|
خالد مشعل وأدبيات الخطاب السياسي: الغرب.. وأنظمة عربية وإسلامية أخرى!!
نشر بتاريخ: 02/06/2021 ( آخر تحديث: 02/06/2021 الساعة: 19:15 )
في محاولة لفهم الخطاب السياسي لحركة حماس بعد العدوان الأخير على قطاع غزة، أخذت أتمعَّن في بعض المقابلات الإعلامية لعددٍ من الشخصيات القيادية للحركة، وقد لفت نظري من بين تلك الحوارات مقابلتان أجراهما الأستاذ خالد مشعل مع الإعلام الغربي والعربي، وتحمل كل واحدة منهما في جوهرها رسائل وتوجهات، تأتي في حقيقتها كاستكمال لوثيقة حماس السياسية الصادرة في مايو 2017، ولكنَّ العالم الغربي تجاهلها آنذاك؛ باعتبارها جاءت في توقيت لم تكن فيه الحركة في أفضل حالاتها، بل كانت تتعرض لموجة من الانتقادات والقطيعة في علاقاتها الداخلية والخارجية. اليوم؛ يتحدث الأستاذ خالد مشعل؛ العائد إلى المشهد السياسي القيادي بقوة، والذي سيكون لمواقفه وتوجهاته تأثيرات كبيرة للارتقاء بمكانة الحركة وعلاقاتها في الساحتين الإقليمية والدولية. لا شك أن مقابلة الأستاذ خالد مشعل مع الإعلامي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست؛ رئيس تحرير موقع (ميدل إيست آي)، بتاريخ 25 مايو 2021، سيكون لها دلالاتها من حيث الأبعاد والساحات، وفرص ايصال موقف حماس السياسي إلى أعلى مستويات اتخاذ القرار في الدول الغربية. في الحقيقة، تضمنت المقابلة وأجواء الحوار العديد من الرسائل، التي تعكس حالة النضج والنباهة السياسية لخطاب الأستاذ مشعل، وإلى جانبه نائبه د. موسى أبو مرزوق، وما عليه –اليوم- الكثير من نخب الحركة ورجالاتها المتميزين معرفياً بالخبرة والحنكة السياسية.. جاءت ردود الأستاذ مشعل واضحة وصريحة وفي العمق، لكل من أمريكا وإدارة الرئيس بايدن، وأيضاً إلى مصر، التي تصدرت ملف التهدئة إلى جانب دولة قطر. ابتدأ الأستاذ خالد مشعل المقابلة بالقول: إن حماس الآن هي من يقود الشعب الفلسطيني؛ لأن الدور الأساس للقيادة -تحت الاحتلال- هو الأخذ بيد الفلسطينيين نحو الحرية والتحرير.. وهذا بالطبع لا يعني إقصاء أو شطب أحد، ومجال الشراكة والتوافق الوطني مفتوح مع الكل الفلسطيني ومع قيادة السلطة. وفيما يتعلق بعلاقات الحركة الخارجية، قال الأستاذ مشعل: "إن الحركة مستعدة للتحدث مع الولايات المتحدة". وتساءل مستنكراً: "أليس هناك ما يستدعي الاستغراب في السلوك الأمريكي، حيث إن إدارة الرئيس جو بايدن تجري لقاءات وحوارات موسعة مع طالبان، التي تقاتل بقوة القوات الأمريكية في أفغانستان لأكثر من عقدين، بينما هي ترفض التحدث مع حركة حماس!! التي لا تناصبها العداء أو تخوض قتالًاً معها!! لقد أوضح الأستاذ مشعل في رسالته الموجهة إلى الرئيس بايدن موقف الحركة، بالقول: "نحن لا نعتبركم أعداءً لنا، رغم أننا نعترض على الكثير من سياساتكم المنحازة لإسرائيل، ووضعكم لحركتنا على قائمة الإرهاب!! وتوجهاتكم التي تعمل ضد مصالح أمتنا العربية والإسلامية!! ومع ذلك، فنحن لسنا في حرب معكم، كما أننا في سياساتنا أبوابنا مشرعة، ولدينا الجاهزية والاستعداد للتواصل مع أيِّ طرف دون شروط". وفيما يتعلق بإسرائيل، فقد أشار الأستاذ مشعل في رسالته للإدارة الأمريكبة والدول الغربية، قائلاً: إن استمرار الضغوط على حماس واتهامها بالإرهاب، مسألة لن تغيِّر من مواقف الحركة تجاه دولة الاحتلال، طال الزمن أم قصر. وفيما يتعلق بالسؤال حول سبب قيام حماس بإطلاق الصواريخ مرة أخرى، أجاب الأستاذ مشعل: إن وقف إطلاق النار لا يتوقف فقط على إنهاء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة ، ولكن أيضاً على إنهاء توغلات قوات الأمن والمستوطنين اليهود في الأقصى، وإنهاء تهجير الفلسطينيين من سكان حي الشيخ جراح والقدس الشرقية. لقد اشتعلت المعركة الأخيرة (سيف القدس) لهذه الأسباب، وأن توقف إطلاق صواريخ المقاومة من غزة مرهون بتوقف مثل هذه الاعتداءات، حيث إن إسرائيل تدفع ثمن سياساتها العنصرية وانتهاكاتها لحقوق مواطنيها الفلسطينيين، الأمر الذي كشف "هشاشة" هذه الدولة، وأنها في الواقع أوهى من بيت العنكبوت.. لقد أصبح واضحاً لجميع الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية ولشعوب العالم الحرة أنها تَعدُّ أيامها، وأن هذا الاحتلال والاستيطان والكيان الاستعماري ليس له مستقبل في المنطقة. العلاقة مع مصر: برغماتية المواقف وحسابات المصالح جاءت كلمات الأستاذ مشعل في مقابلته دافئةً تجاه مصر، حيث أشار بأن دورها في الشؤون الفلسطينية أساسي، رغم وجود خلافات. موضحاً أن المصالح المتبادلة تتطلب أن يعمل الطرفان معاً، والقيام بتوفير الأدوار التي عليها اتفاق بينهما، ويمكنهما العمل عليها بشكل مشترك، حتى في ظل وجود تباينات حول بعض القضابا والإشكاليات مثل قضية الإخوان أو غيرها.. وقال: نعم؛ نحن في حماس جزءٌ أساس من هذه الحركة في إطارها الفكري، إلا أننا حركة مقاومة، ولا نتدخل في شؤون الآخرين، ونتعامل مع الدول الإسلامية ومع غيرها من منطلق قضيتنا ومصالحها، دون أن نتدخل في شؤونهم أو السماح لهم بالتدخل في شؤوننا.."لذلك، نحن نرحب بالدور المصري، ونرحب بكل الدول العربية والإسلامية أو أي دولة أخرى في هذا العالم، طالما أن الهدف من وراء ذلك هو خدمة شعبنا ووقف العدوان عليه، وتعزيز قدرات صموده على أرضه. وأكد الأستاذ مشعل على ذلك بالقول: "إن الدول العربية تتحمل معنا مسؤولية الخروج بإستراتيجية جديدة لاستعادة فلسطين والقدس والأقصى، وإنهاء الاحتلال.. فبدلًا من الشعور بالعجز حيال الانتهاكات والمخططات الإسرائيلية، فها نحن اليوم أمام فرصة يتوجب اقتناصها، حيث إن المقاومة في فلسطين، وهذه الهبَّة العظيمة لشعبنا تقول للعرب: أيها الناس.. نحن أمة واحدة، ولدينا نفس المصالح، لذلك دعونا نبني على هذا الإنجاز.. دعونا نخوض معركة واحدة، ليس فقط لإنقاذ فلسطين والمطالبة باستعادتها، ولكن أيضاً لحماية الأمة بأكملها. مشعل .. حماس وإيران: الموقف وحجر الزاوية بعد العدوان الأخير على قطاع غزة، أطلقت بعض قيادات حماس تصريحات تشيد فيها بإيران وبدور الجمهورية الإسلامية في دعم حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية بشكل لفت نظر الشارع، وأثار الكثير من التساؤلات حول دواعي ودوافع مثل هذا الخطاب، الذي حرَّك لغطاً، وطرح العديد من علامات الاستفهام، التي كانت ملحوظة على منصات التواصل الإجتماعي، أيضاً في الحوارات الإعلامية على الفضائيات، وخاصة أن هناك دولاً عربية وحركات إسلامية في المنطقة وحول العالم لا ترتاح لمثل هذه العلاقة، بالشكل الذي عبَّرت به تلك القيادات . وفي محاولة لتوضيح الموقف وتبديد الشكوك محلياً وإقليمياً ودولياً، جاءت إجابة الأستاذ خالد مشعل في مقابلة له مع موقع (إنسان للإعلام) بتاريخ 25 مايو 2021، حيث تكلم بعاطفة لا تخلو من اللباقة السياسية، وما تمثله من نُضج وواقعية وإدراك حيٍّ لوجدان الأمة، وبعض ما هناك من حساسيات دينية ومذهبية. وقد جاء التوضيح للموقف على الشكل التالي: - لسنا أمام خلاف سياسي، فنحن في معركة حياة أو موت ودفاع عن مقدسات.. نقبل الدعم من كل من يقدمه؛ سواء اتفقنا معه سياسياً أو فكرياً أو عرقياً أم لا.. نحن أصحاب قضية مصيرية، ولا نسمح لأي دولة تدعمنا أن تتدخل فى قرارنا. - الإخوة فى حركة حماس أرضهم محتلة، وإسرائيل تحاصر غزة وتعتدي عليها، وتستهدف القدس والمسجد المبارك، كما أنها تحتل الضفة الغربية، وتعمل على تغيير معالمها بالتوسع الاستيطاني، في محاولة لتصفية القضية الفلسطينة. - أنا لست أمام خلاف سياسي، أنا أمام محتل مستقوٍ بالأمريكان وبغير الأمريكان، ومتفوق علىَّ عسكرياً وتكنولوجياً.. فنحن فى معركة قاسية؛ معركة حياة أو موت. وأنا كفلسطيني، أقاتل منذ 100 عام، ولست فى أرض نائية.. أنا فى قلب الأمة العربية والإسلامية، أدافع عن أرض الإسراء والمعراج وقبلة المسلمين الأولي، وعن مسري النبي (صلي الله عليه وسلم) ومعراجه إلى السماء في هذه الأرض المقدسة المباركة... إخوانكم فى فلسطين ينوبون عنكم ويمثلونكم فى قلب هذه الأمة العظيمة، وفى قلب هذا الموروث وفى هذه الجغرافيا، وليس حماس فقط.. إخوانكم أهلكم شعبكم فى فلسطين مضطرون إلى طلب العون والمساعدة من كل من يُقدم الدعم؛ سواء اتفقنا معه سياسياً أو فكرياً أو اتفقنا معه فى عرق عربي أو فى طائفة أو فى مذهب، نحن في النهاية أصحاب قضية. -عندما نأخذ دعماً من أي دولة، من إيران، من قطر، من تركيا، من مصر، أو من سوريا كما كنا فى الماضي، أو دول الخليج وشمال أفريقيا وآسيا، أو أخذنا من دولة غير عربية ولا مسلمة فى أوروبا، فهذا لا يعني أننا متوافقون معهم فى كل شيء.. نعم؛ هو يدعمني وأنا أقاتل الكيان الصهيوني، فأقول له: شكراً.. إن مدحي له لدعمه لي فى معركتي مع الاحتلال الصهيوني، لا ينسحب على ما يفعل فى بلده أو ما يفعل فى أي بلد آخر. لنفترض أن هناك واحداً مختلفاً مع تركيا، ليس فقط مع إيران، أو حتى مختلفاً مع بلد آخر، هذه معركتك وحقك لا ألومك، إيران أو غير إيران عندها أجندة أو سياسة فى بلدك أضرت بك.. من حقك أن يكون لك موقف، وأن تعترض وأن تنتقد. - بيت القصيد؛ إن ثنائي على إيران أو غير إيران، لأن الدعم ليس مقصوراً على إيران.. نعم؛ إيران دعمتنا عسكرياً وتقنياً أكثر من أي جانب آخر، لكن الدعم المالى جاءنا من دول إسلامية وعربية كثيرة، وأهم شيء جاءنا من الشعوب، فشكراً لكل من يدعمنا. هنا نقطة مهمة جديرة بالانتباه.. "ثناؤنا أو مدحنا لمن يدعمنا، مرتبط بوقوفه إلى جانبنا فى معركتنا ضد إسرائيل، وهذا لا يعني أننا نثني عليه فى أولوياته أو أجنداته أو أهدافه الأخري فى أي بلد من البلاد".. الأمر الآخر، نحن لا نتدخل فى سياسات الدول، ولا فى أي ساحة من الساحات.. نعم؛ لدينا قناعاتنا، لكن لا نتدخل فى شؤون الآخرين، ولسنا جزءاً من أجندة أي دولة.. فمن يدعمنا نقول له: شكراً.. ولكن هذه الدولة التي تدعمنا لا نسمح لها أن تتدخل فى قرارنا، ولا أن تأخذنا الى التطابق معها فى كل مواقفها وسياساتها. وختم الأستاذ مشعل رده حول هذا اللغز أو الشيفرة، بالقول: إن هذه التفريقات البسيطة لو استحضرناها فسوف نعالج كثيراً من عتب بعضنا على الآخر. "نحن في حركة حماس لا نتدخل فى شؤون الآخرين، ولكن عليكم يا أحبة أن تفهمونا، وأن تتفهموا بأن حركة حماس مدركة لهموم الأمة، لكن لديها معركتها، ومن يقف معها فى معركتها لا نستطيع إلا أن نقول له: شكرا، حتى لو كانت دولة أوروبية تمدنا بالتكنولوجيا أو الخدمات لرفع الحصار عن قطاع غزة.. تذكروا أن أول من كسر هذا الحصار بالقوارب لم يكونوا عرباً ولا مسلمين، معظمهم كانوا أجانب.. ماذا نقول لهم لو كانوا من بلد أوروبي سياسته الرسمية ضدنا أو من أمريكا التي سياسة إدارتها منحازة لصالح عدونا؟. باختصار.. إن من يدعمنا نقول له: شكرا.. لكنَّ هذا لا يعني أننا نتماهى معه فى أجندته هنا أو هناك. قديماً قالوا: "إنَّ البلاءَ موكلٌ بالمنطق".. شكراً أخي أبا الوليد، فقد أوضحت ما عجم على البعض فهمه. |