وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الارتقاء النضالي الفردي في ظل موت الهم الجمعي

نشر بتاريخ: 11/12/2021 ( آخر تحديث: 11/12/2021 الساعة: 18:21 )
الارتقاء النضالي الفردي في ظل موت الهم الجمعي

صورة من النضال المصغر

لم يعُد الفداء حكراً على المؤطرين ولا على الجماعات المنظمة، سقطت جميع مسلمات الاشتباك المعروفة، وقد أصبح الفداء أشمل مع الوقت، والحالة الفلسطينية الحالية تعطي في بعض الأحيان صورة من غياب الضمير الجمعي وأسس التلاحم المجتمعي في أبهى صوره، فتاة لا تتجاوز السادسة عشر من عمرها تطعن مستوطنة في طريقها للمدرسة! أهو هروب اضطراري من واقع حياة؟ أم زواج مبكر جمع بين الوطنية والطفولة؟ أم هي أضغاث احتلال يخنق كل أشكال الحياة فينا؟.

أندر المظاهر على أطهر البقع، فتاة مدججة بالجرأة والتصالح مع الذات، تهز كيان كوكبة من الترسانات الواقفة حول مدرسة للاهوت، وسط حي يترشح بالعروبة عطراً، فاق كل روائح التناخ اليهودي الذي يحاول تغطية بصمات الحمض الفلسطيني النقي في كل تفاصيل الصورة، النتيجة أسيرة أو شهيدة مليئة بالأزهار البسيطة وجروح خطيرة وخدش دائم في حياء المجتمع النضالي المفكك، وكأن المقاومة الفلسطينية في الساحة الفلسطينية عبارة عن بالونه كبيرة مملوءة بالنضال والأمل وشعلات الثورة الزرقاء وسط حلكة الابرتايد، تلك البالونه الممتلئة تطرد زوائدها كل مرة، فيهرب حُلُمٌ وردي مفعمٌ بالحياة ليعانق الموت أملاً منتهياً أخير، الواقع الفلسطيني الذي يسجن طموحات شعبنا داخل تلك البالونه الشفافة من اللاجرأة واللاقرار ، فتجد الأرض مشتعلة في شارع قبة راحيل مع كل ذلك المسيل للدموع وكل تلك الشهقات والوجوه الزرقاء، وعلى الناحية الأخرى تعزف الأغاني الفرنسية في مقاهي شارع السهل حيث الوجوه مألوفة والأسنان ناصعة البياض، جنون التشوه في شكل الحاضر الفلسطيني .

قال المفكر الروسي تشارلز بوكوفسكي أن "الثورات الحقيقية تنبع من القرف الحقيقي حين تسوء الأمور كفاية تقتل الهررة الأسد." أي أن الثورة لا يمكن ان تتحقق الا بالإجماع أو الحشد باتجاه الهم الجمعي العام، والأهم من ذاك كله -القرار- فالتذبذب في الثورات ( وأعني هنا عدم قدرة الشعب بجميع فئاته على الإجماع على الثورة وتنظيمها ودفعها نحو البعد التنظيمي والمسيس والعسكري ان لزم )، وفي طرق التحرر يقتل شغف المقاومة ويزرع الخمول والإحباط السياسي في نفس الجمهور، وهذا التذبذب وسط مستنقع أوسلو من ناحية، وعجز التنظيمات والأحزاب السياسية على ملئ الفراغ من ناحية أخرى، وممارسات الاحتلال الترهيبية والمستمرة من تصعيد الأوضاع وتضييق الضيق، كل هذا يخلق بيئة ملغمة بالقنابل الموقوتة، التي تنفجر بشتى أشكالها وأماكنها وآمالها، قنبلة قد تكون أب لعائلة بسيطة يقود الباص يقوم بدعس مجموعة من الجنود وهو متجه الى بيته بعد يوم عمل طبيعي جدا، أو شيخ جامع متواضع وتقي ينهي خطبته في مسجد حارته، وبعدها يقوم بإطلاق 65 رصاصة من مسدس الاغتيالات المصنع من نوع بريتا والشبيه بالكارلو أمام باب حائط البراق، أو قد تكون أيضا فتاة صغيرة ذاهبة الى المدرسة قررت ببساطة أن لا تتحمل اهانات الجندية الواقفة على ناصية الطريق في هذا اليوم بالذات .

*إعلامية