وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الولايات المتحدة والـأونروا.. تاريخ من الحصار المالي والابتزاز السياسي

نشر بتاريخ: 04/10/2021 ( آخر تحديث: 04/10/2021 الساعة: 18:27 )
الولايات المتحدة والـأونروا.. تاريخ من الحصار المالي والابتزاز السياسي

إسماعيل أبو هشهش

في شهر آب الماضي، جرى توقيع اتفاقية سميت " اتفاقية (إطار التعاون) بين الولايات المتحدة والـأونروا"، تشترط استمرار تقديم حصتها في تمويل وكالة الغوث الدولية " الـأونروا" بالتزامها بشروط فرضتها الإدارة الأمريكية ، فبموجب هذه الاتفاقية تلتزم وكالة الغوث بتقديم قوائم بأسماء العاملين فيها إلى كل من الإدارة الامريكية وسلطات دولة إسرائيل، والسلطة الفلسطينية من أجل التدقيق في تاريخ كل مستخدم يعمل فيها، كما تلزم الـأونروا بوقف أي مساعدة عن كل من يشتبه بأنه نفذ بما وصفته (بعمل ارهابي) أو كل من تلقى تدريبا عسكريا في جيش التحرير الفلسطيني، إضافة إلى أن الاتفاقية تعطي الطرف الأمريكي حرية التدقيق في المناهج الدراسية لتنقيتها من كل ما يشتبه أنه ثقافة معادية للكيان الإسرائيلي.

الـأونروا والحالة هذه سوف تتحول الى وكيل أمني لكل من المخابرات الامريكية والإسرائيلية ويجعل منها صاحبة دور وأهداف سياسية منحازة، في تجاهل تام وواضح ومناقض للمبادئ الإنسانية الأربعة التي تحكم عملها( الإنسانية، النزاهة، الحيادية، والاستقلالية)، ويتناقض بصورة فجة مع ما أنشئت وكالة الغوث الدولي من أجله، والتفويض الممنوح لها من الجهة المنشئة ، وهي الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الاممي رقم 302 للعام 1949 ، وهو رعاية شؤون اللاجئين وتقديم الخدمات الإنسانية لهم، ريثما يتم الوصول الى حل عادل لقضيتهم تنفيذاً للقرار الاممي الذي يحمل رقم 194 للعام 1948 والذي يقضي بعودتهم الى ديارهم التي هجروا منها، وجبْر ما لحقهم من ضرر . جدير بالذكر أن إنشاء وكالة خاصة لهذه الغاية ، هو تخصيص سياسي لوضع اللاجئين الفلسطيني وتمييزا لوضعهم عن باقي فئات اللاجئين في العالم، حتى عن تلك الحالات من اللجوء التي نشأت و تنشأ عن صراعات سياسية، وذلك كون هذا التهجير القسري الذي تعرض له الفلسطينيون وحالة اللجوء قد كانت بسبب من قيام دولة إسرائيل واعتراف الأمم المتحدة بها ، وتأسيسا على قرارات أممية وهي قرار التقسيم في تشرين ثاني من عام 1947 والذي يحمل رقم 181، واعترافا بالظلم الذي لحق بهم.

يمكن القول ان هذه الاتفاقية التي تحاصر منظمة وكالة الغوث سياسيا واشتراط التمويل بالإذعان إلى إملاءات سياسية، والتي وقعها فيلب نازاريني المفوض العام للأونروا ومسؤولة في الخارجية الامريكية، انما تستهدف في جوهرها قضية اللاجئين وحقهم في العودة المقر دوليا وفق قرار أممي.

فالثابت الوحيد في سياسة الولايات المتحدة تجاه النزاع العربي الصهيوني، بل في شأن كل قضايا المنطقة هو انحيازها الصريح لدولة إسرائيل، وضمان تفوقها الأمني والاقتصادي والاجتماعي، والتعرض لكل ما من شأنه ان يقوض هذا التفوق او ما قد يهز الأسس الأخلاقية المدعاة في إقامة دولة إسرائيل، وليس شيئا آخر كالانحياز للعدالة او الشرعية او حتى لحقوق الانسان كما هو متوقع من قوة عظمى في العالم.

في هذا السياق يأتي هذا الاجراء الأمريكي الأخير في سلسلة طويلة من المحاولات من الإدارات الامريكية المتعاقبة في حصار أداء الـأونروا وحشرها في دائرة سياستها المنحازة لدولة إسرائيل، من خلال الابتزاز السياسي بالتمويل المشروط، فقد أجبر المفوض العام السابق بيير كواهينبول على الاستقالة من منصبه في تشرين الأول عام 2019، بعد تلفيق تهمة فساد وسوء استخدام السلطة له بسبب انحيازه للدور الإنساني والولاء للتفويض الأممي لوكالة الغوث واستعصائه على الضغوط الامريكية، الأمر الذي لم يرق للإدارة الامريكية.

لكن أكثر هذه الإجراءات فجاجة هي قرارات إدارة الرئيس السابق ترامب بقطع المساعدات كليا ووقف تمويل الولايات المتحدة للأونروا في اب/ أغسطس 2018 ، فبعد إجراءاتها بشأن القدس في ديسمبر 2017 وقرار نقل سفارتها والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، اتجهت إدارة بوش إلى التعرض إلى المكون الآخر للقضية الفلسطينية وهو حق العودة وحقوق اللاجئين، بتخفيض مساعداتها في مطلع العام 2018 وصولا الى وقفها نهائيا اب من العام نفسه، حيث كانت تشكل ما نسبته ثلث موازنة الـأونروا، مما تسبب في حالة إرباك وعجز في برامج خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل ذهبت إلى استصدار قرار من الكونغرس الأمريكي يعيد تعريف اللاجئ الفلسطيني ، بأنه كل من هو على قيد الحياة ممم وجدوا وعاشوا على أرض فلسطين التي قامت عليها دولة إسرائيل عام ١٩٤٧، في تناقض للتفويص الممنوح للوكالة والذي يشمل كل من تناسل منهم بصفة اللجوء ، بمعنى أنها اختزلت عدد اللاجئين المسجلين من ستة ملايين ونصف المليون إلى بضعة عشرات من الألوف.

رغم أن الولايات المتحدة تاريخيا كانت تقحم وتحاول فرض رؤيتها السياسية في جزئيات أدائية في برامج وكالة الغوث ، من قبيل مراقبة الثقافة العامة أو المرئي منها على الأقل، وما يمكن رصده من ثقافة تقدمها مدارس وكالة الغوث ومعاهدها التعليمية ، او إدخالها لمشاريع تخدم توجهاتها من نافذة حقوق الإنسان، إلا أن كل تلك التدخلات كانت تنحصر في ظرفها المؤقت ولم تصل حد المبادئ الحاكمة لأداء المنظمة الدولية والملزمة لها في الوقت ذاته.

من هنا تأتي خطورة اتفاقية إطار التعاون الموقعة، كونها إطار مبادئي يلزم المنظمة الدولية أن تخطط وتنفذ برامج خدماتها وفق المبادئ والمحددات الواردة فيها، الأمر الذي يوجب النضال من أجل إسقاطه والتحلل من الالتزام به.

بقي أن أذكر هنا أن استهداف حق العودة حقوق اللاجئين من بوابة الأونروا يأتي من كون هذه المنظمة الدولية شاهد سياسي أممي على صدقية الرواية الفلسطينية ، فالجهد الأمريكي في تبنيه للرواية الصهيونية يهدف إلى تبهيت الرواية الفلسطينية ، وتغليب الرواية الصهيونية، بشأن أحداث التاريخ السياسي التي أدت إلى قيام دولة إسرائيل وتمخضت عن حالة اللجوء الجماعي إثر أعمال التهجير القسري الذي اتسم بالعنف وارتكاب سلسلة من المجازر .

* ناشط وباحث في قضية اللاجئين وحق العودة