|
"الثورة الفلسطينية واليهود".. تصورات تاريخية مغايرة لسردية تأسيس إسرائيل
نشر بتاريخ: 12/06/2021 ( آخر تحديث: 12/06/2021 الساعة: 01:16 )
بيت لحم- معا- أصدر كلا من دار ليبرتاتيا للنشر الفرنسية ومجلة "أوريان 21" (orientxxi) مجموعة من الأعمال المكرسة لشؤون الشرق الأوسط، وصدر العنوان الأول مطلع شهر يونيو/حزيران الجاري، كترجمة فرنسية لوثيقة كتاب مهم ومثير نشرته حركة فتح الفلسطينية ربيع سنة 1970 بعنوان "الثورة الفلسطينية واليهود". وفي تقريرها، قالت مجلة "أوريان 21" الفرنسية إن اندلاع حروب بين الفلسطينيين والإسرائيليين أمر متكرر، وقد أدى توطين أكثر من 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى القضاء على فكرة حل الدولتين.
وجعل هذا الوضع كتاب "الثورة الفلسطينية واليهود"، الذي نشرته حركة التحرير الوطني الفلسطينية (فتح)، سنة 1970 يعود إلى النور من جديد، بحسب المجلة الفرنسية. وفي هذا الصدد، عبّر كتاب الحركة الفلسطينية عن مشروع لإقامة مجتمع تقدمي مفتوح في "فلسطين ديمقراطية غير طائفية، دولة واحدة يتعايش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون" ورفض شعارات "رمي العرب في الصحراء" و"رمي اليهود في البحر"، من أجل وضع حد لمجتمع الفصل العنصري، الذي أسسه الاحتلال واستنكرته مؤخرا منظمات حقوق الإنسان؛ على غرار منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية غير الحكومية و"هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch) الدولية. ولا يخفي النص "التاريخي" صعوبات تنفيذ مثل هذا المشروع، حيث يعتبر أن اليوتوبيا (الفكرة المثالية) المقترحة تحتاج إلى تفسير؛ لكنه يعتبر أنه "الحل الدائم الوحيد الذي سيحقق السلام الدائم والعدالة". أعادت دار ليبرتاتيا للنشر ومجلة أوريان 21 الفرنسية نشر هذه الوثيقة، بعرض قدمه ووضعه في سياقه الكاتب والمحلل الفرنسي آلان جريش، رئيس التحرير السابق لجريدة "لوموند ديبلوماتيك" (Le Monde diplomatique) ومدير موقع المجلة حاليا والباحث في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية. ويرغب جريش في مراجعة الظروف التي كُتب فيها الكتاب وأسباب عودته إلى الأضواء من جديد.
أطلقت حركة فتح في الأول من يناير/كانون الثاني 1965 الثورة الفلسطينية (بتنفيذ عملية عيلبون الشهيرة) بعد 6 سنوات من الاستعداد العسكري والعمل السياسي. كما أمضت الحركة السنتين الأوليين في ترسيخ وجودها على الساحة الفلسطينية، لعل خير دليل على ذلك التجربة المؤلمة، التي حدثت سنة 1967، والنزوح الثاني الذي ثبّت الفلسطينيين على طريق الثورة؛ إذ تسنى لهم حمل السلاح والعودة إلى منازلهم للقتال ضد المحتل. في الواقع، أدرك الشعب الفلسطيني أن تحرير وطنه لا يمكن أن يتحقق بفضل جهود الجيوش العربية من خلال خوض حرب كلاسيكية. في المقابل، يمكن أن يأتي النصر بفضل حرب التحرير الشعبية، وهكذا استعاد الشعب الثقة بحلمه، وكأن الوطن يولد من جديد؛ إذ عززت معركة الكرامة 21 مارس/آذار 1968 وسائر الانتصارات والتضحيات والمقاتلين، الذين ماتوا في ساحة المعركة والتصعيد المسلح، الشعور بالانتماء إلى فلسطين. في الوقت نفسه، جعلت الثورة المقاتلين أكثر نضجا، وفق تقرير المجلة الفرنسية. في هذا الصدد، بدأت طريقة نظر المقاومة الفلسطينية إلى العدو تتغير، وأصبحت تميّز جيّدا بين اليهودي والصهيوني، بحسب المجلة، كما أنها أدركت أن الرغبة في الانتقام لا تكفي لشن حرب تحرير؛ لذلك، بدأ المقاتلون في التفكير بغاياتهم وأهدافهم النهائية. وأدّت المناقشات مع اليهود المثقفين التقدميين الذين أتوا من جميع أنحاء العالم للانخراط في حوار مع الثورة إلى فهم أعمق من أي وقت مضى. صورة جديدة وتقول المجلة الفرنسية إن "قادة الثورة قاموا بدراسات ومناقشات أدت إلى خلاصة جدية، حيث اعتبروا أن اليهود عانوا من الاضطهاد على أيدي المجرمين العنصريين والنازيين، كما نعاني نحن على أيدي الصهاينة. لذلك، هناك أوجه تشابه في المعاناة التي يعيشها كلا الطرفين. كنتيجة لذلك، أدرك الثوار أنهم وقعوا في فخ العنصرية في كرههم لليهود"، بحسب تعبير المجلة الفرنسية. درس الثوار الفلسطينيون التاريخ والفكر اليهودي، الذي اعتبر رواده أن غالبية الذين جاؤوا إلى فلسطين فروا من معسكرات الاعتقال الألمانية (النازية)، وقيل لهم "أنتم شعب بلا أرض تذهبون لأرض بلا شعب"، معتبرين أن الفلسطينيين غادروا فلسطين بمحض إرادتهم، بناء على أوامر القادة العرب، كجزء من خطة غادرة لتنفيذ مذبحة عامة لليهود، بحسب الرواية اليهودية التي نقلتها المجلة الفرنسية. ثم استمرت "الآلة الدعائية" الصهيونية في إخبار المهاجرين اليهود الجدد، وكذلك المستوطنين القدامى، أنه لم يكن هناك سوى بديل واحد؛ إما القتال من أجل البقاء وإنقاذ "إسرائيل"، أو الذبح أو الهروب في أفضل الأحوال عبر البحر الأبيض المتوسط. وحتى اليهود العرب -الذين أطلق عليهم الصهاينة "يهود الشرق"- والذين تعرضوا، داخل إسرائيل للتمييز من قبل الأوليغارشية الأوروبية (حكم الأقلية/النخبة)، كان عليهم أن يتقبلوا الحجة والقتال من أجل ما "اعتبروه بقاءهم". كان الكفاح ضد الصهيونية هو ما كشف للفلسطينيين الشخصية اليهودية، ودرس قادة الثورة الفلسطينية أفكار مثقفين يهود مثل الفيلسوف النمساوي مارتن بوبر (1878-1965)، والمؤرخ المختص بدراسة الاتحاد السوفياتي السابق إسحاق دويتشر (1907-1967)، الحاخام الأميركي المناهض للصهيونية إلمر بيرغر (1908-1996)، ومعلم التوراة المناهض للصهيونية موشيه مينوهيم (1893-1983)، بحسب المجلة الفرنسية. في الواقع، تمكّن الثوري الفلسطيني من تحرير نفسه من معظم صوره النمطية القديمة، وفق المجلة، كما أن الثائر الفلسطيني مستعد للموت من أجل تحرير فلسطين، ولن يقبل بأي بديل مهما كان الثمن الذي سيدفعه؛ لكنه يملك فكرة واضحة عن العدو والهدف النهائي الذي يسعى لتحقيقه. وعندما جاء الطلاب اليهود من أوروبا لقضاء إجازة الصيف في الأردن في معسكر فتح، جرى تبنيهم بشكل عفوي، وتقول المجلة الفرنسية إن حركة فتح ما زالت تتطلع إلى اليوم الذي يأتي فيه آلاف اليهود للقتال إلى جانبها من أجل تحرير فلسطين، وقد يحدث هذا الأمر في وقت أقرب مما تعتقد بالنظر إلى الأحداث الأخيرة، بحسب تعبير المجلة الفرنسية. الخطوة الأولى اتخذ الثوار الفلسطينيون الخطوة الأولى بالدعوة إلى إنشاء فلسطين ديمقراطية غير طائفية. وعموما، طرأ تغيير على موقف الفلسطينيين المنفيّين والمضطهدين الذين يعيدون تحديد أهدافهم، ويريدون إنشاء فلسطين جديدة تضم اليهود الموجودين في الوقت الراهن في إسرائيل، بحسب المجلة الفرنسية. ولكن لكي يصبح هذا الهدف قابلا للتحقيق، يجب أن نبدأ بالاهتمام بموقف الطرف الآخر. ولسائل أن يسأل، ما هو الموقف الحالي لليهود فيما يتعلق بهذا الهدف؟ وما الذي يمكن أن يغيّر عقليّتهم؟، تختم المجلة. |