جانب آخر، علينا كفلسطينيين أن نحمل إسرائيل مسؤولية محاولتها المستمرة لافشال التجربة الديقمراطية أمام العالم بأسره لاسيما العالم الحر الديمقراطي، فإسرائيل التي تتباهي دائماً بديمقراطيتها كونها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط كما تتدعي، ما هي إلا دولة إحتلال عنصرية تكرس السلطوية، وتسعي لتخريب التجارب الديمقراطية في المنطقة. ليس هذا فحسب، وإنما تسعى أسرائيل الى هيكلة ديمقراطية فلسطينية مشوهة تراعي مصالح دولة الاحتلال وتبتعد عن القضايا الوطنية. بكلمات أخرى، تسعى إسرائيل الى خلق "ديمقراطية الخدمات" للفلسطينيين، بالرغم من أن الديمقراطية تعتبر مفهوماً شاملاً لكل القضايا الوطنية والإستراتيجية.

من المؤكد أن إسرائيل لن تفلح في جهودها الرامية بفرض إنتخاباتٍ بدون القدس، وسيجبر العالم على لوم اسرائيل على ذلك وليس لومنا نحن، فالفلسطينيون لن يجروا الانتخابات بدون مشاركة مواطني عاصمتهم، وستكون رسالتنا للعالم أننا ننتفض الآن في القدس وبيت لحم وغزة وغيرها من المناطق المحتلة ليس فقط دفاعاً عن قضايانا الوطنية ومقدساتنا، وإنما أيضا دفاعاً عن ديمقراطيتنا وقيمنا الثابتة في المشاركة والحرية، هذه الديمقراطية التي تسعى إسرائيل للتغول فيها، وإفشال أي معنىً للوطنية فيها. ونسعى نحن الفلسطينيون بالمقابل الى حمايتها وتعزيزها من خلال منهج "التوافقية" بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني، والتي أرسى معالمها الأخ الرئيس محمود عباس في إجتماعات الفصائل الوطنية مؤخراً في كل من بيروت ورام الله والقاهرة.