وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

واقع الطفل الفلسطيني.. ما بين الاعتقال والتعذيب

نشر بتاريخ: 28/06/2021 ( آخر تحديث: 28/06/2021 الساعة: 17:07 )
واقع الطفل الفلسطيني.. ما بين الاعتقال والتعذيب

خلال السنوات الخمس الماضية، بدأنا نسمع ونعيش واقعا مختلفا، أشد قسوة وأشد تنكيلا، وأشد وحشية تجاه الاطفال الفلسطينيين، طرق اعتقالهم والتنكيل بهم وتعذيبهم، اثناء الاعتقال وخلال الاستجواب والتحقيق.

شهادة حية من صحفية فلسطينية مقدسية، اعتقلت في معتقل المسكوبية في القدس نهاية الشهر الماضي، أثناء تأديتها واجبها الصحفي في توثيق ما يجري في حي الشيخ جراح في مدينة القدس، الصحفية الشابة زينة الحلواني، قالت بعد الافراج عنها، وفي كلمات مغمّسة بالدموع ووجع القلب عن سماعها لصرخات طفل محتجز هناك يصرخ طالبا امه: "كان الطفل يصرخ وينادي على امه ونحن نقف عاجزين ونحن مكبلو اليدين، ماذا باستطاعتنا أن نفعل له؟، أين حقوق الطفل وحقوق الانسان؟، الشعور بالعجز صعب جدا".

شهادة حية اخرى، من مهند عواد من بلدة أبو ديس في محافظة القدس، هذا الطفل الرجل الذي كبر قبل أوانه، اصيب بخمس رصاصات في الارجل وهو في سن الخامسة عشر والنصف، نجح بالوصول الى المشفى ليتمكن الاطباء من انتزاع الرصاصات، خرج للمنزل ليتم علاجه، وما هي الا أيام تسعة، حتى اقتحم جنود الاحتلال منزله فجرا، وتمكنوا من اعتقاله مع اثنين من أصدقائه، وهنا تبدأ معاناة من نوع اخر.

يقتاده جنود الاحتلال خارج المنزل، ومعه عكازتيه اللتين يتكأ عليهما، يأمره الجنود بالقفز عن سور المنزل، يخبرهم أنه لايستطيع، يحملانه دون عكازتيه، ويلقون به للجهة الاخرى من السور، ومن ثم يلقون عكازتيه ليلحقا به، ألم ثم ألم برجليه، ثم يجبر مرة اخرى على المشي لمسافات ومن ثم الصعود للجيب العسكري.

يقول مهند" اعاني من ضمور بالعضلات، وتشوهات بالأرجل، وبحاجة للعديد من العمليات، تجربة الاعتقال لا يمكن أن أنساها" .

يضيف مهند" كنا سبعة وأحيانا ثمانية أطفال في الغرفة داخل سجن مجدو، كان هناك أطفال لم يتجاوزوا الثانية عشر من عمرهم، يبكون وينادون على امهاتهم ."

تقول والدة مهند أنها ولأكثر من عشرين يوما بعد اعتقاله، لم تعرف شيئا عن ابنها، حاولت أن تسأل عنه، ولكنها لم تتلقى أي اجابه ، تخبرنا عن مهند والدموع في عينيها، ولكنها تحاول جادة أن تخفيهم.

والدة مهند تقول أن ابنها تغير كثيرا بعد الاعتقال " لقد أصبح مهند عصبيا للغاية، لا يأكل مثل السابق، لا يرغب بالحديث، يبدوا خجولا ومنعزلا عن الناس، ويسهر كثيرا، فتجربة السجن كانت قاسية للغاية عليه."

أما والد مهند، فهو لديه الكثير ليقوله" لقد اعتقل مهند الساعة الثالثة فجرا، كان نائما في فراشه، لم يسمحوا لنا باعطائه جاكيت ليلبسه، فالجو بارد، اعتقلوه في شهر اكتوبر تشرين أول من العام الماضي ."

ويضيف والد مهند" لم يأت أحد من الصحفيين ليسألنا عن مهند، ليوثق ما حصل له، ولم يأت أحد أيضا ليسأل عن مهند بعد الافراج عنه، لقد عشنا أياما صعبة للغاية".

مهند يقول لنا، أنه تعلم الكثير عن تجربة الاعتقال قبل اعتقاله، سمع قصصا كثيرة، وشارك في لقاءات توعوية وندوات تتحدث عن الاعتقال خلال التحاقه ببعض المؤسسات الشبابية والمخيمات الصيفية، وهو من أنقذ أصدقائه عندما قال لهم وهم في الجيب العسكري أثناء اعتقالهم" احذروا يوجد جهاز تسجيل في السيارة، لا تتحدثوا كثيرا، اصمتوا، فهم يسجلوا كل أحاديثنا " ويضيف " لقد أنقذتهم وأنقذت نفسي لاحقا."

نادي الاسير الفلسطيني، وفي تقرير له بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني في الخامس من نيسان الماضي، قال أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي، تواصل اعتقال نحو 140 طفل تقل أعمارهم عن 18 عاما، ومن بينهم أسيران رهن الاعتقال الاداري، وان الاطفال يقبعون في سجون مركزية وهي عوفر ومجدو والدامون ، حيث يتوزع الاطفال على السجون الثلاثه حسب مكان سكناهم، فأطفال جنوب الضفة الغربية يعتقلون في معتقل عوفر، وأطفال شمال الضفة الغربية يعتقلون في مجدو، أما أطفال القدس فيعتقلون في سجن الدامون .

وفي متابعة لملف الاسرى الاطفال، تبين أنه ومنذ العام 2015 ، أي منذ اندلاع الهبة الجماهيرية الشعبية وبعد حرق عائلة دوابشة، وبعد الاقتحامات المتعددة للمسجد الاقصى المبارك، والتوسع الاستيطاني وما رافقه من اعتقالات واقتحامات وعمليات طعن وقتل، زادت اسرائيل من عمليات اعتقال الاطفال والتنكيل بهم.

وجاءت هذه الاعتقالات للأطفال في مختلف مدن الضفة الغربية ومدينة القدس وأحيائها المختلفة، لثنيهم عن المشاركة في أي نشاط، وتخويفهم وترهيبهم من الاعتقال ،في محاولة لخلق جيل يخاف الاعتقال، ويبتعد عن المشاركه في التظاهرات والمسيرات.

خاب ظن اسرائيل بما اعتقدت أنها ستنجح به، لم يخف الطفل الفلسطيني من الاعتقال، ولم يشغله أي شاغل عن حب وطنه والدفاع عن مقدساته، ولم يترك الطفل المقدسي بيته أو حيه في الشيخ جراح أو سلوان أو العيسوية أو مخيم شعفاط، لم يتنازل الطفل الفلسطيني عن حقه ولن يتنازل.

جاء الرد سريعا من الاحتلال، مزيد من الاعتقالات للأطفال، ومزيد من استخدام الضغط النفسي، والضرب، والاساءات اللفظية والتهديد، هذا اضافة الى احتجاز الاطفال بظروف غير انسانية وتفتقر للانارة والتهوية والطعام الجيد وتوفير العلاج في حال الحاجة له، هذا بحسب تقرير مؤسسة الضمير لرعاية الاسير وحقوق الانسان في شهر نيسان من العام الماضي 2020 .

قد نكون فتحنا ملفا هاما للغاية في مقالنا هذا، وقد نكون سلطنا الضوء على معاناة فلذات أكبادنا، وتوثيق قصصهم وسماع كل ما تعرضوا له من انتهاك واضح وصريح لكافة مواثيق حقوق الانسان وحقوق الطفل، ولكن هذا وحده لا يكفي ، فما هومطلوب منا جميعا ؟

المطلوب، اعلاء الصوت ومطالبة كافة المؤسسات الحقوقية المحلية والعالمية بضرورة التحرك الفوري لانقاذ الاطفال الفلسطينيين داخل السجون الاسرائيلية وتوثيق معاناتهم والضغط للافراج عنهم، وتعرية الاحتلال الاسرائيلي وكشف ممارساته تجاه الاطفال الاسرى، والزام اسرائيل بتنفيذ المواثيق الدولية واتفاقية الطفل وكافة الاتفاقيات والمعاهدات التي تخص الاطفال وحمايتهم.

الكاتبه: الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن الوضع العام في فلسطين والحياة اليومية وتحدياتها والقضايا الملحة وتأثيرها على المجتمع الفلسطيني.