وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مظاهر الفساد وأهمية مكافحته من المنظور الشرعي

نشر بتاريخ: 11/08/2021 ( آخر تحديث: 11/08/2021 الساعة: 21:19 )
مظاهر الفساد وأهمية مكافحته من المنظور الشرعي

الدكتور سهيل الاحمد

الفساد هو السلوك المنافي للقوانين والأخلاق القائم على الإخلال بالمصالح والواجبات العامة من خلال استغلال المال العام لتحقيق مصالح خاصة"(الشمري، الفتلي، هاشم، وإيثار، الفساد الإداري والمالي، دار اليازوري، عمان، ص27)، ومن مظاهره: "المحسوبية والوساطة والتحيز والمحاباة، الرشوة، الابتزاز الوظيفي، الاستغلال الوظيفي، إساءة استعمال السلطة، الإهمال الوظيفي، الاحتيال، النصب، الاختلاس، التزوير، غسيل الأموال، الاستيلاء على المال العام، العمولة، الغش، التدليس، التقصير، الإهدار، التهرب الضريبي، وغيرها" (فارس، طه، أسس مكافحة الفساد الإداري والمالي في ضوء السنة النبوية، الألوكة، والجزولى، عبد الكريم، الصديق أحمد، خالد حمدي، محاربة الفساد رؤية تأصيلية، جامعة المدينة العالمية).

وتتجلى طبيعة الفساد وحدوثه من خلال الخروج عن مقتضى الشرع والقانون والنظام الذي تتصالح عليه الطبائع السليمة لدى الأفراد والمجتمعات وذلك بإظهار المخالفة والنفور الذي يترتب عليه عدم الالتزام بهما أو استغلال غيابهما بهدف تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية سواء أكان ذلك للفرد أم لجماعة معينة، وتتجلى طبيعته كذلك بإساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة لأجل المكاسب والمصالح الخاصة (الجزولى، الصديق أحمد، محاربة الفساد رؤية تأصيلية)، وهو يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة، كما يمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من غير اللجوء إلى الرشوة من خلال تعيين الأقارب وفق منظومة النسب والقرابة والمحسوبية أو أن يعمد إلى سرقة المال العام بشكل مباشر (ياسر خالد بركات الوائلي، الفساد الإداري مفهومه ومظاهره وأسبابه http://annabaa.org/nbahome/nba80/010.htm). وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من خطورة هذا السلوك وعد ذلك من قبيل خيانة الأمانة والإخلال بقواعد المسؤولية المتعلقة برعاية مصالح الناس حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" (صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، والحث على الرفق والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم 1829)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح إلا لم يدخل الجنة" (صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، والحث على الرفق والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم 1829)

وبهذا يظهر أن الفساد سلوك يتناقض مع الواجبات الرسمية للمنصب العام بهدف تحقيق مكاسب شخصية خاصة مادية كانت أم معنوية، وقد كيفته منظمة الشفافية الدولية بأنه: كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته، إساءة استخدام السلطة الرسمية الممنوحة له سواء في مجال المال العام أو النفوذ أو التهاون في تطبيق النظام أو المحاباة وكل ما يضر بالمصلحة العامة وتعظيم المصلحة الشخصية (ما هو مفهوم الفساد -مظاهره أسبابه –أشكاله، http://basset.goo-dole.com/t32-topic)

وقد نظر التشريع الإسلامي إلى أهمية إرساء فلسفة النزاهة والمساءلة لدى الأفراد والمسؤولين في المجتمعات عندما عالج الخلل الذي وقع به أحد المكلفين بمهمة تتعلق بالصالح العام حيث خص نفسه بمكاسب تحصلت له بسبب عمله فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذلك كما جاء في الحديث: "اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: «فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» ثَلاَثًا" (صحيح البخاري، كتاب الهبة، باب مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الهَدِيَّةَ لِعِلَّةٍ، 3/159، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب تَحْرِيمِ هَدَايَا الْعُمَّالِ، 3/1463).

ومما يؤكد فلسفة التشريع الإسلامي في محاربة الفساد والعمل على أهمية اتخاذ التدابير والتشريعات الخاصة بمنعه ما جاء عن عَائِشَةَ أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عنها: "أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"(صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، 4/175، صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ، 3/1315).