|
مؤتمر المناخ والأصنام الأربعة
نشر بتاريخ: 04/11/2021 ( آخر تحديث: 04/11/2021 الساعة: 10:12 )
حين يجلس المؤرخ، إذا جلس، لتقييم دور زعماء العالم في منع خطر داهم وكارثة محقّقة ومعروفة سلفا، فقد يسأل نفسه: ماذا فعلوا هناك في غلاسكو في أسكتلندا؟ وسيحاول أن يقرأ قمّة «كود 26» بوسم تبعاتها على أرض الواقع وبحكم مساهمتها في منع المصيبة البيئية المحدقة. أمّا الخطابات والتصريحات فسيرى أن بعضها كذب في كذب «من أساسه» وبعضها قد يكون له رصيد، لاحق بنظرنا، سابق بنظره. يقال «التاريخ لا يرحم» وعلى زعماء العالم أن يرحموا التاريخ حتى تكون فرصة للرحمة عليهم. تنبّؤات مفزعة يجمع العلماء (سوى بعض العلماء الشعبويين المرتزقة) على أن هناك ارتفاعا متواصلا بدرجة الحرارة على الأرض، وعلى أن هذا الارتفاع هو من صنع البشر وما يفعلون وما لا يفعلون، وفي الأساس على أنّه سيؤدّي حتما إلى كوارث بيئية، ستجعل الحياة على الأرض أصعب بكثير، إذا لم تتخذ تدابير طوارئ لإنقاذ البشرية، لا أقل. التنبّؤات العلمية مفزعة: فيضانات، حرائق، تدمير للبيئة الزراعية، تدهور في صحة البشر، أمراض جديدة، غرق جزر ومدن كبيرة، اختفاء أنواع كثيرة من الحيوان والنبات.. والقائمة طويلة، وأطول مما يحتمله عقل. لقد تأرجحت خطابات قادة دول العالم في مؤتمر غلاسكو، بين «الميل الطبيعي» نحو الظهور المسرحي، الموجّه إلى القاعدة الجماهيرية في دولهم، و»الميل القسري» الذي تفرضه الصور الكارثية، التي يحذر منها العلماء، والتي تستدعي من الجميع إبداء رأيهم عنها، وعن سبل منعها بمسؤولية يراقبها ويحكم عليها العالم كلّه. وإذ تستدعي مواجهة التغيير المناخي تعاونا دوليا وعلى كل المستويات، فإن الخطابات تعد بالعمل المشترك في غلاسكو، ثم يعود كل إلى بلده باحثا عن مصالحه الحصرية قصيرة المدى، مهملا المصلحة البشرية العامة طويلة الأمد. الأصنام الأربعة ليست أزمة البيئة نتاجا لنشاط بشري محدّد، بل هي محصلة حتمية لمجمل بنية وصيرورة حياة البشر في العصر الحديث، هي نتاج ما يؤمنون به وما يفعلون. وإذ يصعب التبسيط في طرح الأسباب وشرح التطورات، التي أوصلتنا إلى حافة الهاوية البيئية، فإنّه من الممكن التعميم فيها. وفي رأيي فإن أربعة صنميّات حملت وتحمل معها عوامل صناعة الكارثة:
لحماية أرباحها تقوم الشركات العملاقة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بتمويل حملات إنكار أزمة البيئة والتشكيك بها، وإذ تدفع هذه الشركات، بما هو مُعلن، حوالي مليار دولار سنويّا، إلى مؤسسات وجمعيات وطواقم تفكير وبحث، فإنّ هذه «لا تقصّر» ونجدها المسؤولة عن الغالبية الساحقة من مقالات وأبحاث ونشاطات الإنكار البيئي، ويطلع من كنفها بعض «العلماء» إلى وسائل الإعلام للحديث عن أن لا وجود لأزمة بيئية، وهم يتحدثون للجمهور الواسع مباشرة، ولا ينشرون أبحاثهم في مجلات علمية محكّمة. وفي كل المرات، التي جرى فحص هذه الأبحاث علميّا، تبيّن أنها ملفّقة وكاذبة. هؤلاء يشكّلون أقل من 3% من العلماء في العالم، لكن مجرد وجودهم وحضورهم في الإعلام الجماهيري، يسمح لمنكري الأزمة في الولايات المتحدة وغيرها بالادعاء بأن هناك «خلاف بين العلماء» بالضبط كما حدث سابقا مع شركات السجائر والتدخين، ومع منكري وباء كورونا ورافضي اللقاح. كارثة الأسباب وإذ تقع عوامل الكارثة البيئية الحالية والآتية في صلب النظام الاقتصادي والسياسي القائم، فإنّه من الصعب جدا تفكيكها كما هو لازم لحل أزمة البيئة، ونحن نجد أنفسنا هنا أمام كارثة الأسباب، التي لن تتغير جذريا إلا بانقلاب النظام الرأسمالي رأسا على عقب، وهذا ليس في الأفق. وقد يصل الأمر إلى التفكير بأن المشكلة ليست في النظام فحسب، بل في البشر أنفسهم وفي طبيعة الحضارة والنفس البشرية، وبما قد يقال عن إن الإنسان بطبيعته معادٍ للتنوّع البيئي، ومسؤول عن اختفاء أنواع كثيرة من الحيوانات، خاصة من الثدييات، وبما قد يقال أيضا عن أن الحضارة الإنسانية تطوّرت عبر التاريخ باتجاه «ضد الطبيعة». في الحقيقة تطرح الكارثة البيئية أمامنا أسئلة وجودية من الوزن الثقيل، لا يصح أن نرميها جانبا، حتى لو أردنا أن نكون عمليين ونتعامل مع الواقع الصعب ولا نهرب منه إلى الأمام. وعود لم تتحقّق في الحقيقة هناك سؤال، كيف سنصدّق الوعود المنطلقة من غلاسكو؟ وسجل الدول التي تعد لا يدل على أي نوع من الجدّية. قبل سنوات جرى الاتفاق في مؤتمر «كوب 21» في باريس على بعض الأهداف: |