|
شرارة تومض من القدس
نشر بتاريخ: 13/05/2021 ( آخر تحديث: 13/05/2021 الساعة: 01:41 )
د. جمال زحالقة مهما تعددت وتباينت تجليات الحدث الفلسطيني هذه الأيام بين الصدام الدامي في غزة، التي تتعرض لقصف إجرامي ووحشي، وحراك شباب الداخل الفلسطيني الذي خرج ليعبر عن غضبه الساطع وليغلق الشوارع وليواجه الشرطة وقطعان اليمين المتطرف، وما يحدث في الضفة الغربية وفي الشتات الفلسطيني، فإن حراك القدس وقضية الشيخ جراح والمواجهات في المسجد الأقصى هي المحرك والمحفز والدافع الأول لهبة الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة. ما من شيء ممكن أن يحرك الشعب الفلسطيني مثل القدس والأقصى، وما من قضية توحد الشعب الفلسطيني مثل الدفاع عن عاصمته وعن مقدساتها. القدس في مركز الحدث الفلسطيني، هكذا كانت وهكذا ستبقى. جاءت تداعيات هذه الهبة أقوى وأشد وأوسع من سابقاتها، وكشفت لكل المشككين الطاقات الوطنية الكفاحية الهائلة للشباب المقدسي، ولأهل القدس عموما. وأظهرت أيضا أن من لا يسكن فيها من الفلسطينيين تسكن القدس في وجدانه، وحين يخرج الناس في أرجاء الوطن الفلسطيني كافة يتظاهرون ويواجهون، فهم لا يدافعون عن القدس التي على الأرض فحسب، بل وبالحدة نفسها عن القدس التي في داخلهم، والتي هي مركب مهم لهويتهم الشخصية والجماعية. الدفاع عن القدس بالنسبة للفلسطيني هو دفاع عن الذات، وهو المعركة المركزية في الدفاع عن فلسطين الوطن والهوية. لقد انطلقت الشرارة الأولى للهبة الحالية من حي الشيخ جراح في القدس وتفاعل معها أهل القدس، الذين يواجهون مخططات الترحيل والهدم في معظم أحياء المدينة، وبالأخص في سلوان وراس العامود والعيساوية وشعفاط والبلدة القديمة وغيرها، وكان التجاوب في كل أرجاء المدينة بمستوى شعبي واسع تميز بمشاركة شبابية كانت الدينامو الذي حرك الشارع، خصوصا بعد أن صب الاحتلال بغبائه المعهود الزيت على نار الهبة، بافتعاله معركة مدرج باب العامود وبالاقتحامات الوحشية للمسجد الأقصى. يتميز حراك القدس بالوحدة والزخم التلقائي، تبعا لطبيعة المعركة، وحتى لا تضيع هذه الطاقة المتمثلة بالنضال الشعبي الموحد، هناك حاجة ماسة لاستثمارها في بناء قيادة ومرجعية سياسية وطنية موحدة، لضمان استمرار النضال، فالشرارة المجيدة لوحدها غير كافية، والزخم الهائل وحده غير كافٍ لبناء مشروع نضالي مقدسي يشع على الساحة الفلسطينية كلها، ويدفعها نحو السير باتجاه النضال الموحد ضد الاحتلال، ونحو التخفيف من أولوية النزعات الفئوية المعيقة. لقد كانت مشاركة فلسطينيي الداخل في هبة القدس قوية وغير مسبوقة في حجمها وزخمها. فقد أمّ القدس والأقصى وشارك في المظاهرات والمواجهات عشرات الآلاف من أبناء وبنات الجليل والمثلث والنقب. واتسعت دائرة الفعل الكفاحي في المناطق المحتلة عام 1948، لتشمل كل القرى والمدن العربية والمدن المختلطة في الساحل الفلسطيني عكا وحيفا ويافا واللد والرملة. في هذه المعركة جرى بشكل شبه يومي إغلاق شوارع رئيسية في البلاد، وجرت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة، وجرح واعتقل المئات. وفي المدن المختلطة دارت أيضا معارك بين اهل البلد ومستوطنين زرعتهم المؤسسة الإسرائيلية في قلب الأحياء العربية، وقام المستوطنون بإطلاق النار على المتظاهرين في اللد، وسقط موسى مالك حسونة شهيدا في معركة الدفاع عن القدس والأقصى. ويتعرض فلسطينيو الداخل هذه الأيام إلى تحريض دموي يقوده بنيامين نتنياهو ووزراؤه والأبواق الإسرائيلية عموما، وهم يدعون إلى تفعيل القبضة الحديدية في البلدات العربية الفلسطينية كافة، في الداخل وحتى فرض منع التجول إذا اقتضى الأمر. هذا التحريض الأرعن سيؤدي حتما إلى المزيد من الاعتداءات الوحشية من الشرطة ومن مواطنين يهود على العرب. كل هذا لن يردع الناس، الذين يتفاعلون بحيوية عالية مع الحدث الفلسطيني، ويرمون جانبا النزعات الانفصالية عن الشعب الفلسطيني، التي تروج لها بعض القوى والقيادات، والتي تدعو إلى حصر الاهتمام بالقضايا الحياتية الاقتصادية. |