وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

في ذكرى ميلاد أول ثائر فلسطيني.. المسيحيون ليسوا بطوائف في وطنهم

نشر بتاريخ: 22/12/2021 ( آخر تحديث: 22/12/2021 الساعة: 10:18 )
في ذكرى ميلاد أول ثائر فلسطيني.. المسيحيون ليسوا بطوائف في وطنهم



لقد شغلت سابقا قبل خمسة وعشرين عاما وبقرار من الرئيس المؤسس الشهيد ياسر عرفات مهمة مديرا عاما ومن ثم بعد ٣ سنوات وكيلا مساعدا لوزارة الاوقاف والشؤون الدينية في دولة فلسطين الواحدة، الأمر الذي استغربه البعض ، بالرغم من أن هذا القرار كان يعبر عن الفهم العميق والرؤية الوطنية الجامعة للشهيد المؤسس أبا عمار للقضية الفلسطينية وابعادها المختلفة ، كما هي للرئيس ابو مازن ولكل الحركة الوطنية الفلسطينية في منظمة التحرير ، بأن لا فرق بين اتباع الديانات التي لم يختارها الإنسان فينا من تلقاء نفسه ، وبأن الأبعاد الإنسانية والقومية العربية المسيحية والإسلامية تتكامل بقضية شعبنا أمام الظلم التاريخي وفكر الاستيطان الاستعماري الذي يعاني منه شعبنا ومحاولاته لالغائنا .

فما زلت اذكر عندما قرر الراحل المؤسس أبو عمار تعيني في هذا الموقع الذي آثار بشكل اولي دهشتي بالطبع ، لكن ما قاله لي بالحرف الواحد ، "يا خويا، انت ناسي انه انا سميت الوزارة دي وزارة الاوقاف والشؤون الدينية، فأنا ما سمتهاش وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، لذلك دي الوزارة لازم تتابع أمور المقدسات والشؤون الدينية لابناء فلسطين ، مسيحين او مسلمين ما فيش فرق، دي فلسطين يا خوي". تلك كانت رؤيته من مكونات شعبنا وابعاد قضيتنا أمام العالم ، بأننا شعبا واحدا .

إن وثيقة استقلال دولة فلسطين التي أعلنها الرئيس المؤسس ياسر عرفات بالجزائر والتي صاغها شاعرنا الكبير محمود درويش ، حملت معاني المساواة واحترام الاديان السماوية وحرية الفكر والاعتقاد، إلى جانب ابعدها الفكرية والاجتماعية والسياسية.
إن دستور دولة فلسطين او نظامها الأساسي أكد على احترام الرسالات السماوية المختلفة واعتبرها من مصادر التشريع في دولة فلسطين .

لقد كانت مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها وحتى ما قبل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي الوحيد ، تعكس في دورها وادائها الموزايك والتجانس الجميل والمميز بين ابناء الشعب الواحد الذين كافة تسابقوا في العمل الوطني والتضحيات على مدار عقود طويلة وحتى يومنا هذا من أجل تحقيق الحرية والاستقلال الوطني ، وكان للمسيحين العرب الدور الكبير في إشاعة الفكر القومي والتقدمي والتنوير في مشرفنا العربي كامتداد للكنعانيين الأوائل.

لقد كان الرئيس الشهيد ابا عمار اول من أطلق تسمية "الثائر الفلسطيني الأول" على السيد المسيح، وهو من كان يردد دائما، المجد لله في الاعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.
فالمسيح ثار على الظلم والاضطهاد وعلى كهنة المعابد اليهود وجشعهم ، ليحمل وينشر رسالة الحرية والمساواة والمحبة والسلام ، ليأكد لاحقا في صَلبه وقيامته على انتصار قوة الحياة على الموت وانتصار الحق على الظلم .

لقد كان الشهيد أبا عمار دائم الحضور في قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ليلة الميلاد المجيد ويحتفل مع كل اتباع الكنائس المختلفة في فلسطين ، وقد استمر الأخ الرئيس أبو مازن في هذا التقليد والحضور السنوي بمرافقة العديد من القيادات الفلسطينية في كل عام ، و بتوجيه رسالة الميلاد الى العالم من بيت لحم التي كانت دائما تحظى بالاهتمام والمتابعة من شعوب العالم المختلفة ، وأصبح هذا اليوم عطلة رسمية للكل الفلسطيني .

لقد انطلقت المسيحية من فلسطين، ومن قلب القدس وجبل الجلجلة، المكان الذي صُلب به السيد المسيح ، الى اصقاع الأرض وانتشرت من خلال الرُسل، الذين انطلقوا من كنيسة القديس يعقوب بالقدس، وهي الكنيسة التي تقع في كنيسة القيامة مكان قبر السيد المسيح الى العالم .

لقد ولد ونشاء السيد المسيح في فلسطين منذ الفي عام، ولم يكن أو المسيحين العرب الأوائل ابناء غسان وثغلب من اصول جنس أجنبي ، بل عرب أقحاح وأبناء قبائل اصيلة في بلادنا ، عاشوا قبل ظهور الإسلام وأثروا الحضارة العربية ومن ثم الاسلامية بالعديد من الانجازات والثقافات وقاتلوا ضد الافرنج وكافة حملات الاستعمار ، وعاشوا لاحقا وحتى اليوم في ظل هذه الحضارة العربية الاسلامية باخاء وتشارك ، عليهم ما على غيرهم ولهم ما لغيرهم في وطننا .

أقول باختصار لهؤلاء الجاهلين بالتاريخ والدين ولهولاء الظلاميين الذين لا يدركون معنى الميلاد والذين لا تحركهم ثقافة الوحدة والوطن الواحد ،
ان عيد الميلاد المجيد هو ذكرى مولد هذا الرسول الفلسطيني الثائر ، وهو ليس حكراً على المسيحين، بل هو كما باقي الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية التي يمتلكها ويفخر بها الكل الفلسطيني أعياد الكل الانساني والوطني ، هكذا كنا في فلسطين وهكذا سنبقى رغم أنف الجهلة والجاهلين ، فلسطين لا تقبل الطوائف والطائفيين ، والمسيحين كما المسلمين ليسوا بطوائف في وطنهم ، هم مجتمعين أصحاب وطن واحد ومنتمين لهذه الأرض التي ليس لنا وطنناً وارضاً سواها.
وقد قال اللّه في مُحكم تنزيله،
"إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" ، صدق الله العظيم. سورة آل عمران﴿٤٥﴾
فكل عام وجميع ابناء شعبنا الفلسطيني وكل شعوب الأرض بالف خير ، بأمل ان تحمل الايام القادمة بشائر الحرية والصحة والسلامة والتقدم لكم جميعا.