وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عندما نام القمر!

نشر بتاريخ: 06/10/2021 ( آخر تحديث: 06/10/2021 الساعة: 22:54 )
عندما نام القمر!

د. صبري صيدم

العنوان لقصة جميلة خيالية يقرأها الأطفال في مدارسنا، يشتكي فيها القمر من جحود الناس فيطفئ ضوءه الساحر، لتعيش البشرية في ظلام دامس، فيدفعها للنوم العميق، بينما تتغير بعض الظواهر الطبيعية المصاحبة له، وهو ما يدفع الناس للاحتجاج والتوجه إلى النجوم والكواكب لتتوسط لدى القمر، فيعاود الأخير تشغيل نوره، بعدما اعتذر منه البشر عن جحودهم.

عالم الخيال ذاك يبدو وكأنه أصبح حقيقة، إذ عاد القمر للنوم من جديد، أول من أمس، بينما قضى البشر ليلة طويلة غرقوا فيها بالنوم المبكر، من دون أن يغادرهم القلق بعدما تقطعت بهم معظم سبل التواصل الاجتماعي، مع تعطل خدمات الفيسبوك والإنستغرام والواتس آب وتعثر خدمات أخرى!

سلسلة لا تنتهي من النكات ومواقف التندر تلك التي قادها البشر مع هذا الانقطاع، ليقر معظمهم بأن الحياة قد استمرت، على الرغم من تعطل أكثر شبكات التواصل انتشاراً، بل بعضهم عبّر عن سعادته الغامرة، بأن عادت الحياة الاجتماعية إلى سابق عهدها، فاستعاد الناس تواصلهم الاجتماعي، وتخلوا عن هواتفهم واستأنفوا تواصلهم الآدمي، ليسترجعوا ماضيا هجروه وقصصا حياتية وإنسانية لم يذكروها مع أهليهم منذ سنوات. البعض انشغل بتراقص أسعار البورصة أمام هذا السقوط التقني المدوي ولمدة الساعات الست، التي سابقت فيها شركة فيسبوك المالكة للخدمات المقطوعة، عقارب الساعة لاستعادة خدماتها، ووقف تهاوي أسهمها وتراجع أرباحها وانهيار مصداقيتها.

وما دار في الخفاء من توقعات حول مسببات «منامة القمر» كان صعباً، بينما كان إخراجه بمثابة الأكذوبة الأصعب. فهل انقطع كابل بحري ناقل للخدمة؟ أم اضطربت منظومة التعريفات الرقمية؟ أم دخل طفل صيني على الخط فمارس القرصنة عن بعد، وأسقط محركات الشركات وخوادمها؟ أم تعثرت منظومة الحماية الرئيسية تقنياً؟

أياً كانت المسببات فإن مبررات الشركة في تفسير هذا السقوط الرقمي لم يكن مقبولاً ولا منطقياً، إذ لا بد أن تكشف الأيام والأسابيع المقبلة الأسباب الحقيقية للتوقف الكبير.

ولعل مصائب الفيسبوك إنما كانت بالنسبة للمنصات الأخرى بمثابة فوائد مهمة، إضافة إلى عودة البشر إلى التراسل التقليدي عبر الرسائل النصية القصيرة والبريد الإلكتروني وصولاً إلى الفاكس، بينما تعاظمت الاتصالات الهاتفية المباشرة، التي سبق أن تناقصت كثيراً في الماضي القريب بفعل تطبيقات الواتس آب والإنستغرام والماسنجر.

أما الخسائر المادية فقد كانت محل اهتمام الكثيرين، سبعة أو ثمانية مليارات دولار خسائر مادية، إنما تشكل أرقاماً مهمه بكونها تدلل على كثافة القيمة المالية لقطاع الاتصالات وخدمات التواصل... الساعة بمليار دولار.

أياً كان الحال فإن الخاسر الأكبر كانت الأجهزة الأمنية العالمية، التي توقف تدفق البيانات على أجهزتها، فاضطرت حيثما أمكن لإعادة تعريف تلك الأجهزة على بعض وسائل التواصل التقليدية، التي هجرتها منذ سنوات، وهو ما سيعني أنها أعادت التعريف من جديد بعدما استأنفت فيسبوك خدماتها، وهو ما قد يعني أنها ما زالت ومع كتابة هذه السطور غارقة في تحليل ما تأخر وصوله من بيانات.

أجمل تعليق قرأته شخصياً مع «نوم القمر» وهذا الانهيار التقني للخدمات، أو ما عرف بساعات «السواد القاتم» كان التالي :

لقد مكنتنا تكنولوجيا العصر من الحصول على سلع مجانية تمثلت في التطبيقات المختلفة والمتاحة اليوم، لنجد أنفسنا ومن حيث نعلم أو لا نعلم قد أصبحنا نحن «السلعة ذاتها».

[email protected]