نشر بتاريخ: 07/12/2021 ( آخر تحديث: 07/12/2021 الساعة: 20:38 )
كتبت ميس فراشات
من بين البيوت القديمة في مدينةِ الخليل، ومن بين الازقة الضيقة، يتوقُ المغتربُ ان يشتم رائحة ماء الورد في حلوى "الحلقوم" فيجيءُ مُلوّعاً. رائحةٌ تفيحُ بالقُربِ من الحرم الإبراهيمي؛ تُضفي على لذةِ المنظر رائحةً ورونقاً.
وصل سامر الى فلسطين ومعه شهادة ماجستير في الادب الانجليزي من جامعة اكسفورد، و كانت أولى خطواته ان اخد تاكسي اجرة (فُرد) من جسر اريحا الى مدينة الخليل توقف الفُرد عند مجمع الخليل، ونزل سامر من التكسي واشتم رائحة جده ابو علاء عن بعد عشرات الكيلو مترات..
زقاقٌ مترامية ، وطوب قديم يجتاحُ طريق سامر الى محل جده أبو علاء، وما ان حططت خُطاه البلدة القديمة؛ بدأ يشتم رائحة الجوري المُنكَبُّ على الحيطان البنية القديمة التي يتجاوز عمرها مئات السنين وبدأ يضع يديه على ابواب المحالَّ المرصوصة بعضها جنباً الى بعض؛ وقلبه يرجف كلما اقترب، القى السلام على جارهم الحاج محمد الذي يجلس امام بسطته التي يبيع عليها الخرز والخزف، وذهب نظره الى محل الفلافل الذي اعتاد ان ياكل عنده أثناء ذهابه الى المدرسة، تابع طريقه وهو يشعر بنشوة الوطن الذي اعتقد انه انشغل عنه واذ برائحة الورد تعود مجدداً فيواصل طريقه ليصل الى محل جده.
لم يصدق جده ان سامر يقف امامه ويطلب منه علبة حلقوم
"بأديش الحلئوم يا حاااج"
-رد عليه جده بعناق ودموع " بثلاتة شيكل يا نور عيني"
تشتري علبة بثلاثةِ شواكل ، مذاقُها كأنّهُ حفلةً تعُجُّ بالأهازيج ، والرائحةُ عنبرٌ فوّاح ، وانت ذاهب الى حيث يأخذك قلبك؛ تقف عند ابتسامة عريضة وشعر ابيض كالثلج يُحاكي حبات النشا المبعثرة فوق قطع الحلقوم، انه الحاج عبد المعز سدر (أبو علاء) ثمانية وستون عاما، يصنع حلى الحلقوم في البلدة القديمة في مدينة خليل الرحمن لأكثر من خمسون عاما.
بلهفة الحب التي يراها كلما سمع ضحكات احفاده، وشعور الحقد والتحدي كلما جحر مستوطن يقف امام محله
يتذكر سامر مع جده طفولته التي كانت في هذا المحل الصغير، حيث ان محل الحلقوم تجاوز عمره المئة والتسعون عاما، مسك يد جده وهو يقول
"البلدة القديمة هاي روحنا ما منتخلى عنها"
حسرةٌ خلف هذه الكلمات تحولت الى فخر ورمز للصمود ولكن على الطريقة الحلقومية.. يرد عليه جده "ان محل الحلقوم الصغير قد ربى اجيالا سيربي اجيالا أخرى في المستقبل" ، وتابع بنوع من الافتخار وهو ينظر الى الحرم الابراهيمي "انا صاحب اجمل اطلالة محل في العالم، بركة سيدنا إبراهيم تنزل الى حبات الحلقوم ومن يتذوقها سيشعر بها.
ويوجد محل الحلقوم في البلدة القديمة في مدينة الخليل حيث توارثه الحاج أبو سدر من والده اذ تم إنشاؤه عام 1820حيث تبلغ مساحة المحلات في البلدة القديمة حوالي 2 متر مربع لكل محل وهذا بسبب الانتهاكات التي يتعرض اليها الفلسطينيون في البلدة القديمة في مدينة الخليل.
فالحلقوم كغيرها من الصناعات التقليدية التي لم تسلم من انتهاكات الاحتلال، وفي الحديث الذي دار بين سامر وجده
-الحاج أبو علاء " حرقو محلي في عام 1990 عشان اتخلى عنه لانه محلي كان مشهور وكل الناس تيجيه من كل مكان ومن كل انحاء العالم "
مثلما عانى الحرم الابراهيمي من الانتهاكات عانى الحلقوم أيضا لكن سكان البلدة القديمة ما زالوا متمسكين ببيوتهم ومحلاتهم وبالمسجد الابراهيمي خاصة اذ تصف حياتهم بنكهة نكد المستوطنين حيث يسكن في الخليل القديمة نحو 400 مستوطن بحماية 1500 جندي إسرائيلي ويمنع الفلسطينيون من البناء والترميم كما لا يسمح لهم بدخول الحرم الابراهيمي متى أرادوا..
وتعتبر حلوى الحلقوم من الحلويات الخليلية المشهورة، حيث أصبحت تشكل الإرث الذي حظي به أبناء عائلة سدر هذه الأيام ، فبعد مرور 50 عاما من العطاء توقف الحاج سدر عن العمل بسبب كبر سنه وتولى أبناؤه المهنة.
قال سامر لجده " منذ ان ولدت وانا اشم رائحة النشا الممزوجة بماء الورد كلما قبلت يداك"
وبقى الطعم الشهي لحلوى الحلقوم كما هو بنكهته المميزة منذ اكثر من190 عاما، فالحاج سدر قال عن صناعة الحلقوم "نضع السكر الناعم والنشا بالماء وتترك لمدة 7 ساعات على النار وعند نضجها نسكبها في قوالب خاصة وعندما تبرد نقطعها كما يجب"
وفي حوار سامر مع جده تحدثوا عن طريقة التصنيع قديما وحديثا فقال جده "زمان كنن اطبخها عالنار وكانت الطريقة كلها عالايد اما اليوم في غاز وفي ماكنة منخلط فيها" .
هكذا عانى الحلقوم مع الاحتلال ولاكثر من مئة وتسعون عاما بقي كما بنفس الرائحة والطعم الأصيل الممزوج بتحدي وانتصار.