وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لقضية الفلسطينية أم القضية الإسرائيلية؟ بقلم البروفيسور عبد الستار قاسم

نشر بتاريخ: 08/03/2006 ( آخر تحديث: 08/03/2006 الساعة: 11:59 )
معا - للقوة أحكامها، وهي لا مفر تفرض نفسها في كثير من الأحيان وكأنها الحق بعينه. هذا ما يشهده الواقع العالمي الآن فيما يخص القضية الفلسطينية من حيث أن المطالب تتوجه نحو حماس وليس نحو الكيان الصهيوني الغاصب. دول كثيرة منها العربية وغير العربية، ووسائل إعلام لا تحصى تتحدث عن مسألة اعتراف حماس بإسرائيل وتطالبها بذلك. لا يسمع المرء تصريحات حول مآسي وأحزان الشعب الفلسطيني، بينما يتم إشغاله كثيرا بموقف حماس من الاعتراف بإسرائيل وبنزع سلاح المقاومة الفلسطينية. المستمع الخارجي الذي لا يعرف معطيات الأوضاع في المنطقة لا بد أن يستنتج بأن حماس هي المعتدية وأن إسرائيل هي الدولة المسكينة الوديعة.
يحاول العالم القوي وعلى رأسه الولايات المتحدة إزالة القضية الفلسطينية من التفكير الإنساني لتتحول إلى القضية الإسرائيلية. إنه يعمل باستمرار على تصوير إسرائيل بالدولة المسالمة الناضجة التي تتفهم متطلبات السلام ومتطلبات الأمن، وتصوير الفلسطينيين بأنهم الشعب المتخلف الذي يفجر أبناؤه أنفسهم بوحشية في أوساط المتمدنين المتحضرين وذلك بدافع الحقد والكراهية وحب الظلام. إسرائيل، بالنسبة لهذا العالم، هي دولة الرب التي تعبر عن الحب الإلهي الأبدي والإبداع الإنساني الخلاق، وهي حديقة الحرية الغناء التي تقاوم الشر والعدوان.
العالم الآن لا يتحدث عن اللاجئين الفلسطينيين الذين يعدون بالملايين ويعيشون في ظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية صعبة على مدى عشرات السنين؛ ولا يتحدثون عن احتلال الضفة وغزة والذي مضى عليه حوالي أربعين عاما، ولا عن مصادرة الأراضي والاستيطان والجدار وعمليات القتل والاعتقال. التداول السياسي القائم الآن يفترض بوضوح أن الشعب الفلسطيني هو المجرم الذي يقترف كل الموبقات بحق الصهاينة المساكين المسالمين. إسرائيل، حسب افتراضهم، هي الدولة التي تبحث عن السلام وتريد التفاوض وتسوية الأمور بهدوء، أما الشعب الفلسطيني فمتطرف يبحث عن المتاعب وسفك الدماء.
هل يُعقل أن قادة عربا يستقبلون مسؤولين إسرائيليين بعد الانتخابات الفلسطينية ويرفضون استقبال قادة حماس؟ يتم الترحيب بوزيرة الخارجية الإسرائيلية وبزعامات حزبية إسرائيلية في بلدان عربية، لكن يتم رفض طلب قادة حماس بالحلول ضيوفا في أوطانهم ذلك لأن طرحهم السياسي بشأن حل القضية الفلسطينية قد خرج عن الإطار المحدد الذي تلتزم به أغلب الأنظمة العربية. هل يجرم الشعب الفلسطيني عندما يقرر تمسكه بحقوقه، ويختار القيادة التي يراها مناسبة؟ أليس من المفروض أن تكون الانتخابات الفلسطينية الأخيرة مثلا يحتذى به نحو إحداث تغيير سياسي واجتماعي في الوطن العربي؟ أليس من الأفضل للأنظمة العربية أن تأخذ العبرة مما جرى لتفسح المجال أمام الشعوب للتعبير عن نفسها بحرية؟
هذا الميل نحو تبرئة إسرائيل وإدانة الشعب الفلسطيني موجود لدى الصحافيين والإعلاميين العرب والأجانب، ويمكن لمسه من خلال الأسئلة التي يتم توجيهها والقضايا التي يتم التركيز عليها. فمثلا يركز إعلاميون كثر على ما يسمونه بالمواقف المتطرفة لحماس وما يمكن أن تتمخض عنه من أحزان وآلام للشعب الفلسطيني؛ ويسألون حول المواقف الأوروبية المتوقعة وانقطاع الأموال ووقوع الشعب الفلسطيني في شرك الجوع؛ ولا يتوانون في البحث عن إمكانية الاعتدال على الساحة الفلسطينية. الافتراضات الواردة في الأسئلة واضحة تماما وهي أن التطرف بات يأتي من جهة واحدة وهي الشعب الفلسطيني، أما إسرائيل التي تستمر في سياساتها العدوانية فلم تعد مشمولة بالتهمة. أما التمسك بالحقوق فقد أصبح تطرفا، وأن على الشعب أن يتنازل عن حقوقه من أجل أن يثبت للعالم أنه معتدل، وأنه يستحق البقاء تحت الاحتلال المالي الذي تمارسه الدول الغربية.
حاولت جاهدا أن أشرح لصحافية عربية أن الاعتدال يعني التمسك بالحقوق، وأن التنازل عن الحقوق عبارة عن تطرف يودي بالنفس الإنسانية إلى التمزق الداخلي وربما إلى الهلاك، لكنها استمرت في الجدال بأن الاعتدال هو ما يعرفه أهل الغرب. حاورتها بأن العرب يتنازلون كثيرا لأنهم ضعفاء ولا يريدون أن يكونوا أقوياء، لكنها جادلتني بأن الحكمة تقتضي الانصياع للقوة إذا أراد العرب تأمين غذائهم. إنها جدليات الانهزام والتردد والاستسلام للغير، وجدليات التقاعس والتكاسل والتواكل على ما في بطن الأرض من خيرات، وكثيرون من العرب يريدون إسقاطها على الشعب الفلسطيني. والمعنى في النهاية بأن الحق هو ما يعرّفه القوي بأنه الحق، أما محاولة الضعيف للخروج من المأزق اعتمادا على نفسه إنما ضرب من الجنون.
تحولت القضية الفلسطينية الآن إلى القضية الإسرائيلية من حيث أن البحث مستمر عن حلول لمشاكل إسرائيل الأمنية ولمقاطعة بعض العرب لها وإصرارهم على الحقوق الفلسطينية. كثيرون هم الذين باتوا يرون في الفلسطينيين عقبة كبيرة أمام السلام، وأن من بينهم متطرفين وهوجائيين يحولون دون التفكير العقلاني الذي ينتهي بالفلسطينيين إلى الهدوء والحصول على لقمة الخبز. هناك من ينفون بممارساتهم العملية حق الشعب في العودة والحرية وتقرير المصير، ويرون في فلسطين عبئا ثقيلا يجب التخلص منه. لكن هل هذا سينتهي إلى حل واستقرار؟ أرى أن مثل هذه المواقف تعقد الأمور بالمزيد وتطيل أمد التوصل إلى حل في المنطقة. أي أن الذين يريدون التخلص من القضية الفلسطينية إنما يصنعون شرا لأنفسهم بأيديهم.