|
محاكمة العصر ... محاكمة دعاة مصر
نشر بتاريخ: 09/08/2021 ( آخر تحديث: 09/08/2021 الساعة: 18:56 )
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل نتابع في هذه الأيام, تساقط أو اسقاط مجموعة من نجوم الدعوة الاسلامية "الدعاة الجدد " – ابتداء من محمد حسين يعقوب ومروراً بعمرو خالد و ليس انتهاء بمحمد حسان - التي ملأت فيديوهاتهم وخطبهم وخطاباتهم الدنيا وعلى مدار عشرات السنين , و زادت نجوميتهم ,ولمع بريقهم, مع هذا الضخ المالي والإعلامي, من الدول العربية والأنظمة العربية الموالية للغرب بشكل عام ,و الغني منها على وجه الخصوص. إنها الفرصة لمحاكمة ليس هؤلاء الدعاة, فقط , وإنما من مول ومن دعم ومن استغفل ومن استغفل. إنها دعوة لمراجعة وعي الشباب العربي الذي سار على هدي هذا التيار, وهي مراجعة كذلك لإعلام ساهم و يساهم في تشكيل وعينا "الزائف" وترتيب أولوياتنا , وهي فرصة كذلك لمراجعة أنظمة عربية تبنت الفكرة كاملة من البداية حتى النهاية, مع أن غاياتها ومبرراتها واضحة تماماً."الدعاة الجدد" في العالم العربي ,ولا سيما في مصر والخليج العربي يبدو ان ساعتهم الحقيقة قد أزفت , و الدور المخطط لهم من قبل الأنظمة العربية وحلفائها في الخارج قد حان وأتى إلى نهايته . ليس دفاعا عن أحد وليس اتهاماً وإدانة لأحد , ولكنها محاولة لإعادة قراءة الدور والمكانة التي انتزعوها أو التي أتاحتها بعض الأنظمة العربية لهم للتلاعب والتأثير بالشعوب العربية,فمن ناحية تظهر هذه الأنظمة بمظهر الحرص على الإسلام, ومن ناحية إشغال الناس عن جوهر قضاياهم . كما لا يجب أن يغيب عن بالنا تبني فكرة "الجهاد السياسي" و" المسيس " بحسب مصالح تلك الأنظمة وضمن لعبة التوازنات الإقليمية و الدولية . إن ما شهدناه , وما سنشهده في قادم الأيام من المحاكمات العلنية والاستعراضية "للدعاة الجدد " ما هو إلا تجريد لهم من شرعية دينية وشعبية, فتحتها أمامهم السلطات محاولة استغلال هذا الشعور البسيط للمواطن العربي بان هؤلاء هم من يمثلون الإسلام, وفي نفس الوقت غاب عن ذهن هذا المواطن عمق التفكير والسؤال المهم كيف لهذه الأنظمة ان تفتح المجال لهؤلاء بالحركة والحرية في طرح القضايا الدينية "الثانوية" وكأنها حريصة على المواطن ودينه و أخلاقه وانتمائه وفي نفس الوقت هي تمارس عكس ذلك كليا؟ إن هذه المحاكمات يجب ان تعيد للمواطن, وللنخب الفكرية و السياسية التوازن و الدخول في حالة من النقد الذاتي و الموضوعي , ضمن مشروع تحمله هذه النخبة من داخلها ومن داخل هموم شعبها وأمتها , و ليس من ألسنة وأفواه وحناجر من فتحت لهم الأبواب ورفعت لهم المنابر, للقيام بدور مشابه أو مكمل للأنظمة العربية التي تريد تسطيح وعي المواطن العربي , وحرقه وحرفه وإدخاله في متاهات و دهاليز, هي ابعد ما تكون عن واجبه ودوره في خلق المواطن الحقيقي في الوطن الحقيقي , وليس إدخاله في "بكائيات تاريخية" و دينية , لا سيما وان هؤلاء الدعاة أصبحوا يحترفون البكاء و يتعمدونه, حتى أصبحنا أمام ظاهرة جديدة تستحق التأمل و الدراسة ألا وهي ظاهرة "الدعاة البكاءون " الذين يجرون خلفهم ملايين الشباب فيتبارون في الحديث عن القضايا الثانوية , ويبتعدون عن جوهر الفكر الثوري في الدين الذي يدعو للتصدي للظلم والظالمين , بل وينأون بأنفسهم عن أعظم أنواع الجهاد جهاد كلمة الحق عند سلطان جائر ,شعار يرددونه مجالسهم وحلقات ذكرهم , لكن لا يجرؤون على ممارسته . إن المفكر أو المثقف أو السياسي أو الداعية الذي يستحق أن نسمع له و منه ونسير معه وخلفه هو الإنسان المنسجم مع نفسه و المتطابق ما بين فكره و سلوكه ونضاله . إنها دعوة أطلقها للشباب العربي والفلسطيني لا تسيروا خلف الكلام الثوري كائناً من كان قائله, بل عليكم بالقائد القدوة ,القائد الذي يعيش حالة من الانسجام ما بين فكره وسلوكه, القائد القابل و القادر على دفع حريته وحياته ثمنا للكلمة وللموقف . إنها محاكمة العصر لوعينا وترتيب أولوياتنا و الخروج من حالة القدوة الوهمية التي غزت عقول شبابنا وعواطفهم ,وأخرجتهم من واقعهم إلى واقع تاريخي افتراضي . |