وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حماية الأشخاص والأعيان المدنية حال النزاعات المسلحة من منظور شرعي

نشر بتاريخ: 29/09/2021 ( آخر تحديث: 29/09/2021 الساعة: 22:09 )
حماية الأشخاص والأعيان المدنية حال النزاعات المسلحة من منظور شرعي

د. سهيل الاحمد

إن مهمة استخلاف الإنسان في الأرض وعمارتها وإسهامه في تنمية الحضارة الإنسانية، يقتضي مراعاة ذلك حتى أثناء النزاعات المسلحة، ولذلك فإذا أقدم على تدمير الممتلكات المدنية، حال النزاعات المسلحة؛ فإن الشرع الإسلامي على منع ذلك وحظره، عندما أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه قادة الجيش بقوله: "لا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تهدموا بناء، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكله، وَلا تُغْرِقُنَّ نَخْلًا وَلا تَحْرِقُنَّهَا"، يقول الأوزاعي: لا يحلَّ للمسلميــن أن يفعلوا شيئًا مما يرجع إلى التخريب في دار الحرب، لأن ذلك فساد، والله لا يحب الفساد، وتحرَّم مثل هذه الأعمال التدميرية لأنها من باب الإفساد في الأرض كما وصفها الله تعالى بقوله: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"، ولا يباح استهداف الخيل والحيوانات الأخرى في أثناء سير الأعمال القتالية إلا إذا كان جند العدو يمتطيها أثناء القتال. وهنا يتفق القانون الدولي الإنساني مع التشريع الإسلامي في توفير الحماية لغير المشاركين بالنزاعات المسلحة وضرورة عدم التعرض إليهم بالإيذاء والاعتداء بما يحافظ عليهم كرامة الإنسان ويعمل على تمتعه بالحق في الحياة والعلاج والأمن والأمان، حيث نصت اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب على مراعاة هذه المسألة المهمة في التعامل مع هؤلاء الأشخاص دون أدنى شك في تحقيق الكرامة والحقوق الإنسانية وفق المفاهيم القانونية السامية حيث نصت اتفاقية جنيف الرابعة في المــادة (1) من الباب الأول: على أنه "تتعهد الأطراف السامية بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال"، وجاء في المــادة (2) منها كذلك بأنه: "تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب. تنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة.وإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفاً في هذه الاتفاقية، فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقى مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة. كما أنها تلتزم بالاتفاقية إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقية وطبقتها". وجاء في المــادة (3) من الاتفاقية: "في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية :

الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.

ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن :

الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.

أخذ الرهائن.

الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

يجمع الجرحى والمرضى ويعتني بهم.

ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع. وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها.

وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع".

والذي ينظر في هذه النصوص القانونية يجد توافقًا بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية في هذه الموضوعات من حيث الاهتمام بالمجتمعات وتوفير الحماية لهم ومنع التعرض إليهم، مما لا يدع مجالًا للشك بأن الإنسان هو محور هذه الحياة وركن عمارتها والاستمرار فيها، وبأن أي تشريع لا يراعى فيه الإنسان ولا يكون لأجله وبه يرتقي ويتقدم؛ فإن مصيره إلى الفشل وعدم القبول.