|
سبسطية الأثرية: كنوز فوق الأرض وتحتها
نشر بتاريخ: 14/07/2021 ( آخر تحديث: 14/07/2021 الساعة: 16:50 )
هي البلدة التي تتغنى بتاريخها العريق وحضارتها التي امتدت لقرابة 3000 عام، وأنت تتجول بها وتسمع عن تاريخها قصص لا يمكن أن تحفظها جميعها، فتعدد الحضارات وتواكبها جعل من بلدة سبسطية في محافظة نابلس، معلما سياحيا تاريخيا أُثريا مميزا في فلسطين، تشدك اليها قصص التاريخ، وتشتم بها عبق الحضارات، وتضيع بين تفاصيل كل ما تسمعه، وتوثق عيناك كل ما تشاهده ليعود بك الزمان لتلك الحقبات التي عاصرت هذه البلدة الساحرة. سبسطية هي عاصمة الرومان في فلسطين أو هكذا اطلق عليها، تسير في شوارعها وتنطلق من بلدتها القديمة لتمر بأزقة ومنازل قديمة، وتسير باتجاه التاريخ لتجد نفسك أمام كنوز كثيرة، أعطت البلدة وهجا وعراقة، وميزتها عن العديد من البلدات التي تقع جوارها. وعلى وقع خطواتنا، وصوت الدليل السياحي الذي يرافقنا، تقف في وسط الساحة لتسمع عن قصص وتغمض عينيك لتعيش لحظات الماضي بكل عز وشموخ، يقول لنا محمد خشروم وهو الدليل السياحي والمرشد الذي رافقنا في رحلتنا لسبسطية " نحن في ساحة المدرج الروماني، والذي كان مخصصا للاحتفالات الخاصة بالاسرة المالكه، وكانت المقاعد في هذا المدرج مقسمة ومرتبه لكل فرد من أفراد الاسرة المالكة حسب وضعه وأهميته " ويتابع حديثه وهو يشرح بيديه يمينا ويسارا " ان المدرج بني بشكل نصف دائري فلا أحتاج وأنا أقف في وسطه لاعلاء صوتي أثناء الشرح، فالصوت مسموع وواضح، وهذا من اعجاز مهندسي تلك الحقبة الزمنية ." وللعودة للتاريخ قليلا، فسبسطية يرجع تاريخها للعصر البرونزي، وسكنها الكنعانيون، ثم الاشوريون، ثم جاء الاسكندر الكبير وتحولت المدينة الى يونانية، ثم دمرت في العام 107 قبل الميلاد، وبعدها أعاد الرومان بناءها وسميت منذ ذلك الوقت ب" سبسطية" . فيها العديد من المعالم التاريخية والاثرية، وفيها قبر سيدنا يحيى عليه السلام، حيث أن جثته دفنت في سبسطية، واخذ رأسه ودفن في دمشق، فما هو سبب قطع رأس سيدنا يحيى عليه السلام؟ يقال أن زوجة شقيق الملك هيرودس خافت على ضياع ثروة الملك وعزه، فقررت أن تزوج ابنتها سلومي لعمها الملك، وعندما انتشر هذا الخبر، جاء الرد من سيدنا يحيى عليه السلام بعدم شرعية هذا الزواج، فكان انتقامها من سيدنا يحيى عليه السلام قاسيا وسريعا. قررت سلومي أثناء الاحتفال بعيد ميلاد الملك هيرودس، أن ترقص ولكن بشرط واحد، أن ترقص وهي تحمل رأس سيدنا يحيى على طبق من فضه، وبعد أن شرب الملك الكثير من الخمر وسكر، وافق على طلبها، فتم قطع رأس سيدنا يحيى وجيء به على الطبق، فحملته سلومي ورقصت به، وبعد أن عاد للملك عقله، ندم ندما شديدا، فقد كان الملك يستشيره بكل شيء. وقرب مسجد سيدنا يحىي عليه السلام في بلدة سبسطية ، نرى تمثالا للملك هيرودس وهو ينتف شعر ذقنه ندما على قتل يحيى. وهذا ليس كل شيء في سبسطية، فعلينا أن لا ننسى باقي المعالم الاثرية والتاريخية الشامخة، فساحة البازاليكا أو البيادر وقصر هيرودس اليوناني، وساحة الاعمدة ومعبد اغسطس أو معبد الشمس، وكنيسة الراس والعديد من الاماكن التاريخية والاثرية الممتده على مساحة سبسطية. عادت البلدة للمسلمين على يد صلاح الدين الايوبي في العام 1187 ميلادي وبنى فيها مسجدا على مقام سيدنا يحيى عليه السلام. قد تكون هذه قصة سبسطية في قديم الزمان، ولكن قصتها في هذه الايام صعبة ومؤلمة، فبعد عمليات كثيرة من الترميم لبعض الأماكن الاثرية والتاريخية من قبل وزارة الاثار الفلسطينية، الا أن البعض الاخر لم يتم ترميمه وذلك لرفض سلطات الاحتلال الاسرائيلي السماح بعمليات الترميم، بحجة أن بعض هذه الاماكن يقع في منطقة "ج " أي أنها تحت السيادة الاسرائيلية، والمؤلم أكثر أن زيارات المستوطنين للأماكن الاثرية في البلدة أصبحت اسبوعية، وبحماية من جيش الاحتلال الذي يمنع سكان البلدة والزوار من الاقتراب من الاماكن الاثرية أثناء زيارة المستوطنين كل يوم أربعاء. زيارتنا للبلدة قبل أسابيع معدودة، وسماعنا لمعاناة السكان من اقتحامات المستوطنين وقوات الاحتلال، ومن جائحة كورونا التي أُثرت كثيرا على اقتصادهم وعلى استقبالهم للوفود والزوار، دعتنا لاطلاق حملة للترويج للبلدة ودعوة الحكومة الفلسطينية لعقد احدى جلساتها الاسبوعية في سبسطية، وذلك لتسليط الضوء عليها والتركيز على أهميتها ودعوة الناس والمؤسسات والقطاع الخاص وطلبة المدارس والجامعات للحضور باستمرار لانعاش البلدة ، لعقد مؤتمراتهم واجتماعاتهم وورشات العمل والتدريب المختلفة في البلدة. فنحن بحاجة أن نستمر في ترسيخ روايتنا لنحميها من الاندثار، وبحاجة أن نعزز من السياحة الداخلية، وبالتحديد للاماكن الاثرية والتاريخية لنتعرف على تاريخنا وحضارتنا وحضارة من سبقونا وعاشوا على أرضنا. وعلينا أن نعترف هنا، أن استجابة القطاع الخاص لهذه المناشدة كانت أسرع مما توقعنا، فكان البنك الاسلامي الفلسطيني أول المبادرين لحمل الراية، وتجهيز الطواقم للتحرك الى سبسطية للتعرف على تاريخها والقيام بواجبهم تجاه البلدة وأهلها، والمساهمة في زراعة الاشجار لحماية الارض، وكذلك لدعم القطاع التعليمي وتثبيته. هي مسؤولية فردية ومسؤولية جماعية، واجبنا جميعا أن نحمي تاريخنا، ونخطط لمستقبلنا، ونوثق لحاضرنا، ونزرع في نفوس أطفالنا أن فلسطين جنة ونحن حراسها، وتاريخنا أمانة في أعناقنا، فالنكثف النداءات ونواصل الزيارات ونحمي أثارنا وحضارتنا وتراثنا. علينا أن نتذكر أن تركنا لهذه الاماكن، قد يعرضها لخطر السيطرة عليها من المجموعات الاستيطانية المتطرفه، والتي تحاول جاهدة أن تستولي على الارض الفلسطينية، فسبسطية ليست حالة فردية، فهناك في بتير والولجة في محافظة بيت لحم، قصص كثيرة لمحاولات الاحتلال والمستوطنين السيطرة على الارض ونهب خيراتها، وهناك في البلدة القديمة من الخليل والبلدة القديمة من المدينة المقدسة وكذلك كل ما يحصل في حي الشيخ جراح وسلوان والعيسوية من استيلاء على الارض وسرقتها. الكاتبه: الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن الوضع العام في فلسطين والحياة اليومية وتحدياتها والقضايا الملحة وتأثيرها على المجتمع الفلسطيني . |