|
نتنياهو والفيل وأصحابه!
نشر بتاريخ: 09/06/2021 ( آخر تحديث: 09/06/2021 الساعة: 13:06 )
بقلم: د. صبري صيدم
تقول بعض الثقافات الغربية في توصيف الشخصيات المدمرة، التي ما إن تدخل مكاناً إلا ودمرته، بأنها كما الفيل الذي إذا ما أُدخل إلى دكان لبيع الكريستال دمره تدميراً شاملاً ماحقاً، غير مكترث بطبيعة المكان ومن حوله من بشر.
هذا بالضبط هو حال نتنياهو، الذي خرج مثخناً من عدوانه الأخير على الشعب الفلسطيني، فلم يستطع الحصول على مشهد المنتصر، الذي لطالما بحث عنه، رغم امتلاكه لصنوف السلاح على تعددها، بينما كال له غريمه وحليفه ومدير مكتبه السابق نفتالي بينيت الصفعة القاتلة، فعدل عن قراره خلال العدوان على غزة بتشكيل إئتلاف حكومي مع نتنياهو، فذهب باتجاه خصومه ليعلن تحالفه معهم وتشكيله لإئتلاف حكومي جديد يفضي إلى مغادرة نتنياهو للسلطة.
وما أن شعر الفيل المثخن نتنياهو بأن حلمه قد تبدد، حتى تدخل الجيش لمراقبة تصرفات الأخير خوفاً من قيامه بضرب إيران افتعالاً لحرب جديدة، تبقيه في الحكم، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية للتدخل أيضاً، والتحذير من افتعال حرب مع إيران، وهي التي أوشكت على إنجاز اتفاق نووي أمريكي – إيراني جديد. عندها توجه نتنياهو إلى حلفائه المتدينين، وعتاولة اليمين المتطرف، ورؤساء أحزاب ذلك اليمين في الكنيست، باحثاً عن سبيل للتدخل ومنع بينيت من تشكيل حكومته الجديدة.
وقد قاد الإصرار على المساعي لتعطيل الإئتلاف الحكومي الجديد، إلى تأليب الإعلامين المتعاطفين مع نتنياهو، وحثهم على ترهيب الناس من التوليفة الحكومية الجديدة، تارة بوصفها باليسارية، جراء تحالف بينيت مع اليسار، وتارة بالحكومة المتعاطفة مع مطالب الفلسطينيين.
وبذلك جمع الفيل أصحابه وحلفاؤه لمواجهة طرده من العرش، لاسيما وأن السجن بانتظاره لا محالة، خاصة بعد عدة مساءلات شرطية، وإدانات عدلية حالت حصانة نتنياهو بينها وبين دخوله السجن. اليوم ومع شعور نتنياهو باقترابه من زنزانة السجن، فقد تحول ومن معه إلى «إبرهة» القرن الواحد والعشرين، الذي يشبه ومن معه أولئك الذين عرفوا بأصحاب الفيل.
صدمة نتنياهو الكبرى كانت مع حليفه الشيخ عباس منصور، الذي شق القائمة العربية المشتركة، وتحالف مع نتنياهو في جولة الانتخابات الأخيرة، على أمل الظفر بموقع حكومي في حكومة نتنياهو، الذي كان الأخير قد اطمئن لتشكيلها قبيل العدوان على الشيخ جراح، وما أعقبه من عدوان شامل على الشعب الفلسطيني.
عباس لم يجد بداً من «طلاق» نتنياهو لعدة أسباب أهمها تورط الأخير في حرب أفقدته الكثير من الدعم الدولي، وحولته في أعين الكثيرين إلى مجرم حرب، وهو ما يجعل من تحالف منصور عباس مع نتنياهو أمراً منتقداً وفاضحاً، خاصة أمام جمهور عباس ذاته.
إذن صفعة تلو الأخرى عاشها نتنياهو مذ غرق في أتون حربه مع الفلسطينيين، ليجد الفلسطينيين ومناصريهم وقد هبوا من كل حدب وصوب، يقارعونه ويقصفونه وينتفضون في وجهه في فلسطين التاريخية والقدس وغزة، وكل بقاع الأرض، لتشهد دولة الاحتلال انقلاباً غير مسبوق في الرأي العام العالمي.
لكن نتنياهو لن يستسلم أبداً، بل سيقاتل حتى الربع ساعة الأخير ليقلب المعادلة والسعي بشتى السبل للبقاء في الحكم حتى لو كلفه الأمر حرباً جديدة. فالمهم أن يبقى ويفنى غيره، وأن يستمر بينما يحترق غيره.
وتشير التكهنات إلى أن مسيرة الأعلام التي واجهها الأمن الإسرائيلي بالرفض، وما تبعها من تحريض المستوطنين لاجتياح باحات المسجد الأقصى يوم الخميس المقبل، ما هي إلا من صنع نتنياهو ذاته، الذي يقلب في هذه اللحظات خياراته المختلفة في سعيه المحموم لقلب المعادلة.
لكن أبرهة هذا الزمان وجيشه من «أصحاب الفيل» لن يقابلوا إلا بحجارة من «سجيل» سجيل أولئك الذين عقدوا العزم على مواجهته حتى الخلاص والحرية والاستقلال.
|