وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

للشهداء؛ والتسع منهم هل سننتصر ؟

نشر بتاريخ: 22/05/2021 ( آخر تحديث: 22/05/2021 الساعة: 23:00 )
للشهداء؛ والتسع منهم هل سننتصر ؟

فور الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي، صورتان لخصتا الموقف الذي دفع العالم بقواه وأحلافه وأطره الدولية وأطرافاً في الإقليم، التدخل لِوقف جرائم الحرب التي استباحت الإنسان، المُفتَقِد أساساً لمقومات الحياة بِفعلِ الحصار والواقع السياسي المأزوم. الأولى؛ جسَّدت لحظةً اختلطت فيها مشاعر الانتصار والألم لما خَلَّفَته آلة الحرب والدمار الإسرائيلية. الثانية؛ عكستْ مستوى الدمار وحجم الفقد الذي يعيشه القطاع منذ أن أُوقِف العدوان. لكن؛ كانت هنالك صورة تجمع تسعاً من الشباب الغزِّي بمقتبل أعمارهم؛ دوِّنَت أسماءهم خلال خبرٍ يشير لانتشال جثامينهم من نفقٍ شرقيّ مدينة خانيونس جنوب القطاع.

لقد كانت تلك الصورة الأشدُ إيلاماً، وسط عديد الأخبار والمقالات والتحاليل الصحفية وخلافه مما يعجُّ بالمشهد، الحالة التي يزدحم بها الفضاء العام (على اتِّساع مداراته) ما أن تنتهي جريمةٌ تُرتَكب بحق الشعب الأعزل. وما بين المشاهد التي وَحدَت الفلسطينيين وداعمي قضيتهم العادلة ببقاعٍ مختلفة، تلك التي نقلت فرحةً بنصرٍ تحقق، وبين التسعة الذين ارتقوا للسماوات شهداء، تلاشت المقدرة للإجابة على تساؤل ضجَّ متربصاً بلحظة فرحٍ حقيقية؛ فهل انتصرنا حقاً، أم أنّ الإحتلال الإسرائيلي الفاشيّ قد استباح الشعب بأراوحه ودمائه وأمان أطفاله ونسائه ومقدراته، بالقدرالذي يُثقِل كاهله، ويعيق مساره النضالي التحرري؟

وهنا؛ تبرز جدلية النصر وجدوى هدر الدم والمصائر (بالوقت الذي لم تتوقف فيه سياسات الإحتلال عن استهداف الأرض والإنسان)، بالشكل الذي يعكس حالة التباين المنهجي بين الأطراف الرئيسية في المكون السياسي الفلسطيني، وطبيعة أدوارها التي لم تتكامل نضالياً، لأسباب غير ذاتية بكثيرٍ من الأحيان. بل أن البعض من النخب ذهب بأبعد من ذلك، حيث تناول المشهد الإسرائيلي مستخلصاً عجز الإحتلال عسكرياً وتضاؤل قوته الردعية! في محاولة لإجراء مقاربة غير عادلة بين الطرفين حيث الشعب الفلسطيني يناضل للتحرر من الإحتلال، ويتصدى للسياسات العنصرية في الداخل المحتل عام 1948، وبين كيان وظيفي يُعتبر فعلياً قاعدة ارتكاز لقوىً عالمية تحرص على ضمان تموضعها في الشرق الأوسط.

وبحال البحث في صور النصر فلسطينياً، مقابل هزيمة قوة الإحتلال الإسرائيلي وآلة حربه، وبمقاربة هي أقرب للموضوعية، وجب تناولها بما يستند فعلاً على عنصري الغاية المأمولة والأهداف المحققة واقعاً، يُمكن الاستدلال عليها من خلال فهم طبيعة الإحتلال العنصرية التطهيرية التوسعية الإحلالية، حيث الوجود الفلسطيني ماثل وبتجذر، ما يفند انتصار الإحتلال ومخططاته بمختلف المراحل. أمّا المختلف مؤخراً في ميزان الفعل النضالي؛ فقد تجلى بالهبة الجماهيرية على امتداد فلسطين التاريخية، الخسارة الفعلية التي مُنِيَّ بها الإحتلال قادةً ومؤسسات، إذ أن الوجه الغاية الذي تسعى قوة الإحتلال تمريره للمجتمع الدولي وتفرضها زيفاً على دول المنطقة، وبأنها النموذج الأوحد للدولة الديمقراطية في الشرق الأوسط، قد سقط قناعاً ليكشف جوهر الكيان العدائي المتطرف تكويناً. بالتوازي وما فرضه شلال الدم الطاهر، وصور ازهاق الطفولة التي كانت تترقب ممارسة طقوس عيد الفطر بفارغ الصبر، على العالم وأحراره. فانتصار الشعوب العربية للحق الفلسطيني رغم عظيم التحديات التي تتربص بعديدٍ من دولها، بمشهدٍ قطع الشك باليقين بما يخص رمزية القدس ومكانة القضية الفلسطينية في وجدانها، جاء مُخالِفاً لتوقعات قادة الإحتلال بظل مسلسل التطبيع الأخير. واستحضار عدالة القضية في وعي الأحرار حول العالم، من خلال صوتهم الي توحَّد مطالباً بالحرية لفلسطين، أعاد الاعتبار لشرعية النضال المستهدفة.

أما فيما يخص العدوان الأخير؛ وجدوى نقل الأنظار عمّا يواجهه الفلسطيني في (الشيخ جرّاح) ومدينة القدس من سياسات التهجير والتهويد، والعنصرية الممارسة نهجاً ضده في الداخل المحتل، باتجاه قطاع غزة بواسطة الصواريخ التي انطلقت فور قرار محكمة الإحتلال العليا الذي صدر في التاسع من أيار الحالي، والذي نصَّ على إلغاء الجلسة الخاصة بقضية الشيخ جرّاح المُقرّة في اليوم الذي يليه، الموقف الذي اعتبره مراقبون تحول نوعيّ في موقف حكومة الإحتلال، وجاء نتيجةً للهبة الجماهيرية في القدس والمدن الفلسطينية عامةً. يجدر القول؛ بأن الصورة التي التحمَ خلالها الفلسطينييون في الداخل والخارج، هي الانتصار الفعلي، الذي سيتكلل نصراً مؤزرا،ً و يحفظ للدماء التي روت الأرض على امتدادها طُهرها، وسيفي للشهداء التسع حقهم علينا، ويجسد حقيقة الفعل المُقاوِم وما إن كان مُسخراً باتجاه التحرر وتقرير المصير، من خلال لفظ الشرذمة، والتوحد خلف إرادةٍ وطنية بإمكانها انتزاع الحق الفلسطيني، والتصدي للسلوكيات التي تتنافى وشرعية المقاومة الحق، كالمساس بمكانة العلم الفلسطيني كأحد عناصر هويتنا الوطنية، والفعل المُشين الذي استهدف الفلسطيني سماحة المفتي محمد حسين واستباح حرمة الأماكن المقدسة، وانتهاك إنسانية ورمزية الشهيد "ياسر عرفات" الذي باتَ بكوفيته للنضال والمقاومة منهجاً ممتداً، وأيقونةً يستشهد بها العالم بأحراره.