|
مِن ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة.. الى ترسيم حدودٍ رادعة لتنازلات يُراد لنا تقديمها للعدو
نشر بتاريخ: 25/10/2021 ( آخر تحديث: 25/10/2021 الساعة: 10:00 )
د. عصام نعمان
تعثّرت حكومة نجيب ميقاتي في مواجهة الأزمات والتحديات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية مذّ نالت ثقة مجلس النواب . فقدت ايضاً ثقتها بنفسها ، كما ثقة الرأي العام ، بعد مجزرة الطيونة وتداعياتها ، فإمتنع رئيسها عن دعوة مجلس الوزراء الى الإجتماع بدعوى إنتظار توافق اركان المنظومة الحاكمة على مقاربة مشتركة لمعالجة تداعيات المجزرة المشؤومة وانعكاساتها على التحقيق فيها كما على التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت. بذلك أصبحت ، في الواقع ، حكومة تصريف أعمال ليس إلاّ . هل يعقل ان يكون في مقدور حكومة هذه حالها ان تتخذ قرارات صائبة ووازنة في قضايا مصيرية او اخرى تتعلق بمصالح لبنان العليا ؟ ربما لهذا السبب ، ولغيره ايضاً ، أحجم رئيسها كما رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، عن إعطاء الوسيط الاميركي عاموس هوكستين أيّ وعدٍ في هذه الآونة بإتخاذ قرار قريب في قضية النزاع على ترسيم حدود المياه الإقليمية بين لبنان وفلسطين المحتلة. هوكستين كشف بدوره سبباً آخر لعدم جهوزية لبنان لإتخاذ قرار في هذا الشأن : وجود فجوة واسعة في المواقف بين قياداته السياسية من جهة ، ومن جهة اخرى تباين حيال طروحات الوفد العسكري اللبناني المكلف بالتفاوض غير المباشر مع العدو الصهيوني من خلال الأمم المتحدة . الحقيقة ان ثمة اسباباً عدّة تحول دون ان يكون لأركان المنظومة الحاكمة كما لقادة التكتلات السياسية موقفٌ موحّد من الأمور الآتية : (أ) حقوق لبنان في مياهه الإقليمية المحاذية لحدود فلسطين المحتلة. ففي حين يتمسك بعض اهل السلطة بالمرسوم 2011/6433 الذي حدّد للبنان حقوقه في المنطقة البحرية المتنازع عليها بمساحة لا تتجاوز 860 كيلومتراً ، تتمسك قيادة الجيش اللبناني بدراسة أعدها ضباط لبنانيون مختصون تعطي لبنان مساحة اجمالية لا تقل عن 3500 كيلومتر . (ب) تعديل المرسوم 2011/6433 بغية تصحيح حقوق لبنان في المنطقة المتنازع عليها وإبلاغه الى الامم المتحدة . ذلك ان بعض اهل السلطة يعارض إجراء التصحيح مخافةَ إغضاب الولايات المتحدة فتتخلّى عن دور الوسيط الامر الذي يُعقّد المفاوضات غير المباشرة مع العدو ، وقد يلجأ هذا الأخير بدعمٍ منها الى مباشرة التنقيب عن الغاز متجاوزاً حقوق لبنان في المنطقة المتنازع عليها . (ج) محاولة الوسيط الاميركي الجديد عاموس هوكستين تمرير مشروع اتفاق بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي يقضي بتكليف شركة أجنبية او اميركية التنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها وتوزيع الارباح الناجمة عنها على الجانبين عبر حساب مشترك وفق المساحة المخصصة لكٍّل منهما بقرارٍ من الشركة ذاتها . (د) تشكيل الوفد اللبناني في المفاوضات ، بحسب طلب اميركا ، من مسؤولين وخبراء مدنيين في حين ان اتفاقية الهدنة مع "اسرائيل" تقضي بأن يكون التفاوض بين الجانبين عبر ضباط عسكريين لكونهما ما زالا في حالة حرب. ذلك ان فريقاً من اهل السلطة والقوى السياسية يعارض صيغة الوفد المدني لئلا يُفسر الامر بأنه بداية تطبيعٍ مع العدو. حكومة متعثرة كحكومة ميقاتي حالياً تواجه كل هذه التحديات والخلافات والإختلافات ليست قادرة على إتخاذ قرارات مصيرية تتطلبها القضايا الإستراتيجية الراهنة ، واذا ما تجرأت على إتخاذها فالأرجح انها ستنطوي على تنازلات مخزية للبنان في هذه الآونة ، فلماذا الإصرار على متابعة التفاوض مع اميركا مباشرةً ومع "اسرائيل" مداورةً طالما لا مكاسب وافرة في ذلك ؟ "إسرائيل" لاحظت هشاشة وضع لبنان الداخلي فأقدمت على تكليف شركة اميركية التنقيب عن النفط والغاز في منطقة محاذية للمنطقة المتنازع عليها ، وأوحت بأنها ستتمادى في هذا المسار ما يهدد حقوق لبنان السيادية والإقتصادية في مياهه الإقليمية. تهديدات "اسرائيل" دفعت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى إطلاق تهديد مضاد يوم الجمعة الماضي بقوله : " إن قدرات المقاومة أعدّت لحماية ثروة لبنان من الأطماع الصهيونية ، واذا كان العدو يتصوّر انه يستطيع ان يتصرف كما يشاء في المنطقة المتنازع عليها قبل الحسم فهو مشتبه . ففي الوقت المناسب عندما ترى المقاومة ان نفط لبنان أصبح في دائرة الخطر فستتصرف على هذا الأساس". قادة "اسرائيل" فهموا تماماً ما يعنيه السيد نصرالله ، وانه جاد جداً في تهديده : تدمير منشآت العدو النفطية والغازية الكائنة قرب المنطقة المتنازع عليها اذا ما حاول الإعتداء على حقوق لبنان السيادية في هذه المنطقة . إذ تعزّز مركز لبنان التفاوضي بتهديد نصرالله الجاد للعدو، فقد أصبح في وسع اهل السلطة الإستقواء في وجه الوسيط الاميركي ، حامل الجنسية الاسرائيلية والمجنّد سابقاً في جيشها ، وعدم الإنزلاق الى الموافقة على ترتيبات تنتقص من حقوقه السيادية في مياهه الإقليمية. الى ذلك ، فإن لبنان لن يخسر اذا ما أرجأ الى زمن آخر مناسب عملية التنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها لأن لديه 8 قطاعات او بلوكات Blocks غيرها على امتداد ساحله زاخرة بمقادير وافرة من النفط والغاز ، وقد آن الاوان ليباشر بلا إبطاء التنقيب فيها لسد حاجاته من الغاز بغية تشغيل معامل الكهرباء المتوقفة عن العمل ما يتيح للبلاد الحصول على طاقة نظيفة بدلاً من الإعتماد على الوقود الاحفوري – المازوت مثلاً- الاغلى ثمناً والاكثر تلويثاً للطبيعة والبيئة. أجل ، آن الآوان لرسم حدودٍ رادعة لتنازلات مخزية يُراد للبنان ان يقدّمها للعدو. |