وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

قراءة في نتائج الانتخابات المحلية

نشر بتاريخ: 22/12/2021 ( آخر تحديث: 22/12/2021 الساعة: 15:04 )
قراءة في نتائج الانتخابات المحلية

د. صقر سليمان

الانتخابات هي سلوك حضاري تمارسه الشعوب لإختيار ممثليها في الهيئات التشريعية أو المؤسسات المحلية أو منظمات المجتمع المدني أو الجمعيات الخيرية. لا تعتبر الانتخابات وسيلة لتداول السلطة فقط بل هي أيضا أحدى أدوات الحكم الرشيد فهناك ارتباط وثيق بين النهج الديمقراطي الذي يوسع خيارات الناس ويمنحهم فرصة اختيار حكوماتهم المحلية والوطنية وبين رسوخ الحكم الرشيد في البلدان. فلسطين من البلدان التي شهدت تعثر المسار الديمقراطي نتيجة لظروف وأسباب لا مجال لتناولها في هذا المقال ومع ذلك فقد كانت الانتخابات المحلية التي جرت في الضفة الغربية بتاريخ 11/12/2021 بداية لفصل جديد يمكن ان يتم البناء عليه لاستكمال العملية الديمقراطية التي طال انتظارها. يمثل هذا المقال محاولة من الكاتب لتقديم قراءة مختصرة لنتائج الانتخابات المحلية وما رافقها من ظواهر وسلوكيات. يمكن تلخيص هذه القراءة في الاستناتجات التالية:

أولا: بلغت نسبة الاقتراع النهائية في المرحلة الأولى 66.1% من أصحاب حق الاقتراع وهي نسبة جيدة وعالية نسبيا أخذين بعين الاعتبار أنه كان هناك مقاطعة من تنظيمات وازنة في الساحة الفلسطينية. إن هذه النسبة تعكس رغبة قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني في ممارسة حقهم الانتخابي واختيار ممثليهم في الهيئات المحلية خاصة وأن هناك عشرات الآلاف من الشباب الفلسطيني الذين كانت مشاركتهم في هذه الانتخابات هي الأولى منذ ما يقرب من 15 عاما نتيجة عدم اجراء الانتخابات في كثير من المدن والبلدات منذ عام 2006.

ثانيا: تشير نتائج الانتخابات المحلية إلى ان أكثر من نصف المجالس المحلية (162 هيئة محلية) قد تم حسم أمرها من خلال الفوز بالتزكية وهذ مؤشر على أن التوافق والشراكة بين الناس يبقى خيارا مقبولا لنسبة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية والتنظيمية. بالرغم من بعض المأخذ على الخيار التوافقي من حيث أنه يسلب الناس فرصتهم في الممارسة الديمقراطية باعتبار ان صندوق الاقتراع هو احد تجلياتها الا أنه لا يخلو من بعض الايجابيات. لعل من أكثر ايجابيات الخيار التوافقي هو أنه يأتي نتيجية لمشاركة مجتمعية ولنقاشات معمقة ومتعددة تساهم في الوصول إلى خيارات مقبولة على الجميع بعيدا عن الاقصاء وثنائية الفوز او الخسارة، كما أنه يبقى الخيار الأفضل للحفاظ على النسيج الاجتماعي في مجتمعات تعاني من زيادة تجذر العشائرية وضعف الوعي الديمقراطي.

ثالثا: أظهرت نتائج الانتخابات ان نسبة المقاعد التي حصلت عليها القوائم المستقلة بلغت 70.9 من العدد الكلي للمقاعد المتنافس عليها بينما حازت القوائم الحزبية على 29.1%. ارتفاع عدد مقاعد القوائم المستقلة يعود الى كون العديد من عناصر وكوادر حركة فتح قد خاضوا هذه الانتخابات من خلال قوائم مستقلة وبالتالي فإن عدد مقاعد القوائم الحزبية هو اكبر من النسبة المذكورة. ومع ذلك تشير هذه النسب إلى ان التنظيمات والأحزاب السياسية لم تلعب دورا رئيسيا في هذه الانتخابات خاصة في ظل مقاطعة حركات الاسلام السياسي لها. فعلى الرغم من أن حركة حماس دعمت بعض القوائم بشكل غير معلن الا ان التنافس التقليدي بين حركتي فتح وحماس كان غائبا. أما فيما يتعلق بحركة فتح فقد اختارت أكثر من مسار في تعاملها مع هذه الانتخابات، ففي بعض البلدات اختارت التحالف مع العائلات أو مع تنظيمات أخرى وفي اماكن اخرى نأت بنفسها ولم تتدخل انطلاقا من كون هذه الانتخابات غير سياسية ولا يوجد منافسة مع تنظيمات أخرى فسمحت لعناصرها التنافس بحرية. من الملاحظ في هذا السياق أنه في الاماكن التي كان فيها شراكة بين العائلة والتنظيم كان صوت العائلة والعشيرة هو الأعلى. النتيجة المستقاة من هذه الانتخابات هو تراجع الدور الفصائلي والحزبي في مقابل تعزز دور العائلة والقبيلة الأمر الذي سيكون له تداعياته على صعيد المجتمع المحلي ودور المجالس المحلية وأفاق عملها خاصة بأن خيارات العشيرة ترتبط غاليا برابطة الدم اكثر من كونها خيارات جامعة لها علاقة بالبرامج والحوكمة والمصلحة العامة. من الملاحظ أن معايير اختيار هذه القائمة أو تلك استندت في أغلب الأحيان على العلاقات الشخصية وتأثير العائلة والأصدقاء أكثر من كونها كانت نتاج لعملية دراسة ومفاضلة بين برامج المرشحين وكفاءاتهم ومدى قدرتهم على تقلد هذا المنصب او ذاك. أما على المستوى الوطني العام فإن هذه الانتخابات تعكس زيادة تنامي دور ونفوذ العشيرة وزيادة ولاء الناس لها على حساب التنظيمات السياسية وفي هذا إشارة إلى ضعف ثقة المواطن بالتنظيمات السياسية وبدورها.

رابعا: شهدت هذه الانتخابات مشاركة أوسع لقطاعات اجتماعية متعددة ولا سيما الشباب، المرأة، وحملة الشهادات وفي هذا اعتراف بالدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الفئات في التنمية المحلية. أما فيما يتعلق بمشاركة المرأة فيعزى الفضل في زيادة نسبة النساء الناجحات(21.8%) في عضوية الهيئات المحلية إلى الكوتا النسوية التي منحت المرأة ما يقرب من خمس عدد مقاعد المجلس المحلي. بالرغم من أن نظام الكوتا النسوية شكل عامل مهم من أجل تغلب المرأة على المعيقات الاجتماعية والبنيوية التي تحد من مشاركتها السياسية وإشراكها في العملية التنموية وصنع القرار على الصعيد المحلي الا ان بعض المسميات والمناصب بقيت حكرا على الرجل. فمثلا من الملاحظات على مشاركة المرأة في هذه الانتخابات هو تواضع عدد النساء اللواتي تنافسن من أجل الحصول على رئاسة المجالس المحلية وهذا يعكس اشكالية على صعيد المجتمع والمرأة في نفس الوقت، حيث لا زال قرار ترشح المرأة وموقعها داخل المجلس المحلي يخضع لمعايير وأبعاد عائلية من جهة ولمحدودية رؤية المرأة لدورها من الجهة الأخرى.

خامسا: نظام سانت لوغي جعل من الصعب على كثير من القوائم الانتخابية تحقيق الأغلبية المطلقة التي تؤهلها لتشكيل المجلس المحلي بدون الاضطرار إلى التحالف مع قوائم أخرى. ان فكرة التحالف بين القوائم يعبر عن حالة من التنوع والذي يعتبر صفة إيجابية ويخلق بيئة عمل داعمة نتيجة الاختلاف في الخبرات والخلفيات. من الناحبة الأخرى فإن أحد سلبيات عدم حصول أي من القوائم على الاغلبية المطلقة هو دخول القوائم المتنافسة في نفق من المفاوضات والمساومات التي لا تخلو في بعض الأحيان من الابتزاز وتغليب المصالح الفردية أوالفئوية أوالعشائرية على المصلحة العامة. ففي الوقت الذي يعزز هذا النظام فرص الأحزاب والجماعات الصغيرة في الحصول على عدد من المقاعد الا أنه يقود إلى تفتيت المقاعد الانتخابية بين مجموعة من القوائم التي قد تتعثر في الوصول إلى صيغ توافقية لتشكيل وإدارة المجلس المحلي. إن إدخال بعض التعديلات على هذا النظام قد تكون مفيدة للخروج من هذا المأزق.

سادسا وأخيرا: الديمقراطية ليست انتخابات فقط فالانتخابات ما هي الا آلية اتفق عليها السياسيون والمشرعون وأصحاب الفكر لاختيار ممثلي الشعب انطلاقا من ان الديمقراطية تعني حكم الشعب بواسطة الشعب وللشعب. في الحقيقة لا يمثل صندوق الاقتراع الا جزءا من الحياة الديمقراطية وليس كلها. ان النهج الديمقراطي يجب ان يعبرعن ذاته في الفكر والممارسة وان يكون نهجا مجتمعيا قبل أن يكون استحقاقا سياسيا. إن ايماننا قولا وفعلا بقول الامام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " هي بداية الطريق نحو التغيير وغير ذلك ما هو الا تكرار لنفس السلوك الذي يعتقد بأن النهج الديمقراطي يتجسد في صناديق الانتخابات فقط. النهج الديمقراطي الحقيقي يجب أن يحترم الرأي الأخر ويبدأ من الحملة الانتخابية التي يجب أن تتسم بالنزاهة وعدم التشهير بالخصم أو السقوط في مستنقع تشويه الحقائق وصولا إلى عدم تزوير ارادة الناخب وانتهاءا بقبول النتيجة بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة .