|
تحقيق يكشف: الجرائم في أراضي 48 تنفذ بأسلحة عسكرية إسرائيلية
نشر بتاريخ: 01/09/2021 ( آخر تحديث: 01/09/2021 الساعة: 16:38 )
بيت لحم-معا- تحقيق نجمة حجازي- "منح السلاح لعناصر بعينها أو لأبناء طائفة ما قد يعود علينا بالفائدة. سوف يؤدي الى التوتر المنشود بين الفئات المختلفة في المجتمع العربي، ويتيح لنا التحكم بهم والسيطرة عليهم". (كتاب "عرب جيدون" - هيلل كوهين).
"أنا لو بدي أقتله بقتله، ولكن كان هدفي أشله كي يتعذب ويتذكر طوال حياته". بهذه الكلمات رد "م. ب" من إحدى قرى الشاغور بأراضي فلسطين المحتلة عام 1948، عند سؤاله عن سبب إطلاقه النار على قريبه وحرمانه من المشي طوال عمره. يقول: "الشرطة (يقصد الإسرائيلية) لا تساعدنا، نحن نأخذ حقنا بأيدينا، هددته مرارا ولم يصل لي. نحن لا نتوجه إلى الشرطة لحل مشاكلنا، اليوم الخاوة اللي هي اللي بتمشي، وأنا لن أرحم أحداً لأني لم أجد من يرحمني". حالة إطلاق النار التي قام بها "م. ب" بحق قريبه، واحدة من آلاف الحالات التي سجلت خلال عام واحد في مناطق مختلفة، بسبب انتشار السلاح في الداخل الفلسطيني، بحسب بيانات صادرة عن الشرطة الإسرائيلية. وثقت معدة التحقيق حالات قتل وشروع في القتل، استخدم فيها الجناة أسلحة باعها جنود أو ضباط إسرائيليون. نوعية الأسلحة المستخدمة لا يمكن أن تكون إلا مع أفراد من الجيش الإسرائيلي، وهي أسلحة مرقمة وغير متاحة للبيع، في ظل غياب رقابة الأجهزة العسكرية الإسرائيلية، ما يزيد من حالات القتل بين فلسطينيي الداخل.
مصدر الأسلحة تتنوع مصادر الأسلحة التي يستخدمها الفلسطينيون في حوادث إطلاق النار. منها ما هو مهرب من دول الجوار، أو ما يتم شراؤه من مجندين إسرائيليين، وبعضها يتم تصنيعها محليا، بحسب تقرير مراقب الدولة (معني بمراقبة السلطة التنفيذية، والسلطات المحلية والهيئات العامة الأخرى المقررة حسب القانون في إسرائيل).
يؤكد "م. ب" أنه اشترى سلاحا من شخص يدعى "ك. س"، وهو جندي إسرائيلي. تشير وثائق قضائية إلى أن جنديا خضع لمحاكمة بتهمة بيع سلاح ضابط آخر -يرمز له في لائحة الاتهام "أ. ش"- كان قد سرقه من المعسكر، من طراز M 16، وهو نفس نوعية السلاح الذي استخدمه "م. ب" في حادثة إطلاق النار.
تقرير آخر نشره "مراقب الدولة" في العام 2019 جاء فيه أن: "معسكرات الجيش مستمرة في الفشل بجمع المعلومات الاستخباراتية حول سرقة الوسائل القتالية، ولم تتوصل الشرطة الى المعلومات الكافية حول ذلك". و في العام 2015، صرح وزير "الأمن" الاسرائيلي السابق جلعاد أردان، أن 90 في المئة من السلاح غير المرخص، المنتشر في شمال البلاد والداخل الفلسطيني تحديدا، مصدره الجيش الإسرائيلي.
ويشير تقرير لمنظمة "مسدس على طاولة المطبخ" إلى أن السلاح غير القانوني يأتي من مصادر عدة، بينها مخازن السّلاح العسكريّة والجنود خارج قواعدهم، ومخازن أسلحة الشرطة بما فيها سلاح "حرس الحدود".
رئيس القائمة المشتركة في البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" أيمن عودة اتهم الجيش الإسرائيلي بأنه يعلم بوجود 400 ألف قطعة سلاح في الداخل الفلسطيني 48 مصدرها الجيش نفسه، وأنه قدم طلبات لوزير الأمن الاسرائيلي ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش بمنع ذلك، وقال إنه سيرفع دعاوى في المحاكم.
تقرير صدر عن وزارة الأمن الإسرائيلية في مطلع أيار/ مايو 2020 فسر ظاهرة تسريب السلاح، بأن 86 في المئة من ملفات التحقيق في قضايا سرقة الأسلحة تم إغلاقها من قبل السلطات الإسرائيلية، لعدم معرفة هوية المتهمين بالسرقة. التقرير غطى الفترة بين 2018 – 2024، أشار إلى تقديم لائحتي اتهام فقط من مجموع الملفات.
ومن ضمن البحث في القضية، تحدثت معدة التحقيق مع مدانين اثنين في السجن، أكدا لها شراء مسدس تنفيذ الجريمة من شرطي! وأعلن الجيش الاسرائيلي في مطلع 2021 عن سرقة 93 ألف رصاصة تستخدم في أسلحة M4 وM16 من معسكر للجيش في الجنوب. وأن التحقيقات الأولية لا تستبعد أن يكون جنود من داخل المعسكر قد تعاونوا مع السارقين.
الجريمة في ازدياد تشير بيانات المحاكم الإسرائيلية، إلى أن عمليات القتل الأكثر شيوعاً، تتم بإطلاق النار. وبلغت نسبتها 74 في المئة من مُجمل الجرائم المرتكبة بين 2011 و2019. ارتفعت نسبة القتلى في جرائم إطلاق النار من 43 إلى 63 في المئة خلال الأعوام 2012 – 2019. وقتل 1542 فلسطينيا منذ عام 2000 حتى 2020. أي بنسبة 80 في المئة من إجمالي حالات القتل المسجلة خلال تلك الفترة، بحسب مركز "أمان".
تكشف بيانات المحاكم الإسرائيلية خلال الفترة 2003 - 2020 أن فلسطينيين من أراضي 48 اشتروا أسلحة من الجيش، واستخدمت في التجارة أو ارتكاب جرائم، وأن جميع قضايا الفلسطينيين التي تم رصدها كان مصدر سلاحها هو الجيش الإسرائيلي. عشرات حالات القتل مثبتة بواسطة سلاح M16. أحدها سجل في كانون الثاني/ يناير 2021. أُطلق الرصاص صوب سيارة في بلدة كفر قرع، أدى إلى مقتل سليمان مصاروة، وإصابة ساهر حوشية من مدينة جنين بجراح خطيرة أدت إلى وفاته لاحقا.
نظم الفلسطينيون مظاهرات بمشاركة الآلاف في مختلف البلدات بأراضي 48 ضد الجريمة وتواطؤ الشرطة الإسرائيلية وتقاعسها عن مصادرة السلاح.
السلاح متاح من دون رقيب أو حسيب، وفق تقرير للقناة 12 الإسرائيلية حول معسكر للمدفعية بلا حراسة، والاسلحة الثقيلة فيه متاحة لكل من يجدها. مصدر آخر لانتشار السلاح في الداخل الفلسطيني، هو التسريب، وسط اقتراحات لتنفيذ خطط حكومية لا تدخل حيز التنفيذ، كان آخرها خطة لاقت انتقادات وسط فلسطينيي الداخل، كونها لا تستجيب لاحتياجاتهم ولا لأي خطط مسبقة قاموا بتقديمها عبر لجان وأبحاث. واشارت فقط إلى الميزانية والوزارات التي ستنفذها، ولم تتطرق أبدا إلى الأسلحة.
تجاهل السلطات الإسرائيلية رفضُ السلطات الإٍسرائيلية الإفصاح عن أي معلومات بخصوص السلاح والجريمة في الداخل الفلسطيني، دفعنا للتوجه إلى النائبين العربيين في الكنيست أيمن عودة وسندس صالح، لمساءلة وزير الأمن الإسرائيلي خلال جلسات الاستجواب البرلمانية. جاء رد الوزير الإسرائيلي بأن حالات الإبلاغ عن إطلاق النار خلال 2019، وصلت إلى 9400 بلاغ. وقتل في العام نفسه 95 فلسطينيا، وتم تقديم لوائح اتهام في 36 حالة منها فقط. أشار الوزير إلى أن حملة مصادرة الأسلحة لم تسفر إلا عن جمع 285 قطعة في 2019. لم تُستكمل الحملة في 2020 بسبب جائحة كورونا، لكن ميزانيتها مرصودة، وفق قوله في جلسة عقدت بداية تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. لماذا السلاح المهرب؟ لا يستطيع فلسطينيو الداخل امتلاك أسلحة مرخصة، لتعقيدات القوانين الناظمة لعملية بيع وشراء السلاح المرخص. في العام 2015 نشر وزير الشرطة الإسرائيلي وثيقة للمعايير المطلوبة لحصول أي مواطن على رخصة حيازة سلاح. من أبرز الشروط، السكن في بلدة مستحِقة (مستوطنة أو إحدى البلدات الحدودية)، وهو شرط لا ينطبق على فلسطيني الداخل. والخدمة في الجيش الإسرائيلي وهو من أهم الشروط. وحددت المعايير استخدامات السلاح المرخص بالصيد، وممارسة الرياضة أو التدريب على إطلاق النار. وبحسب احصائيات السلاح ارتفعت أعداد تراخيص السلاح التي منحت خلال الفترة 2016 – 2018 في أوساط المستوطنين، لأن فلسطينيي الداخل لا يستوفون الشروط، وبالتالي يلجأون إلى شراء أسلحة مهربة او مسروقة. وصرح وزير الأمن الاسرائيلي في العام 2108 أن 80 في المئة من السلاح غير المرخص في إسرائيل بحوزة عرب. وأن هذه الأسلحة استخدمت في ارتكاب ما يتعدى 70 في المئة من جرائم القتل داخليا، وأن نحو 2500 ملف يتم فتحه كل عام ضد حيازة سلاح بشكل غير قانوني. قامت معدة التحقيق بإرسال عدة طلبات للشرطة للحصول على معلومات تفصيلية عن الجرائم التي ارتكبت بواسطة أسلحة غير مرخصة، ولم نحصل على رد (حتى تاريخ نشر التحقيق). تشير تقارير رسمية إسرائيلية إلى أن معظم الأسلحة المُصادرة من قبل الشرطة الإسرائيلية تستخدم من جديد في جريمة أخرى، وهو ما يؤكد حديث "م. ب" لمعدة التحقيق.
فلسطينيو الداخل والسلاح يعتقد 73 في المئة من المستطلعة آراؤهم أن ارتفاع معدل الجريمة بين فلسطيني 48 هو تقاعس الشرطة الإسرائيلية. شارك في الاستطلاع 209 مواطنين عرب. يعتقد 15 في المئة منهم أن الجيش الإسرائيلي هو مصدر الأسلحة. فيما 76 في المئة من المستطلعين أن عقوبة حيازة السلاح غير رادعة.
وكانت لجنة منبثقة عن الكنيست الإسرائيلية قد ناقشت مسودة أولية لخطة من شأنها كبح آفة العنف في الداخل، من دون إشراك أي فلسطيني فيها. ولم يتم التعمق في مسألة انتشار الأسلحة ومصادرها.
رئيس الوزراء الإسرائيلي (السابق) بنيامين نتنياهو وعد بدخول الخطة حيز التنفيذ خلال أسبوعين. لكنها لم تنفذ. وقتل 45 فلسطينيا منذ الإعلان عنها حتى لحظة نشر التحقيق. وفي شباط/ فبراير 2021، أعلن نتنياهو مجددا عن خطة أخرى، لم تشمل أية تفاصيل أو مواعيد للتنفيذ.
أسلحة قانونية مقابل أسلحة غير قانونية
بحسب تقرير "مسدس على طاولة المطبخ" الصادر عام 2017، بلغ عدد الأسلحة المرخصة 320 ألف قطعة. وفي تصريح لوزير الأمن الإسرائيلي في 2015، أعلن أن عدد الأسلحة غير القانونية في 2014 بلغ 400 ألف قطعة. بعد مرور أكثر من خمسة أعوام، لا توجد إحصائيات محدثة. لا تصرح وزارة الأمن عن تلك المعطيات، ولا تملك أي جهة معطيات رسمية حول ذلك.
بحسب معطيات جمعية "حق الحصول على المعلومة"، بلغ عدد رخص الأسلحة الجديدة في إسرائيل في الأعوام 2016 - 2018 نحو 25 ألف رخصة جديدة، لا تشمل من انتهت صلاحية رخصته.
اعترف وزير الأمن الداخلي السابق جلعاد أردان أن 80 في المئة من الأسلحة غير المرخصة تصل بالأساس من أسلحة مرخصة. وتعلق عضو الكنيست سندس صالح بالقول: "لا أحد یعرف أین یوضع ھذا السلاح، وما إذا سیصل إلى جھات غیر مرخصة".
الحلقة الزمنية الناقصة لسنة 2014 التي لا وجود لبيانات توضح عدد الاسلحة الجديدة ولا حتى الرخص التي منحت.
وبحسب تقرير مراقب الدولة 2017 فإن حالات إطلاق النار، ارتفعت في الوسط اليهودي بنسبة 17.5 في المئة. واستخدام السلاح في العنف بنسبة ارتفعت 12 مرة في الوسط اليهودي. وكانت 95 في المئة من إجمالي قضايا إطلاق النار في إسرائيل بين فلسطيني الداخل. كما يشير "مراقب الدولة" إلى أن أكثر من 70 في المئة من إجمالي حالات الجريمة حدثت بواسطة أشخاص لا يملكون سوابق جنائية سابقة. معطى آخر للأعوام 2015 - 2017 يفيد بتسجيل ألف حالة إطلاق رصاص قدمت فيها ستُ لوائح اتهام جميعها في أم الفحم، بحسب عضو الكنيست يوسف جبارين.
ويشير مركز أمان إلى أن 80 في المئة من حالات القتل نفذت بسلاح ناري لا علاقة له بالجريمة المنظمة، ما يؤكد أن توفر السلاح هو الازمة الحقيقية لارتفاع عدد الضحايا وليست الجريمة المنظمة.
تناقضات في بيانات الجيش الإسرائيلي
بيانات متناقضة يعلن عنها الجيش الإسرائيلي حول أرقام المجندين المتهمين بسرقة أسلحة. أفاد الجيش على موقعه الإلكتروني أن 117 قطعة خفيفة سُرقت بين عامي 2011 – 2018 (لا تشمل البيانات سنة 2012 بسبب الحرب على غزة).
بينما أفادت السلطات الإسرائيلية عند تقديم طلب حق الحصول على المعلومة حول الجنود المدانين منذ عام 2008 حتى أيلول/ سبتمبر 2019 بأن عدد الجنود المدانين بالسرقة بلغ 221 جنديا. ولم يتم الرد على طلب الحصول على بيانات تفصيلية عن كل سنة.
ردُ الجيش الاسرائيلي أشار إلى تعديل قام به النائب العسكري في تشرين الأول/ أكتوبر 2018. بموجب التعديل لا تُوجه لائحة اتهام للجنود المتهمين بسرقة أسلحة، إلا بحالات معينة بعد فحص رتبته وأسباب وخلفيات السرقة.
أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف أريج وبالتعاون مع شبكة معا
|