وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"انقاذ البشرية" بين الخطابات والوقائع

نشر بتاريخ: 15/11/2021 ( آخر تحديث: 15/11/2021 الساعة: 11:37 )
"انقاذ البشرية" بين الخطابات والوقائع

بقلم: غازي أبو نحل

قد تكون الملكة اليزابيت الثانية محقّة حين استبقت قمة المناخ السادسة والعشرين التي عُقدت في غلاسكو، وعبّرت عن استيائها من قادة العالم الذين «يتحدثون ولا يفعلون شيئاً». فهؤلاء لم يتنازلوا ويستقلوا طائرات تجارية، تعبيراً عن تضامنهم مع الشعوب المنكوبة بالحرائق والفيضانات والعواصف الهوجاء، بل استخدموا ما يزيد على ١٨٢ طائرة خاصة، وحملوا معهم السيارات والمروحيات والمعدات الثقيلة. الرئيس الأميركي جو بايدن وحده، سار في موكبه 85 سيارة مرافقة، مما يعني أن حفلة انبعاث الغازات السامة، كانت على أشدّها في أجواء غلاسكو. قد يبدو الأمر هامشياً، لكن رمزيته كبيرة. هذا يشبه تبرّع جيف بيزوس بملياري دولار، عطفاً على البيئة، بعدما رأى حنان الأرض في رحلته من الفضاء الخارجي، فيما «أمازون»، متهمة بأنها على رأس الشركات التي تبث السموم في الفضاء.

موقف الملكة اليزابيت كان ترافق مع مناشدة مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيغا قادة العالم القيام بخطوات اكثر للحفاظ على هدف وقف زيادة درجة حرارة الارض عند 1.5 درجة مئوية، وخفض الانبعاثات الكربونية "من باب العدالة والمسؤولية التاريخية " وتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول منخفضة الدخل لتعويض تكلفة التخلي عن الوقود الاحفوري... والاهم "معالجة الفجوة بين الطموحات والسياسات".

على وقع الانتقادات في اساليب المعالجة والوقائع الطبيعية والمناخية القاسية، قطف مؤتمر المناخ في غلاسكو اولى ثمار قمة القادة التي استمرت يومين، مع الاعلان عن تعهدات بحماية الغابات وخفض الانبعاثات ودعم التمويل الاخضر، بعدما اكدت 114 دولة التزامها وقف ازالة الغابات وانحلال التربة بحلول العام 2030، فيما تعهدت ١٠٠ حكومة على الاقل خفض انبعاثات الميثان بنسبة ٣٠ في المائة بحلول الموعد نفسه، مع تعهّد بسعي دائم لتعزيز الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص لتوسيع نطاق تطوير التقنيات النظيفة ونشرها وتسريع اعتمادها خلال الاعوام المقبلة، بما دفع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي نظمت بلاده الدورة الـ26 لمؤتمر الاطراف للمناخ في غلاسكو، للقول انه "متفائل بحذر" حول تقدم مفاوضات المناخ، مشيراً الى ان الطريق لتحقيق اهداف "كوب 26" لا تزال طويلة. وفيما لا تزال التعهدات التي أُعلن عنها في المؤتمر بعيدة عن تطلعات اتفاق باريس التي تسعى غلاسکو إلى تحقيقها، فإنها تعّد مقياساً لنجاح «قمة القادة» الذي اجتمعوا حضورياً في «المنطقة الزرقاء» في تحقيق تقدّم باتجاه حماية البيئة، وحصر احترار الأرض بـ1.5 درجات مئوية، كما أعطت دفعة قوية للمفاوضين الذين سينخرطون في محادثات معقدة خلال الأيام المقبلة، في محاولة للتوصل إلى إجماع دولي حول تخفيض الانبعاثات الكربونية، والتزام حاسم بتمويل جهود مكافحة المناخ في الدول النامية بمائة مليار سنوياً. وقال جونسون مخاطباً المفاوضين: «قد يكون قادة العالم غادروا غلاسكو، لكن أعين العالم تتجه إليكم.«

في الواقع، ان خطة خفض انبعاثات الميثان قد اعطت جرعة تفاؤل، اذ التزمت اكثر من مائة دولة، بينها بعض أكبر المسؤولين عن الانبعاثات كالبرازيل ونيجيريا وكندا، بخفض انبعاثات الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة الرئيسية المسببة للاحترار العالمي، بنسبة 30 في المائة بحلول عام ٢٠٣٠. وعدّت الرئاسة البريطانية لـ«كوب ٢٦» هذا الالتزام، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، «حدثاً تاريخياً» يشمل ما يصل إلى 40 في المائة من انبعاثات غاز الميثان العالمية. ومن منبر شاركته مع الرئيس الأميركي جو بايدن قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إن «الميثان هو أحد الغازات التي يمكننا خفضها بشكل أسرع» من غيره، لافتة إلى أنه مسؤول عن «نحو 30 في المائة» من ارتفاع درجات حرارة الأرض منذ الثورة الصناعية، فيما عدّه بايدن «أحد أقوى الغازات الدفيئة». وأضاف سيد البيت الأبيض أن الدول التي وقعت هذا الالتزام تمثّل 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وأكدت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أنه من شأن الوفاء بالتعهد العالمي لخفض الميثان أن يتراجع الاحترار بما لا يقل عن 0.2 درجة مئوية بحلول عام 2050 «مما يوفر أساساً لجهود التخفيف من آثار تغير المناخ العالمي». وتابع البيان أنه وفقاً لتقييم تحالف المناخ والهواء النظيف (CCAC) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة(UNEP) ، فإن تحقيق هدف ۲۰۳۰ من شأنه أن «يمنع أكثر من مائتي ألف حالة وفاة مبكرة، ومئات الآلاف من حالات الربو التي تستلزم عناية طارئة، وأكثر من ٢٠ مليون طن من خسائر المحاصيل سنوياً، بحلول عام 2030».

فيما قادة العالم منشغلون في البحث عن كيفية درء الاضرار الناجمة عن التغيرات المناخية وكيفية توفير الحلول الملائمة لها، نتوقف عند ثلاثة معطيات من شأن الاخذ بمضامينها احداث التحول العالمي المطلوب في هذا المجال.

اولاً: المعطى السياسي، حيث لا يشكّ أحد بأن مواجهة التغير المناخي لا يمكن ان يتم من دون تعاون أممي عالمي جاد، لأن الخطر محدق بالإنسان حيث وُجد على سطح الأرض، وهذا التعاون يتطلب سياسات مُبتكرة وتعاوناً جاداً، الأمر الذي سيفتح السياسة العالمية على نهجٍ جديد يقوم على التكامل والتكاتف بين جميع الدول، والذي سينتج عنه عقد ٌسياسي قائم على العمل من أجل التنمية المستدامة للجميع، والتي ستتطلب إقالة عثرات كثيرة من الدول، التي لا قوة لها على مثل هذه الخطط والبرامج، لتبن العلاقات السياسية بين المجتمع الدولي ككل على تفاهمات مستحدثة تتناسب مع العصر الجديد ومتطلبات المرحلة، من هنا اهمية تنفيذ ما اتفق عليه في القمة والمتعلق بتوفير المساعدات المالية للدول الفقيرة.

ثانياً: المعطى العلمي، حيث الواقع الجديد يتطلب بحوثاً ودراسات علمية غزيرة منتظمة للبحث عن موارد الطاقة النظيفة ورفد المتاح منها بما يعزز استدامتها وسهولة الوصول إليها، بالإضافة إلى كثير من الأبحاث والتجارب العلمية بغية الوصول إلى تكنولوجيا أكثر تطوراً، من شأنها المساعدة في تعزيز الواقع البيئي والطبيعي واحتواء التغير المناخي الناتج عن ارتفاع حرارة الكوكب لأكثر من درجة مئوية، والذي يتطلب ابتكارات وتطبيق البرامج الأنجع في تحقيق الرفاه للإنسان، مع الحفاظ على موارد الأرض والعمل على رفدها بأسباب بنائها واستدامتها.

ثالثاً: المعطى الاقتصادي، المتمثل في توفير موارد اقتصادية ضخمة لتمويل الابحاث والدراسات العلمية التي تسعى للابتعاد عن الطاقة الاحفورية الاكثر سهولة، والوصول الى ابتكارات واكتشافات جديدة تترافق مع تكنولوجيا اكثر تطوراً، الأمر الذي سيفتح أبواباً جديدة للاستثمار، من شأنها تغيير وجه الاقتصاد العالمي، الذي سيكون أمام متطلبات مستحدثة واستثمارات من نوع جديد، لا سيما فيما يخص الطاقة المتجددة، وسبل توظيفها التوظيف الأنسب للتخلص نهائياً من الطاقة التقليدية القاتلة، بالإضافة إلى علوم الفضاء، التي ستزدهر في رحلة البحث عن البيانات والموارد خارج الكوكب، ما سيفتح المجال لاقتصاد خلّاق لا يقف عند حدود الأرض.

في غلاسكو، دعا الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش القادة المجتمعين الى "انقاذ مستقبلنا وانقاذ البشرية، فيما رأى الرئيس الامريكي جو بايدن وسط "الكارثة المتنامية" "فرصة رائعة، ليس فقط للولايات المتحدة وانما لنا جميعًا".

العالم اليوم يقف عند نقطة تحول تخوله السير في طريق الانقاذ ولديه القدرة على الاستثمار في الطبيعة من اجل بناء مستقبل عادل. وفي الطريق الى ذلك يمكن للقطاع الخاص عموماً وشركات التأمين خصوصًا ان تلعب دورًا ايجابياً، وهو ما سيكون عليه موضوع مقالنا المقبل.