وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عن أي بناء ثقة نتحدث؟

نشر بتاريخ: 29/09/2021 ( آخر تحديث: 29/09/2021 الساعة: 13:58 )
عن أي بناء ثقة نتحدث؟



بقلم: د. صبري صيدم

الموضة الجديدة في عالم الصراع العربي الإسرائيلي، تكمن في استخدام مصطلح إجراءات إعادة بناء الثقة، وهو ما أشار إليه بايدن في خطابه، وتبعه كثيرون من زعماء العالم وممثليه على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.

والمتتبع لكلمات الوفود في ما يخص القضية الفلسطينية، يجد وبدون عناء تكرار هذا المصطلح، وبصورة تتصاعد يوماً بعد يوم، في توجيه واضح من الإدارة الأمريكية، نحو حصر التقدم على الملف الفلسطيني، هذه الفترة، بخطوات لبناء الثقة المزعومة، باعتبار أن حكومة الاحتلال من حيث تركيبتها الواسعة، لن تستطيع اليوم أن تتخذ أي خطوة متقدمة بخصوص الفلسطينيين خوفاً من سقوطها. وعليه أسجل الملاحظات التالية:

1 ـ رغم محاولة الإدارة الأمريكية الجديدة إقناع القيادة الفلسطينية بأنها في حالة طلاق تام مع عهد ترامب، وأن بايدن ليس ترامب، إلا أن مجريات الأمور على الأرض تؤكد أن خطة ترامب هي الخطة الوحيدة المطبقة على الأرض.

2 ـ إن هشاشة الحكومة الإسرائيلية وإئتلافها المتناقض من حيث الشكل، ليس إلا الشماعة الأهم التي يعول عليها الإسرائيليون، ومعهم بعض أركان الإدارة الأمريكية، لتأجيل البت في تنفيذ وعود ترامب، بل إن رئيس حكومة الاحتلال بينيت ما فتئ يؤكد أنه قدم لاءات ثلاثة لبايدن، خلال وجوده في واشنطن مؤخرا، ليكون رفض افتتاح القنصلية في القدس أحد أهم اللاءات.

3 ـ ما يجري من عمليات عسكرية إسرائيلية على الأرض يؤكد، أن الحل الأمني هو النافذة الوحيدة التي تريد إسرائيل من خلالها الإطلال على الفلسطينيين، وما زيارة غانتس الأخيرة، التي تمخض عنها الإعلان عن مجمل تسهيلات وصفت بالاقتصادية الإنسانية، إنما يرى البعض أنها لم تأت إلا لتجميل واقع مرّ يحاول طلي المشهد بشيء من السكر.
لا أحد يمكن أن يرى في بينيت إلا نتنياهو ببدلة مختلفة، فهو يستخدم الأسطوانات التقليدية المشروخة للعب دور الضحية ليس إلا.

4 ـ الحل الاقتصادي للصراع ما زال الفكرة التي تسكن وجدان المتطرفين الصهاينة، وبعض أركان الإدارة الأمريكية، باعتبار أن هؤلاء لا يرون في كسرة الخبز إلا المشروع الأوحد لاسترضاء الفلسطينيين وإسكاتهم.

5 ـ احتدام التطبيع وتصاعد الحديث عن الاتفاقات الإبراهيمية المزعومة، وآخرها في ملتقى أربيل المشؤوم، إنما يشكل ملهاة جديدة للعرب، ووصفة محورية كما يراها المطبلون لهذا الفكر، لتثبيط العالم العربي، ودفع الفلسطينيين إلى القناعة بأن جبهة الرفض، انهارت وأن الحلول المعاد اجترارها إنما هي الأفضل كالدولة المؤقتة والحل الاقتصادي.

لذا فإن الحديث عن إجراءات «بناء الثقة» المزعومة ليس إلا بمثابة الفرصة لشراء الوقت، وبعثرة الجهود، وذر الرماد في العيون، لتكون بمثابة الملهاة والأكذوبة السياسية، التي تستطيع حكومة الاحتلال التغطي بها لإقناع العالم بأنها تجنح نحو السلام مع الفلسطينيين، وأنها تختلف عن نتنياهو، بينما هي حقيقة تشتري المزيد من الزمن لإتمام المشروع الصهيوني المتصاعد. ورغم سلسلة الأكاذيب التي قادها بينيت في خطابه، إلا أن أحداً لا يمكن إلا أن يرى فيه نتنياهو ببدلة مختلفة، إنما يستخدم الأسطوانات التقليدية المشروخة للعب دور الضحية ليس إلا.

وعليه فإن هذا الخطاب إنما جاء ليرد على الواهمين بأن بينيت يختلف عن نتنياهو. العقلية ذاتها والمدرسة ذاتها، إذ قدم درسا من دروس الكذب العالمية، ومارس إدمان الاستعطاف المبتذل على منصات الأمم المتحدة، وادعى أن إسرائيل منارة وسط محيط عاصف، بدون أن يقول للعالم إن السبب في ذلك هو الاحتلال وسرقة أحلام الفلسطينيين.

وتحدث بينيت عن الحضارة والإبداع والتألق، وهل كل ذلك يأتي من خلال قتل الفلسطينيين وتدمير طموحات أبنائنا؟ وقال إن إسرائيل لا تستفيق وتقرر الذهاب إلى الحرب.. ماذا يسمي اقتحام رام الله وبيتا وجنين وبيت عنان وبرقين مع إطلالة كل فجر؟ كما سعى بينيت إلى طمأنة اليمين بأن سياسة الأمن والعنف والعنصرية مستمرة.

وفي سياق حديثه عن محاربة كورونا قال بينيت، إن ما لا يعجب إسرائيل تهجره وتتخلى عنه! إذن لماذا لا يطبق ذلك في عالم السياسة ويتخلى عن احتلاله؟ ناهيكم من قوله إن التلمود، علمه أن من أحيا فردا قد أحيا الناس جميعا… ماذا عن إحياء الفلسطينيين وتركهم؟

شماعة الإسلام السياسي كانت حاضرة في الخطاب المشؤوم، حتى اصبحت كما الأسطوانة المشروخة. ليتحدث بعدها عن دول الربيع العربي، وكأن إسرائيل بريئة من حالة الانهيار التي تعيشها تلك الدول!

ولا ننسى حديثه عن السلاح النووي الإيراني، بدون أن يشير إلى أن إسرائيل أكبر قوة نووية في الشرق الأوسط، وسلاح الردع هذا تستخدمه إسرائيل في إرهابها!

ولعل أهم ما ميز خطاب بينيت هو تجاهله التام للفلسطينيين وقضيتهم، ولذا وجب السؤال من جديد: عن أي بناء ثقة نتحدث!