نشر بتاريخ: 21/10/2021 ( آخر تحديث: 21/10/2021 الساعة: 21:32 )
زاهر أبو حمدة
كإنسان قبل أن تحمل صفة المُشاهد، تتأثّر تلقائياً بأحداث المسلسل الكوري "لعبة الحبار" (نتفليكس). فجأة، يتحوّل "الأبطال" إلى أرقام. وبعيداً عن معاناتهم قبل الدخول إلى الجزيرة المعزولة، يتحوّل الإنسان إلى وحش عندما يقع في اختبار الأنا بقوانين وضعيّة أو من دونها. تجتمع المتناقضات في غرفة واحدة بزيّ واحد للقطيع، وزيّ موحّد للحراس. هكذا يلتقي الجاهل والمتعلّم، الشمالي والجنوبي، الثري والفقير، المؤمن والكافر، الطيب والشرير، المدير والموظف،... إلخ. نحن متناقضون بالفطرة، وليس على المسلسل إلا توصيف واقع مجتمعي بألوان مختلفة وسردية برؤية المخرج توصله إلى الهدف. وهنا الهدف ليس التسلية فقط، إنما تحريك الغرائز عند اللاعبين والمشاهدين. وبالتالي تكون غزيرة البقاء هي الأساس. أما الكيفية، فتعتمد على الذكاء والقوة والمرونة والكثير من الحظ.
صحيح أنّ المسلسل يطرح شوائب الرأسمالية وطحن الفقراء في بلد يعتبر متطوراً من المنظور الاقتصادي، لكنك تكتشف طبيعة الحياة اليومية للمهمّشين من الأسفل إلى الأعلى، فيصبح الحلم هو مليون وون (نحو 840 دولاراً أميركياً) ويتحوّل في سياق الألعاب إلى تابوت يحمله أصحاب المثلّثات والمربّعات والدوائر. وبعدها يمكن أن تُباع أعضاء الجسد ويُحرق، وإذا فاز اللاعب الأول، يموت جسده وكذلك روحه. فالطموح للفوز يكون بداية الحطام وسط تغلّب النزعات الفردية والأنانية على روح المجموعة. يناقش المسلسل صُلب الجذور النفسية السلوكية عبر "تفكيك الهوية الاجتماعية"، فهويات الأشخاص وقيمهم تستند على مجموعة ينتمون إليها (مجتمع أو عائلة أو عشيرة)، ولكن عندما يشعرون بأنهم مجهولو الهوية، فإنهم يتعرّفون إلى مجتمعهم القديم أو الجديد، وتميل معايير المجموعة إلى التغلّب على القيم الشخصية للأفراد.
لعلّ أكبر مفاجآت سيناريو المسلسل، هي الرجل العجوز واللاعب رقم 1 في اللعبة (أوه إيل نام)، حيث يقف وراء كل تلك الألعاب المميتة. وهكذا ليس هو الصانع للفكرة وقوانينها، إنما مشارك رئيسي فيها بغرض المتعة والأمراض النفسية لطبقة تتسلّى بدماء الأبرياء. وعليه، إذا أسقطنا "لعبة الحبار" على واقع فلسطين، فسنجد أنّ لعبة الموت بدأت بـ"وعد بلفور" وصياغة الاستعمار الغربي لقوانين إحلال اللاعبين المهاجرين على أرض يتحوّل أصحابها إلى أرقام بصفات متعدّدة. فإذا كنت فلسطينياً فأنت رقم في كشوفات الشهداء أو الأسرى أو الجرحى أو اللاجئين. وتدور الأيام ويتغيّر الحراس بأسلحتهم، ويبقى الفلسطينيون يطمحون للخروج من السجن الكبير والصغير بمعاركهم ومقاومتهم لقوانين الاحتلال والانتقال من مراحل التطهير العرقي إلى الموت البطيء والسريع والاعتقال الدائم والجزئي. لكن، في المحصلة، ستنتهي هذه اللعبة الاحتلالية، ويخضع القائمون عليها، إن كانوا في الجزيرة غير المعزولة أو من وراء البحار. والمطلوب توحّد أصحاب الأرقام على خطة لكسر الحدود والقوانين ومقاومة السجّان، لا ليفوز أحدهم بمرحلة لينتقل إلى أخرى. فالمطلوب هو هزيمة "الرجل العجوز" ومن معه، لا المشاركة في اللعبة.