وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

القواعد المعتبرة في تحقق المصلحة من تطبيق إجراءات السلامة العامة حال أزمة كورونا من المنظور الشرعي

نشر بتاريخ: 24/08/2021 ( آخر تحديث: 24/08/2021 الساعة: 19:58 )
القواعد المعتبرة في تحقق المصلحة من تطبيق إجراءات السلامة العامة حال أزمة كورونا من المنظور الشرعي

د. سهيل الاحمد

وتتمثل هذه القواعد بأمور، أولها: مراعاة مبدأ العدالة والمساواة حال القيام بهذه الإجراءات؛ فلا يميز في ذلك بين أي من مجالات الدولة المتعددة، فالناس جميعًا حسب الشريعة الإسلامية سواءٌ في الحقوق والواجبات أو في تطبيق الإجراءات الخاصة بمنع انتشار كورونا، فحتى تتحقق المصلحة من ذلك يجب ألا يستثنى من ذلك فرد ولا جماعة، ولا تجمع أو مدينة لأن ذلك يدعم الإجراء ويعمل على فعاليته وتحقيق آثاره، فعن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله (، ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِبّ رسول الله (، فكلَّم رسول الله ( فقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها» (صحيح البخاري، برقم 6788). وأما القاعدة الثانية: فهي مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية عند القيام بهذه الإجراءات؛ إن القيام بإجراءات السلامة العامة وفق القواعد العلمية والأخلاقية من الأمور المهمة في إرساء مبدأ تطبيق مقاصد الشريعة الإسلامية والعمل على رعايتها، ولذلك جاءت هذه الإجراءات وفق تشريعات تهدف إلى تمكين الإنسان من أداء التكاليف الشرعية والدنيوية المطلوبة منه، بحيث تجعله قادرًا على حمل الأمانة وعمارة الأرض، لقوله تعالى: ﴿هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها﴾(سورة هود، آية 61) وذلك لاعتبار أن الاستخلاف هو مصدر الالتزامات التي يتم تكليف الإنسان بها بما يكفل التعاون الإنساني في نواحي البر المتعددة لقوله صلى الله عليه وسلم: "الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (صحيح مسلم، برقم 2699). وهذا لإظهار أهمية هذه الإجراءات ومدى مراعاتها للمصلحة الشرعية المطلوبة وتحقيق التكافل بين الناس. وفقهاء الشريعة، وإن اختلفوا في تحديد المصلحة أو المنفعة وبَعْضِ عِلَلِ الأحكام في عدد من الموارد؛ فإنَّهم متفقون بشكل عام على أن المقصود من فرض أي إجراءات اجتهادية بهدف حفظ مقاصد الشريعة الإسلامية هو إصلاح حال البشر، وحمايتهم من المفاسد، واستنقاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، وكفهم عن المعاصي، وبعثهم على الطاعة (خلاف، مصادر التشريع الإسلامي، ص116). والقاعدة الثالثة: تتمثل بمراعاة فقه الموازنات المعروف في الشريعة الإسلامية عند القيام بهذه الإجراءات؛ وذلك كما في قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح الثابتة في قول رسول صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم"( صحيح مسلم، برقم 130 - (2357)). ومن الموازنات المطلوب مراعاتها عند تطبيق الإجراءات الخاصة بالسلامة العامة مسألة العمل والإنتاج وتحصيل الحقوق واستمرار ما يلبي مصالح الناس وضروراتهم وحاجاتهم بما يمكنهم من الاستمرار والصمود في مواجهة الجائحة وفق قاعدة الموازنة بين المصالح، التي تؤكد أنه إذا تعددت المصالح وتعارضت فإنه يعمد إلى الترجيح بينها، وكذلك تغليب الأولى والأهم منها على ما دونها على اعتبار أن تقديم المصالح الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن(العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 1/8)، وذلك أن الله سبحانه وتعالى إنما كلَّف الخلق متعبداته وألزمهم مفترضاته، وبعث إليهم رُسله، وشرَّع لهم دينه، لغير حاجة دعته إلى تكليفهم، ولا ضرورة قادته إلى تعبُّدهم، وإنما قصد نفعهم، تفضُّلًا منه عليهم، كما تفضَّل بما لا يُحْصى عدّاً من نعمه، بل النعمة فيما تعبَّدهم به أعظم، لأن نفع ما سوى المتعبدات مختص بالدنيا العاجلة، ونفع المتعبدات يشتمل على نفع الدنيا والآخرة... فكانت نعمته في ما حظره علينا، كنعمته في ما أباحه لنا، وتفضله في ما كفنا عنه، كتفضله في ما أمرنا به" (الماوردي، الأحكام السلطانية، ص221)، وإن القيام الدولة بهذه الإجراءات الخاصة بالسلامة العامة يعد من باب الأحكام الاستثنائية التي اتخذت لعذر يقتضي هذا الإجراء، ولاعتبارها كذلك من تطبيقات قاعدة الحاجات تنزل منزلة الضرورات في إباحة المحظورات، وأن زوال الحاجة إلى تلك الإجراءات يوجب على الجهات المختصة وقفها لأن ما جاز بعذر بطل بزواله، حسب قاعدة ما جاز بعذر بطل بزواله المعروفة في الفقه الإسلامي. (الزحيلي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، 1/395).