أوميكرون والفشل في مواجهة كورونا
نشر بتاريخ: 02/12/2021 ( آخر تحديث: 02/12/2021 الساعة: 10:13 )
بعد عشرات متحورات كورونا وأشهرها ألفا و بيتا و جاما و دلتا، جاء متحور أوميكرون ليثير الرعب من جديد ويهدد البشرية بالعودة إلى المربع الأول في مكافحة الوباء.
ومع اقتراب العالم من نهاية العام الثاني لجائحة كورونا (كوفيد-19)، والتي كانت حصيلتها إصابة أكثر من مائتان وستين مليون إنسان، ووفاة أكثر من خمسة ملايين . وعلى الرغم من إجراء مليارات الفحوصات، وتطعيم مئات الملايين، ما زال فيروس كورونا يعصف بالعالم، ويحور نفسه بأنواع جديدة أسرع قدرة على الانتشار، بكل ما يعنيه ذلك من آلام للبشرية، ودمار للاقتصاد، واغلاقات متجددة، ومصاريف باهظة على العلاجات واللقاحات.
وجاء متحور أوميكلرون الجديد ليجدد المخاوف، ويثبت استمرار الفشل العالمي في التصدي لجائحة كورونا.
الخطورة فيما يجري لا تكمن فقط فيما ذكر من خسائر بشرية، وموجات متكررة من الاصابات وصلت، في بعض البلدان إلى خمس موجات، بل أيضا في إمكانية ظهور متحورات، و فيروسات جديدة مشابهة في أي لحظة، تكرر مرة أخرى المعاناة، والخسائر، بل قد يفوق أذاها ما سببته كورونا مرات عدة.
أثبتت جائحة كورونا عدة حقائق، وإن كان غالبية صانعي السياسة العالمية، وأركان الإقتصاد يصرون على تجاهلها، وهي حقائق تفسر الفشل العالمي المتواصل أمام وباء الكورونا، وإمكانية تكرره في مواجهة أوبئة أخرى قد تنشأ مستقبلاً، وتكون أكثر خطورة.
الحقيقة الأولى: أن العالم لم يعد بلداناً منفصلة، وقارات متباعدة، العالم أصبح في عصرنا قرية عالمية واحدة، لا حدود مانعة بين أجزائها، ولذلك فإن كل وباء جديد، أو كل طفرة جديدة من نفس جائحة الكورونا، يمكن أن تنتشر عبر الكرة الأرضية خلال أيام. تستطيع الحدود منع المهاجرين من العبور، ولكنها لا تستطيع منع الأوبئة والفيروسات من الانتشار، لأن الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وحد الأسواق والدول والشعوب في كيان عالمي واحد.
وبالتالي فإن أكبر فشل في مواجهة جائحة الكورونا، كان إصرار الدول والشركات، خصوصا شركات اللقاحات والأدوية والصناعة الطبية، على معالجة الكورونا على أساس قومي في إطار كل بلد، مع أن الوباء كان عالمياً. ويعود ذلك إلى الأنانية القومية، والفردية، والجشع الرأسمالي الراسخ في السعي إلى تحقيق الأرباح، حتى على حساب الآلام البشرية.
وتجلى ذلك الفشل في الاختلاف الصارخ بين الدول الفقيرة والغنية في مدى توفر الفحوصات، واللقاحات ضد الفيروس. وفي حين تقوم الآن دول عديدة بتوفير اللقاح الثالث لمواطنيها، تعاني دول كثيرةخصوصا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية من عدم توفر لقاح واحد لكل فرد من مواطنيها.والمأساة في هذا الأمر تكمن في أن اللقاحات لا تكون فعالة كما يجب إلا إن توفرت لجميع سكان العالم في وقت واحد، وخلال فترة معقولة.
إستمرار وجود أعداد كبيرة من السكان دون لقاحات يعني توفير البيئة اللازمة لتحور الفيروس عبر الإصابات المتجددة، وظهوره على شكل أنواع جديدة مثل متحور أميكرون، قد لا تكون اللقاحات في المستقبل فعّالة تجاهها، مما يعني أن متلقي اللقاحات سيكونون معرضين للإصابة مجدداً بمتحورات جديدة من فيروس كورونا نفسه، إن لم يتم توفير اللقاحات للجميع.
وبالتالي،لن يوفر التمييز في توفير اللقاحات والفحوصات بين الأغنياء والفقراء في عالمنا، في النهاية، الحماية من المرض لا للفقراء ولا للأغنياء.
الاستخلاص الأساس من هذه الحقيقة، أن إدارة مكافحة وباء كالكورونا، أو أوبئة أخرى قد تظهر مستقبلاً، لنتكون فعالة، إلا إذا أجريت عملية مركزية موحدة على نطاق العالم بأسره، وهذا يعني أن إدارة مكافحة الوباء يجب أن تتم من هيئة عالمية مخولة، كمنظمة الصحة العالمية، شريطة توفير الموارد اللازمة لها، والصلاحيات الكاملة العابرة للحدود، والقادرة على تجاوز حماقات بعض الحكومات ان حاولت عرقلة تقديم الخدمة الصحية لمن يحتاجها.
وهذا يعني ان تطوير الفحوصات واللقاحات والأدوية، وإنتاجها بسرعة وبكميات كافية للعالم بأسره، لا يمكن أن يبقى بيد شركات إحتكارية هدفها الربح المادي، كما هو الحال مع شركات "فايزر"، و"مودرنا" و"استرازينيكا"، وغيرها.
ولا شك لدي أنه كان في المقدور توحيد جهود العلماء والمختبرات في العالم معاً لإنتاج لقاحات فعالة ضد وباء كورونا بسرعة أكبر، وكميات أوفر مما جرى ، إذ تواصل الشركات المصنعة إحتكار أسرار منتجاتها بهدف توفير الأرباح المالية لنفسها ولأصحابها.
الحقيقة الثانية: أن الوعي الإنساني ما زال يواجه تحديات جدية، بسبب انتشار المعتقدات الخاطئة، والاستخدام غير الآمن لوسائل الاتصال الاجتماعي، لنشر إشاعات ومعلومات مضللة وأفكار خاطئة. ذلك هو السبب في إصرار نسبة عالية من سكان بلدان عديدة على عدم تلقي اللقاحات،على الرغم من توفرها، وسهولة الحصول عليها في هذه البلدان.
وتعود أسباب هذه الظاهرة ليس فقط إلى نتشار المعلومات الخاطئة، بل أيضاً إلى انعدام ثقة شعوب كثيرة بحكوماتها، وصانعي السياسة فيها، واستمرار انتشار الأفكار العنصرية، لكنها تعود أيضاً لظاهرة تعمق الفردية، والذاتية، وما تمثله من أنانية مفرطة في عالم العولمة الرأسمالية؛الفردية التي لا تعبأ بالمصلحة العامة، والمصالح المشتركة، والقيم الانسانية الحضارية.
الحقيقة الثالثة: أن مواجهة وباء عالمي، مثل كل الكوارث العابرة للقارات، لا يمكن أن تتم من دون مستوى عالٍ من التنسيق والتعاون بين الدول والشعوب، وذلك يتطلب آليات أكثر حضارية وإنسانية في العلاقات الدولية مما يجري من مواجهات حادة بين الدول والتحالفات العسكرية التي تهدد استقرار العالم، بمعاييرها المزدوجة والعقوبات التي تفرضها على من يرفض الرضوخ لمنظومة الإستغلال العالمية.
الحقيقة الرابعة: أن تفشي الأمراض والأوبئة الجديدة له علاقة مباشرة، بتدهور المناخ العالمي، نتيجة التعديات البشرية على التوازن البيئي، والارتفاع غير المسبوق في الانبعاثات الكربونية وما يؤدي إليه من ارتفاع حرارة الجو على النطاق العالمي.
لا يمكن استيعاب حقيقة أن البشرية،بكل ما حققته من إنجازات علمية وابتكارات، واختراعات مذهلة، تقف عاجزة عن السيطرة بشكل سريع وفعال على أوبئة ككورونا، كما لا يمكن القبول بأن صحة البشر، ما زالت تعامل كسلعة للشراء والبيع وتحقيق الأرباح المادية، بدل أن تكون حقاً متيسراً للناس كالماء والهواء.