نشر بتاريخ: 04/06/2021 ( آخر تحديث: 04/06/2021 الساعة: 18:35 )
بين الحقوق الطبيعية والحقوق المشروعة
حرب أيار وأثرها على مفهوم الحقوق الوطنية الفلسطينية في النظام الدولي -
أحمد غنيم - كاتب فلسطيني
قد يختلف البعض حول النتائج المباشرة لحرب أيار 2021 بين قوى المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال.. وقد لا تأتي حورات الهدنة بالنتائج التي يرجوها وينتظرها الكثيرون . خاصة وأن التفاوض تحت النار غير التفاوض بعد صمت الصواريخ والمدافع . ناهيك عن ثقل الحضور في حوار الهدنة للقوى الدولية والإقليمية ، التي تختلف إراداتها وتتداخل وتعمد إلى توظيف هذا الحوار لخدمة مصالحها . ما يعقد بشكل كبير الاستثمار المباشر للمقاومة والشعب الفلسطيني لنتائج هذه الحرب المختلفة عن سابقاتها . مع غياب التناغم الفاعل بين المقاومة والسلطة الفلسطينية . غير أن ما تحقق من نتائج غير مباشرة لهذه الحرب ، لا يمكن أن يخفى عن كل ذي بصيرة . بل وتدركه بيقين المؤسسة العسكرية والسياسية لدولة الاحتلال والقوى الدولية والإقليمية . وقد شكل مفترق قد يكون الأهم في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص منذ إنشاء دولة الاحتلال . فعلى المستوى الفلسطيني أيقن الفلسطيني بشكل لا شك فيه ، أنه يواجه تهديد واحد يتعلق بوجوده وليس بهويته فقط . فهو يتعرض لعملية اقتلاع وتطهير عرقي ممنهج تمارسه دولة الاحتلال ، سواء في أرضنا المحتلة عام 1948 ، أو في القدس والضفة الغربية . حيث تغول وتوسع المشروع الاستيطاني واستباحة الأقصى وتهجير المواطنين من الشيخ جراح وسلوان، ومصادرة الأراضي وهدم البيوت ومنع البناء والتضيق الاقتصادي ، وقمع الحريات، والحد من حرية الحركة، والسيطرة على الموارد الطبيعية من أرض ومياه وسرقتها، ومنع العمل في المشاريع الواعدة في الموارد الطبيعية كالغاز والبترول، والاعتقالات ومنع رعاية أسر الشهداء والأسرى. والتمييز العنصري وصولا إلى قانون القومية الذي نزع حق تقرير المصير عن الكل الفلسطيني ليعطيه لليهود فقط بين النهر والبحر .
في لحظة واحدة بدا أن الفلسطيني يستعيد ذاته الموحدة التي اشتاق لها وكان قد تركها خلف أبواب النكبة عام 1948 . لينهض من جديد موحدا في مواجه مشروع الاقتلاع الذي يستهدفه، في القدس واللد ويافا وحيفا وكل مدننا وقرانا في الداخل، لتأتي الإجابة من غزة وتتبع الضفة رغم الظل الثقيل .. الأمر الذي يفرض تحديا كبير أمام الفلسطيني ، لأن هذه اليقظة الناهضة لن تترك لتنضج وتطيح بما تم انتاجه طيلة ما يزيد عن سبعين عاما، وبات من مسلمات السياسة الدولية .
تعج الصالونات السياسية ومجموعات التواصل الاجتماعي والشارع الفلسطيني والعربي بل والدولي، بحوارات ونقاشات أنتجتها نشوة الشعور بالانتصار لدى الفلسطينين . والقلق لدى دولة الاحتلال وحلفائها الإقليميين والدوليين. بغض النظر عن الجدل في مفهوم النصر وأشكاله . فهناك أثر استراتيحي من الناحية العسكرية والسياسية لتمكن المقاومة من وضع ما يزيد عن ستة ملايين إسرائيلي تحت النار ، على خارطة استهداف من شمال دولة الاحتلال إلى جنوبها، مدة أحد عشر يوما بشكل متواصل . الأمر الذي لم تشهده دولة الاحتلال منذ إنشاءها . ليس ذلك وحسب بل تخطى أثر ذلك إلى المحيط الإقليمي والدولي ، ليسقط تحالف الخائفين لدى بعض الواهمين الذين هرولوا للتطبيع مع دولة الاحتلال، لتوهمهم أن إسرائيل تشكل لهم ظهيرا للحماية من تهديدات إقليمية، بينما ظهرت أنها عاجزة عن حماية نفسها .
بين الواقع الثقيل بممارسات الاحتلال وخذلان ذوي القربى ولحظة النشوى ، يموج الفلسطيني بفكره بين حلمه وواقعه فلم يعد يشتري الوهم الذي سوق له تحت مصطلح حقوقه المشروعة، التي أقرتها له الشرعية الدولية، والتي هي نفسها من أنشأت إسرائيل على أرض وطنه، بينما اقتصرت بوعده بدولة على حدود الرابع من حزيران 1967 ، متجاوزة وعدها السابق بمشروع التقسيم وفقا للقرار 181، وصولا إلى مساومته على التنازل عن حق العودة وفقا للقرار 194، وعلى عاصمته وحدوده وسيادته ومقدساته وإرادته وحريته ومياهه ونظامه السياسي وانتخاباته وحتى على إنسانيته .
يمكن تلخيص ما يموج به فكر الفلسطيني في هذه اللحظة، أنه اختار حلمه وانتصر لهويته الواحدة، على أن يستمر بالجري خلف وهم الحقوق المشروعة، التي تم تسويفها وتفريغها من كل مضمون . سواء المتعلقة بحق العودة والذي أخرج من كونه حق طبيعي لكل إنسان منذ المكناكارتا التي نصت على حق كل إنسان سواء أخرج من وطنه أو خرج منه أن يعود إليه متى يشاء ، هذا الحق الطبيعي فيما يتعلق بالفلسطيني تحول إلى حق منظم ضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والذي ابتدأ كحق للعودة ليتحول لاحقا وفي أفضل الاحوال إلى حقا أو حلا متفق عليه وفقا للمبادرة العربية ، وبذلك منح غير الشرعي وهو المعتدي والمستعمر حق وضع الفيتو على عودة الفلسطيني إلى أرض وطنه وبيته الذي أجبر على الهجره منه ، بل إن هذه الصيغة رفضت من قبل دولة الاحتلال ، بينما جعلت قوانينها تلك العودة مستحيلة ولم تكتفي بذلك، بل جعلت الفلسطيني لاجئا في وطنه، وشمل ذلك أيضا الحقوق المتعلقة بتقرير المصير والسيادة والدولة وهي حقوق أساسية وطبيعية متأصلة بالشعب ولا يمكن نزعها عنه . والتي باتت فيما يخص الفلسطيني، حقوق منظمة استندت إلى التسليم بشرعية قيام دولة إسرائيل على ما يزيد عن 52% من ألأرض الفلسطينية بعد حرب 1948، ولم يكتفى بذلك بل تم مكافأة المحتل مرة أخرى ليصبح الحديث عن الحدود وفقا لخطوط الهدنة ثم وفقا للقرار 242 بعد حرب حزيران 1967 بدل عن قرار التقسيم 181 . ما يؤكد بشكل لا لبس به، أن الحقوق المشروعه لم تكن ثابتة كما أشيع عن الثوابت الفلسطينية والتي لم تكن سوى ثوابت لمتغيرات متوالية، خضعت دائما لمتغير متعلق بفرض الواقع على الأرض وفقا لأطماع وإرادة القوة العسكرية لدى دولة الاحتلال والغطاء الدولي لمجلس الأمن، الذي كافئ المحتل مع كل عدوان جديد .
من البديهي أن كل احتلال مؤقت وطارئ ، لكن في ظل تحالف الصهيونية والغرب الاستعماري وتقاطع مصالحهما في المنطقة العربية ، أريد لهذا الاحتلال أن يتحول من حالة عابرة إلى حالة مستمرة.
لم يكن للفلسطيني بعد أن تكشف له هذا الخداع ، أن يخصع لهذه المعادلة المكسورة والمنحازة لدولة الاحتلال . فما أن بلغ الحد معيار الإنفجار وتقاطعت مكونات الأزمة المتعلقة بالحقوق الطبيعية للمواطن الفلسطيني والتي جسدتها مسألة الشيخ جراح وتكثفت فيها كل حقوق الوجود الفلسطيني، وأولها حق العودة لان العائلات المهددة بالتهجير من جديد، هي عائلات مهجرة من أرضنا المحتلة عام 1948 . ما فتح جرح اللجوء الدامي لدى كل فلسطيني في الوطن والشتات ، ولأن قضية الشيخ جراح تتقاطع مع قضية القدس العاصمة وحرية العبادة واستباحة المقدسات. ومسألة السيادة وحق المشاركة في الانتخابات وواقع وصلاحيات السلطة الفلسطينية ، لتعكس نفسها في مرآة الفلسطيني في الداخل الفلسطيني الذي يواجه تهديد الاقتلاع نفسه . من مشروع برافر في النقب الى قرية العراقيب إلى ام الخيران إلى مأزق الحياة والعنصرية المكشوفة بين وضع الأحياء العربية والأحياء اليهودية فيما يسمى المدن المختلطة . إلى مرآة الفلسطيني المحاصر في غزة المحروم من أبسط حقوقه الوطنية والإنسانية .... تكشف للفلسطيني أن لا مكان له في ظل هذا النظام العنصري الاستعماري.
وعلى إيقاع الصواريخ وصفعات شباب القدس الشجاعة على وجه جنود الاحتلال، إختار الفلسطيني حلمه فلسطين من بحرها إلى نهرها ومن ناقورتها الى أم رشراشها . ..
ما يحتاج منا إلى الارتفاع الى مستوى طموح الشعب الفلسطيني والقيام بمراجعة شاملة لمشروعنا الوطني ولثوابتنا التقليدية التي ليست سوى ثابت لمتغيرات متوالية سابقة. وليس من المستغرب أن تصبح متغير لثابت جديد يهدر من جديد حقوقنا الوطنية .
يتحدث الفلسطيني اليوم عن فلسطين الكاملة . وقد تكون المهة الأكثر الحاحا ليس على السياسي فقط بل على المثقفين والكوادر الوطنية مؤسسات وفصائل وأفراد وجامعات ومراكز أبحاث أن تؤسس لأعادة صياغة المشروع الوطني على أسس واقعية . تستند للمتغيرات السياسية دوليا وإقليميا وبشكل أساسي محليا . فلم يبدو تحرير فلسطين أقرب من اللحظة التي نحياها . لكن هذه النتيجة لن تتحقق بالأماني والانسياق خلف نشوة الإنتصار فقط . ولا بالتسليم للأمر الواقع والاستمرار بالجري وراء وهم التسوية السياسية . بل بالتخطيط الوطني الجدي ، البعيد عن الفئوية الضيقة ، وبالعمل المحكوم لمنظمومة متكاملة من حيث البنية المستجيبة للمكونات السياسية والاجتماعية للفلسطينين أينما وجدوا .
مشروع فلسطين الكاملة من بحرها إلى نهرها لا يحتمل ولا يمكن أن يقوم على أساس البنية الحالية للنظام السياسي الفلسطيني ، بل إننا نحتاج إلى عملية جراحية في النظام السياسي، تعيد توحيد المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والوطنية للمجتمع الفلسطيني التي تم تمزيقها طيلة ثلاث وسبعون عاما، مشروع فلسطين الكاملة يحتاج إلى إعادة تعريف لحركة التحرر الوطني الفلسطيني باعتبارها حركة تحرر وطني تجسد آمال وتطلعات وأهداف الشعب الفلسطيني كاملا في الوطن والشتات .
مشروع فلسطين الكاملة يستند إلى الحقوق الشرعية الطبيعية للشعب الفلسطيني وليس إلى الحقوق المشروعة .
لقد أسقط المحتل حل الدولتين بشكل متعمد، وتعاطت مع ذلك الولايات المتحدة وبعض الدول خاصة الأوروبية، وبات واضحا أننا نجري خلف وهم الدولة على حدود الرابع من حزيران، بينما الأرض تسلب من تحتنا ويفرض المحتل وقائع خطرة على الأرض تفرغ مفهوم الدولة من مضمونه، سواء على مستوى الحدود أو السياده .. ربما لو صرف الفلسطيني الزمن الذي فقده وهو يجري نحو وهم الدولة على حدود الرابع من حزيران على تفكيك نظام الأبارتهايد ربما كنا في واقع أفضل مما نحن عليه .
تتحمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبا مسؤولية السماح لدولة الاحتلال بتدمير حل الدولتين . وعليه ليس مطلوب منا كفلسطينين البحث عن الحلول ، بل علينا أن نلقي الأزمة بأكملها من جديد على دولة الاحتلال والنظام الدولي . وهذا طبعا لا يعني أن لا نؤسس لصياغة واضحة تستند إلى رؤية وطنية واثقة، تمتلك أدوات الإنجاز بكل أشكالها وأنواعها السياسية والمدنية والعسكرية .
من الجدير الإشاره إلى أن مشروع فلسطين الكاملة كما أقدمه هنا ليس بالضرورة هو نفس مفهوم الدولة الواحدة الذي استهلك سياسيا ويتضمن كثير من المضامين التي تهدر حقوق شعبنا .... ما أقدمه هنا ليس سوى مساهمة في النقاش الذي تموج به الساحة الفلسطينية . لا يفرض مفهوم بعينه . بل يلقي بعض من ضوء على ما يدور بين مجموعات كثيره من نقاش يمكن تلخيصه بفكرتين من وجهة نظري. واحدة تقوم على أساس التعامل مع فلسطين الكاملة ضمن موضوعة تفكيك نظام الأبرتهايد الصهيوني على أرض فلسطين . شبيها بما تم في جنوب إفريقيا . والأخر يقوم على أساس النضال ضمن حركة تحرر وطني، تشمل فلسطين من بحرها إلى نهرها وإنشاء دولة فلسطين الديمقراطية على أرض فلسطين الكاملة ، أشبه بالمشروع الذي تبنته فصائل الثوره مع بدايات إنطلاقتها .. بما يعني إعادة تعريف الحقوق الوطنية الفلسطينية على أساس الحقوق الطبيعية وليس الحقوق المشروعة . قد يشكل هذا التحول في المشروع الوطني صدمة للبعض على المستوى المحلي والإقليمي والدولي . وقد يستصعب البعض مجرد التفكير به .
لكنه يبدو الخيار الأكثر منطقية خاصة في ظل السقوط المدوي لحل الدولتين، رغم محاولة إدارة بايدن إعادة إنتاج قوة دفع وهمية لإطالة عمر حالة تلفظ أنفاسها الأخيرة .
إن مشروع فلسطين الكاملة يشكل صدمة ضرورية للنظام الدولي ممثلا بالأمم المتحدة والقوى العظمى خاصة الولايات المتحدة وأوروبا ويقفل ما يزيد عن سبعين عاما من الجري خلف وهم الحقوق المشروعة . الذي انتجه النادي الدولي نفسه، ذلك الذي منح الشرعية لدولة الاحتلال . فلا هو تمكن من فرض تلك الحقوق التي شرعها لنا ولا ترجمها على أرض الواقع . ولا تمكن من ردع المحتل ومنع عدوانه . بل شكل غطاء مستمر لحماية عدوانه على أرضنا وشعبنا وعجز عن لجم الاحتلال بسبب من الطبيعة الإستعمارية للنادي الدولي المسمى بالأمم المتحدة، التي احتفظت لدول بعينها بحق الفيتو ضد دول وشعوب العالم أجمع .
قد نكون الطرف الأضعف في المعادلة العسكرية، لكننا نمتلك القدرة ليس فقط على إعادة تشكيل مشروعنا الوطني على أسس وطنية حقيقية، بل نستطيع أن نساهم في نهوض حركة عالمية تعبر بالعالم إلى تغير كبير في النظام الدولي . فكما نهض الفلسطيني موحدا دفاعا عن حقوقه المسلوبة، مستفيدا من تحول العالم إلى قرية صغيرة بسبب ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي . اعتقد أعتقد أن العالم أمام حتمية اكتشاف شعوب العالم لحقوقهم المسلوبة ضمن النادي الدولي المسمى الأمم المتحدة .. وليس من المستبعد أن يشهد هذا النظام ميلاده الثالث في العصر الحديث . وكان قد بدء من عصبة الأمم التي سقطت مبكرا ، بسبب تمسك القوى الاستعمارية بنظرية فائض القوة ، التي انتجت حربين عالميتين . ثم انتقل النظام الدولي إلى ميلاده الثاني بإنشاء الأمم المتحدة، التي بدل أن تفكك نظرية فائض القوة المنتجة للاستعمار والحروب الدولية . قامت بنتظيم فائض القوة لصالح الدول المنتصرة بالحرب العالمية الثانية ، واحتفظت لتلك الدول بحق الفيتو ، وهو حق يمنحها السلطة والقوة ضد حقوق ومصالح الدول والشعوب الأخرى .
لم يعد مقبولا وقد استيقظ وعي الشعوب على مستوى البسيطة لحقوقها غير القابلة للتصرف أن تقبل الفيتو من أحد على تلك الحقوق .. إن الفيتو هو عمل سياسي عدواني باسم الشرعية الدولية على شعوب العالم وهو حيلة النظام الدولي التي اعتبرت من مسلمات العمل السياسي الدولي ، وهو ما أخل بل أنهى دور مؤسسات الأمم المتحدة خاصة مجلس الامن من القيام بواجبه الأساس وهو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين .. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأزمات الدولية وإنتشار الحروب وسقوط ملايين الضحايا بسبب من ذلك .. بينما استخدمت الدول العظمى صاحبة حق الفيتو نظرية إدارة الأزمات أو إدارة الصراعات بدل حلها أو حسمها أو كف يد المعتدي .. لقد كان شعبنا من أكبر ضحايا هذا النظام الدولي . سواء في مرحلة تشكيله الأولى في عصبة الأمم . حيث مورست أكبر عملية خداع دولي عندما تم تضمين وعد بلفور في ديباجة بيان إنشاء عصبة الأمم في مؤتمر فرساي في باريس عام 1919 ، وعلى الرغم من تصنيف فلسطين وفق المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم بين الشعوب القابلة للاستقلال والتي وضعت ضمن الفئة أ من الشعوب التي كانت خاضعة للدولة العثمانية . فكانت عملية الخداع في إستحداث مفهوم جديد للحكم الاستعماري وهو مفهوم الإنتداب . فتم وضع فلسطين تحت سلطة الانتداب البريطاني، وقد نص صك الانتداب في بنده الثاني على تنفيذ وعد بلفور . ما يعني أن عصبة الأمم في المادة 22 من ميثاقها عندما عرفت فلسطين بين الشعوب القابلة للاستقلال، كانت تعني اليهود وليس الفلسطينين، بينما لم يكن عدد اليهود في فلسطين في ذلك الوقت يزيد عن 8000 يهودي ، فكانت تلك أكبر عملية تزوير استهدفت اختراع شعب من شتات القوميات وجلبه الى فلسطين . وصولا إلى قرار تقسيم فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل على أرضنا الفلسطينية . ومطالبة أصحاب الأرض الشرعيين الاعتراف ليس فقط بتقسيم أرض وطنهم بل بدولة إسرائيل .. وظلت الأمم المتحدة أداة الدول الإستعمارية من بريطانيا إلى أن ورث دورها على المستوى العالمي الولايات المتحدة الامريكية . التي استخدمت الأمم المتحدة لحماية مصالح دولة الاحتلال وعدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. وعملت على بالتعاون مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة على غسل دماغ المواطن الأمريكي فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي . فنمطت الضحية بصفة الإرهاب بينما منحت المتعدي المستعمر مكانة الدولة الديمقراطية ومستوطينيها صفة الضحية ..
لقد شكلت حرب 21 ايار 2021 . لحظة فارقة . كشفت حجم المظلمة الفلسطينية وزيف الرواية الصهيونية الاستعمارية، وخداع الدول المساندة لها ولشعوبها خاصة في امريكا وبريطانيا ومعظم الدول الاوروبية، الذين ساهموا بشكل أو بأخر بانتشار الخديعة السياسية للحركة الصهيونية .
ومع تحطم احتكار المؤسسات الإعلامية من قبل اللوبي الصهيوني ، وامتلاك المواطن العادي على المستوى العالمي لأدواته الإعلامية الفردية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الاستحواذ على الرواية بيد المؤسسات الرسمية ، التي توجهها وفقا لمصالحها أو مصالح الحركة الصهيونية ولوبياتها المنشرة على المستوى العالمي، فوصلت صورة العدوان إلى كل فرد في العالم .
نحن نشهد تغير كبير في العالم لصالح القضية في الفلسطينية، خاصة في الولايات المتحدة وداخل الحزب الديمقراطي نفسه، لكننا لا نشهد استجابة فلسطينية على مستوى هذا التغير .
إن اللحظة التي نعيشها لحظة فارقة لا تحتمل الفردية ولا الفئوية وتتحمل كافة القوى مسؤولية التقاطها والارتقاء إلى مستوى الأحداث، باقفال صفحة الأنقسام البغيض والإقرار بشكل لا لبس فيه ، أن قوة ومقدرات المقاومة الفلسطينية هي قوة للشعب الفلسطيني . ولا يمكن إلا أن تكون شريكة في النظام السياسي بكل مكوناته ، ما يمكننا بكل تأكيد تعديل ميزان القوى المختل لصالح الاحتلال، مع التأكيد على كلمة تعديل وليس تغير ، ما يضعنا والمنطقة بأكملها امام واقع جديد ، يحولنا من موقع المفعول به الدائم إلى موقع الفاعل المؤثر والصانع للأحداث . بحيث لا يعود ممكن على القوى العظمى في العالم تجاهل قضيتنا ووضعها في أسفل جدول الاهتمامات الدولية .
إن النتائج الاستراتيجية غير المباشرة لحرب أيار 2021 . فتحت الطريق واسعا للشعب الفلسطيني لمغادرة حالة الجري وراء المشاريع الوهمية ، بكل اصطلاحاتها المضللة سواء حل الدولتين أو الدولة ثنائية القومية أو الحقوق المشروعة أو المطبوعة . بل إعادة انتاج مشروعنا الوطني الناهض نحو فلسطين الكاملة المستند إلى حقوقنا الطبيعية الشرعية وحقنا التاريخي غير القابل للتزيف أو التصرف .
لا بد من التأكيد من جديد أن اللحظة فارقة لا تناسبها الحسابات الضيقة ، ما يتطلب من قوى المقاومة التصرف بمسؤولية وطنية تنفتح فيها على الكل الفلسطيني ولا تستحوذ بشكل منفرد أو عصبوي على حالة النهوض، لأن تلك الحالة بعمقها الشعبي أكبر من كل الفصائل . وعلى القيادة الفلسطينية أن تدرك أنها لا تستطيع الاستمرار بإدارة الشأن الفلسطيني بالطريقة التي انتهجتها لغاية الأن، وأن عليها الإرتقاء إلى مستوى الحدث، ومستوى الفعل الذي جسده الفلسطينيون في الوطن والشتات، وبالتالي الانفكاك من القيود والمصالح التي تكبلها ، وأن تقوم بتغيرات جذرية في بنى النظام السياسي الفلسطيني على كافة مستوياته ومؤسساته، لأنها إن لم تفعل فسوف تتجاوزها الأحداث إن لم تكن قد تجاوزتها فعلا .