|
في ندوة.. دعوات لاعتماد الزراعة البيئية لتحقيق السيادة على الأرض والغذاء
نشر بتاريخ: 04/08/2021 ( آخر تحديث: 04/08/2021 الساعة: 20:53 )
رام الله معا- نظم مركز العمل التنموي/ معًا ومؤسسة هينرش بُل (فلسطين والأردن)، وشبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية، ندوة حوارية ناقشت "الأنماط الإنتاجية المُعززة للسيادة الوطنية على الأرض والغذاء: الزراعات البيئية نموذجا". وهدفت الندوة إلى مناقشة مؤشرات ودلائل وآفاق الزراعات البيئية في الأرض المحتلة عام 1967. وحاولت تتبع الصراع الفكري السياسي بين مدرستي "الأمن الغذائي" و"السيادة على الغذاء". وقدمت في الختام صورة عن آفاق المستقبل وتوصيات لتعزيز وتشجيع الزراعة البيئية كطريق لتحقيق السيادة على الغذاء. واستعرض المهندس الزراعي سعد داغر مقارنة بين الزراعة الكيماوية والزراعة البيئية. وأشار إلى الآثار المدمرة للزراعة الكيماوية على الأرض والتربة والتنوع الحيوي والاقتصاد والصحة، إلى جانب الأضرار الوطنية المتمثلة بالارتباط بالخارج والاعتماد عليه للحصول على البذور والمبيدات. وبحسب تقديرات عرضها داغر، فإن كمية استهلاك الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من المبيدات تصل إلى 4000 طن بتكلفة 80 مليون دولار تقريبا. أما الأسمدة الكيماوية، يقدر استهلاكها ب 30 ألف طن بتكلفة 45 مليون دولار. ونتيجة لما تلحقه الزراعة الكيماوية من أضرار، يرى داغر ضرورة في اتباع نمط الفلاحة البيئية، وهي وفق تعريفه "الفلسفة الزراعية والتطبيق العملي، اللذان يراعيان القوانين والنظم البيئية الطبيعية، ويعتنيان بكل أشكال الحياة على الأرض، ويعملان بانسجام مع البيئة المحيطة، دون الإضرار بعناصرها (تربة، هواء، مياه، تنوع حيوي، بشر)، ويقودان إلى تجدد العناصر والحياة، من أجل إنتاج غذاء صحي للإنسان والحيوان". وخلال الندوة، عرضت مؤسسة دالية المجتمعية، ورقة موقف حول "السيادة الغذائية الوطنية الفلسطينية"، تطرقت إلى المشاكل التي تقف عائقا أمام سيادة الفلسطينيين على غذائهم ومنها سياسات الاحتلال المسيطرة على الأرض والموارد الطبيعية، إلى جانب التقصير من قبل السياسات الوطنية فيما يتعلق بدعم القطاع الزراعي. وأشارت الورقة إلى أن "الموازنة المخصصة للقطاع الزراعي لا تلبي أدنى درجات المطلوب لدعم هذا القطاع، موازنة القطاع الزراعي تعتبر أقل موازنة بين القطاعات المختلفة، ففي العام 2018 لم تتجاوز 1% من مجموع الموازنة". ونبهت الورقة التي عرضها الباحث عبد العزيز الصالحي إلى "غياب سياسات الحماية المتعلقة بمدخلات الإنتاج، منها عدالة تسعير المياه الزراعية، وغياب حماية السوق من إدخال البذور المهجنة المدمرة للأرض الزراعية، وغياب حماية السوق من المواد الكيماوية التي تعمل على زيادة الكَم في مقابل الجودة والنوع". من جانبه، رد حسن الأشقر، مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الزراعة بأن الحكومة الفلسطينية لديها مجموعة استراتيجيات لدعم القطاع الزراعي. ولفت إلى "السياسة الوطنية للأمن الغذائي والتغذوي" باعتبارها سياسة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطيني حتى عام 2030. وأشار إلى أن السياسة الوطنية تعالج مجموعة من القضايا الأساسية منها: زيادة توافر الغذاء، وزيادة فرص الحصول عليه، وتحسين الاستفادة منه، وتحسين البيئة المؤسسية، وبناء الصمود والاستجابة للصدمات. وأفاد الأشقر إلى سعي الحكومة الفلسطينية إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية من بينها، القضاء على الجوع وجميع أشكال سوء التغذية، ومضاعفة الإنتاجية الزراعية ومداخيل صغار المنتجين، وضمان وجود نظم أنتاج غذائي مستدامة، وحفظ تنوع الموارد الوراثية النباتية والحيوانية للأغذية والزراعة. الندوة أفردت مساحة لمدير وحدة الدراسات البيئية في مركز العمل التنموي، جورج كرزم، لاستعراض الصراع الفكري - السياسي بين مدرستي "الأمن الغذائي" و"السيادة على الغذاء". مفهوم "الأمن الغذائي" يفترض في جوهره -بنظر كرزم- أن يمتلك الناس قدرة على تلبية احتياجاتهم الغذائية، من خلال الإنتاج المحلي أو الاستيراد، وهذا يعني "تبعية الشعوب الفقيرة الغذائية للدول الإمبريالية واحتكاراتها المتحكمة عالميا بإنتاج الحبوب والأغذية الاستراتيجية. هذا المفهوم يهدف، في المحصلة الأخيرة، إلى تكريس وتأبيد الظلم والقهر الاجتماعيين، وانعدام العدالة والمساواة؛ بل شرعنة الفقر والجوع وماكينة النهب العالمية المعززة للفجوات الطبقية". وعلى النقيض تماما، فإن مفهوم السيادة الوطنية على الغذاء، في السياق الفلسطيني، ينسجم تماما مع مفهوم الاقتصاد المقاوم المعتمد على الذات. يرى كرزم أن ذلك لا يتحقق إلا "من خلال تغطية احتياجاتنا الغذائية الأساسية والاستراتيجية من إنتاجنا المحلي المتحرر من التبعية لمدخلات الإنتاج الإسرائيلية التي يتحكم بها الاحتلال وشركاته". وطالب بتشجيع المزارعين على العودة إلى الزراعات البلدية والعضوية التي تتميز مدخلاتها بأنها محلية سواء على مستوى السماد البلدي المحلي أو السماد الأخضر أو الحيوانات أو الأيدي العاملة أو البذور البلدية غير الصناعية، أو العلاجات الزراعية الطبيعية والعضوية المشتقة من الموارد والنباتات المحلية. وفي الندوة التي عُقدت في مقر مؤسسة هينرش بُل (فلسطين والأردن) بمدينة البيرة، جرى استعراض نماذج ناجحة للزراعة البيئية، منها تجربة إيمان تركمان، وهي سيدة من منطقة النصارية في الأغوار الوسطى (حاصلة على بكالوريس تربية ابتدائية). تركمان التي تلقب ب "بنت الجبل"، تركت الوظيفة، وأسست مزرعة بيئية تعيل أسرتها من خلال زراعة 40 صنفا على مساحة 12 دونما. تجربة أخرى عرضها أحمد نوباني من مزارع النوباني بمحافظة رام الله، تتمثل بتربية النحل والأغنام، وزراعة محاصيل مختلفة في أرضه مكنته من تحقيق الاكتفاء الذاتي لأسرته وحتى لأصدقائه. قال النوباني وهو محاضر في جامعة بيرزيت إن الزراعة البيئية لا بد من النظر إليها من زوايا مختلفة وليس من منظور اقتصادي. وأضاف: "أشياء كثيرة يمكن تحقيقها، كممارسة الرياضة، والأكل الصحي، وتنمية العمل الجماعي، والأهم هو حماية الأرض، باختصار في هذه الحالة يمكن أن نحقق مفهوم الاقتصاد المستدام". كانت مديرة مؤسّسة هينرش بُل (فلسطين والأردن)، بيتينا ماركس، قد شددت على أهمية الندوة في فتح آفاق الحوار للوصول إلى الأنماط الإنتاجية المُعززة للسيادة الوطنية على الأرض والغذاء. في حين استعرضت منسقة البرنامج الدولي للسيادة الغذائية في منظمة أصدقاء الأرض العالمية، كيرتانا اسيكاران، بعض السياسات والتطبيقات والتجارب العالمية المرتبطة بالزراعة البيئية والسيادة على الغذاء. وركزت على تجربة دولة كوبا التي تحولت إلى إنتاج الغذاء للاستهلاك المحلي، بدل إنتاج السلع الزراعية للتصدير، وبذلك هي الآن تنتج نحو 97% من احتياجاتها الغذائية بفضل اعتماد الفلاحة البيئية، فيما كانت في السابق تنتج أقل من 35% من غذائها وتستورد الباقي.
|