وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحراك الدبلوماسي الفلسطيني ودلالات الأرشيف العثماني

نشر بتاريخ: 14/11/2021 ( آخر تحديث: 14/11/2021 الساعة: 16:26 )
الحراك الدبلوماسي الفلسطيني ودلالات الأرشيف العثماني

ليس من قبيل الصدفة أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان قد أشهر وثيقة إثبات ملكية بيته في صفد، بلدته الفلسطينية، التي هجر منها عنوة، وذلك في مستهل خطابه الأخير بالأمم المتحدة مشيرًا لامتلاك العديد من العائلات مثل هذا المستند الذي يثبت ملكية بيوتهم، هذا ما يؤكد أحقية الشعب الفلسطيني في الوجود وتجذره بالأرض.

الرئيس محمود عباس منذ أن أسقط "صفقة القرن" يسعى جاهدًا لتثبيت الرواية الفلسطينية وتكريسها بعدما حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إعادة الرواية الصهيونية الباطلة إلى الواجهة منذ أن أعلن عن صفقته بجوار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو مستهلاً إعلانه بتبني الرواية الصهيونية التوراتية القائمة على الزيف والبطلان في محاولة منه للتنكر للوجود الفلسطيني ما يثير الصراع الديني ويؤججه، الأمر الذي دفع الفلسطينيون التصدي لتلك الصفقة وشطبها.

منذ ذلك الحين والرئيس محمود عباس يخوض معركة دبلوماسية شرسة تجلت مؤخرًا في خطابه الحاسم أمام الأمم المتحدة الذي أعطى فيه العالم مهلة عام لإعادة مسار العملية السياسية وفق قرارات الشرعية الدولية ولجم السياسة الاستعمارية الإسرائيلية، ولعل جولته الأخيرة في إيطاليا كانت ترجمة فعلية وتعبير حي عن هذا الخطاب بما حمل من دلالات سياسية تتمثل في أهمية إيطاليا والدور الذي تلعبه في الاتحاد الأوروبي، وكذلك لما لها من دلالات دينية تتمثل في أهمية حاضرة الفاتكان الواقعة فيها ومكانة البابا فرنسيس الروحانية.

وبالعودة لوثيقة الملكية التي أشرنا إليها في مطلع المقال جدير بالذكر أن الدولة التركية كانت قد سلمت السلطة الفلسطينية، من خلال سفارتها في أنقرة، آلاف الوثائق من الأرشيف العثماني التي تثبت ملكية الفلسطينيين لبيوتهم ومقدساتهم الدينية، وهذا بالطبع لم يأتِ من فراغ، إنما بفعل الحراك الدبلوماسي الذي يقوده الرئيس محمود عباس، ومن هنا أيضًا جاءت دلالة إشهاره لتلك الوثيقة كمستند من المستندات القانونية التي حصل عليها لعرضها أمام المجتمع الدولي لأخذ هذا الحق بالقانون، وما أقرته الشرعية الدولية، فهو يذكرهم بحق الشعب الفلسطيني الذي استلبته دولة الكيان الصهيوني، وما زالت تمعن في سرقته وسرقة تراثه وموروثه الإنساني.

واليوم تأتي زيارة سماحة الدكتور محمود الهباش قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس للشئون الدينية والعلاقات الإسلامية للأرشيف العثماني والطابو التركي استكمالاً للحراك الدبلوماسي الفلسطيني الذي خط وجهته ورسم خارطته الرئيس محمود عباس، تأتي هذه الزيارة لتعزيز الرواية الفلسطينية وتصليبها.

يمكننا القول إن دلالات هذه الزيارة كبيرة لما تحمله من رسائل أهمهما تثبيت حق الشعب الفلسطيني القانوني على هذه الأرض في خطوة نحو تفعيل دور القانون الدولي ومقاضاة "إسرائيل" التي تمعن في سرقة الأراضي الفلسطينية والسيطرة والهيمنة على المقدسات الدينية، والإمعان في سياسة التهويد والاستيطان.

هذا ما لا يروق لحكومة الاحتلال التي ستسعى جادة لتقويض الحراك الفلسطيني من خلال المزيد من التصعيد ومحاولة وقف أي قرار دولي قد ينتج عن الحراك الدبلوماسي الفلسطيني، وبالإشارة إلى ما قامت به الدولة التركية من خلال تزويد الفلسطينيين سابقًا بالأرشيف العثماني الذي أزعج إسرائيل حيث كانت صحيفة "يسرائيل هيوم" قد سلطت في وقته الضوء على مخاوف إسرائيل من الخطوة التركية، وقالت الصحيفة إن "تركيا تساعد الفلسطينيين في إثبات أحقيتهم بأراضٍ تحتلها إسرائيل لاسيما بالقدس والضفة الغربية من خلال تزويدهم بالأرشيف العثماني".

فيما كتب الصحفي الإسرائيلي"نداف شرغاي"، في الصحيفة تقريرًا تحت عنوان: " بقيادة أردوغان.. تدخل تركيا في إسرائيل يتوسع".

وكشف "شرغاي" أن المحامين التابعين للسلطة الفلسطينية يستخدمون مواد الأرشيف العثماني؛ للطعن في امتلاك إسرائيل لأراضٍ في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في القدس والضفة الغربية.

هذا ما يؤكد قلق "إسرائيل" إزاء التحرك الفلسطيني تجاه تركيا لتثبيت الملكية الفلسطينية القانوية للأرض والمقدسات الدينية؛ مما يستوجب الاستمرار في المعركة الدبلوماسية الرسمية والعامة، وضرورة تعظيم المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية، والتوحد ورص الصفوف، والالتفاف حول القيادة الفلسطينية في مواجهة التغول الإسرائيلي الذي يستهدف الأرض والإنسان والهوية والوجود.

أخيرًا لا نبالغ إذا ما قلنا إن الحراك الفلسطيني على مستوى الدولة التركية مهم للغاية، خاصة في إطار الأرشيف العثماني والطابو التركي؛ فقد قال أجدادنا قديمًا عنها "دولة الورق" في إشارة لأهميتها في التوثيق والأرشفة، وما هذه الزيارة الرسمية الأخيرة لسماحة الشيخ محمود الهباش إلا تجسيد حي للفعل السياسي والديني والثقافي الذي يؤصل الرواية الفلسطينية في عامها الحالي كما أقره مجلس الوزراء الفلسطيني كعام للرواية الفلسطينية، الحافل بالحراك الدبلوماسي المستمر.

وحتى نسهم في تعزيز روايتنا علينا جميعًا أن نحاول الحصول على وثائق ملكية بيوتنا في بلادنا التي هجرنا منها ونشهرها في وجه العالم.