تلطيف العلاقات مع الإمارات
نشر بتاريخ: 26/12/2021 ( آخر تحديث: 26/12/2021 الساعة: 16:18 )
قامت الدنيا ولم تقعد عند توقيع اتفاق "أبراهام" التطبيعي بين الإمارات وإسرائيل، وتوالت ردود الفعل الفلسطينية على المستويين الرسمي والشعبي بالرفض القاطع والغضب، والتزمت الدول الشقيقة الصمت ، وفرحت إسرائيل والولايات المتحدة بهذا النصر العظيم الذي اعتبرته إسرائيل بأنه حقبة جديدة من العلاقات بينها وبين الدول العربية.
ظهر الأخ نبيل أبو ردينة على شاشة تلفزيون فلسطين بعد اجتماع طارىء عقد للقيادة الفلسطينية ليتلو بياناً يقول فيه "إن الاتفاق قد نسف المبادرة العربية للسلام، ووصفه بأنه خيانة للقدس والأقصى وقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية، وعدوان على الشعب الفلسطيني".
أما موقف حركة فتح فقد عبّر عنه الأخ عباس زكي قائلاً إن الاتفاق يعتبر "تخلياَ من الإمارات عن الواجب القومي والديني والإنساني تجاه القضية الفلسطينية"، وتلاه الكثير من ردود الفعل الرافضة على لسان متحدثين ومسؤولين من السلطة وفتح.
توترت العلاقات الفلسطينية الإماراتية بعد ذلك، وبدأ المحللون يتناولون الموضوع من زوايا متعددة، فمنهم من يتحدث عن الموضوع كمصالح مشتركة بين البلدين، ومنهم من اقتصر تحليله على الناحية الاقتصادية، ومنهم من ربطه بالقضية الفلسطينية والإجماع الذي أقر في المبادرة العربية والذي ينص على ألا يكون هناك أي تطبيع مع إسرائيل إلا عندما ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة وفق الشرعية الدولية في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
أما الإمارات فكانت حجتهم أن هذا الاتفاق خطوة لضمان حل الدولتين وأن السفارة الإماراتية لن تكون في القدس.
اعتقد الفلسطينيون الرافضون لهذا التطبيع المجاني بالنسبة لهم بأن العلاقات مع الإمارات – وتلاها البحرين والمغرب والسودان- ستنقطع لحين التراجع عن الاتفاقات المبرمة، إلا أن الجميع تفاجأ بالإعلان عبر وسائل الإعلام عن زيارة رئيس المخابرات الفلسطينية إلى الإمارات فيما بعد، ما يعني أنه كان هناك تراجعاً في حدة الموقف الفلسطيني ، وبدأ الهمز واللمز ، ولم يفهم الكثيرون ما الذي يحصل.
كتب المحامي زيد الأيوبي عن تلك الزيارة وقال إن فلسطين متمسكة بعمقها العربي ولن تخرج من الحاضنة العربية، وتحدث عن عمق العلاقات بين الشعبين الإماراتي والفلسطيني وإلى اهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بهذه الزيارة وكذلك اهتمامه المتميز والخاص بجناح دولة فلسطين في إكسبو 2021.
ومن هنا أبدأ قولي بعد هذا السرد المختصر، بأنه قد نتصرف أحياناً بردة فعل، وقد تكون ردة الفعل عنيفة بعنف الواقعة، وقد تكون أعنف من الواقعة ومبالغ فيها من وجهة نظر البعض، وهذا أمر طبيعي ومشروع، فلكل فعل / حدث، رد فعل ، ولكن عندما تهدأ الأمور، ويتعمق التفكير، ويحين موعد الورقة والقلم لحساب الموقف وتقديره، من ناحية الربح والخسارة ومن ناحية المصلحة الوطنية، فإن الأمر يختلف، وتصبح العقلانية والموضوعية مطلوبة مراعاة للمصلحة الوطنية العليا، والحوار دائماً يوضح الأمور ويضع النقاط على الحروف ويؤدي إلى تبادل وجهات النظر وتبديد المخاوف وتبرير المحظور ، بحيث يتوصل الطرفان إلى نوع من التفاهم الذي ، ليس بالضرورة أن يؤدي إلى قبول الواقعة، وإنما قد يؤدي إلى النظر إليها من زوايا مختلفة، ويصبح علينا التفكير بأن ما حصل أصبح امراً واقعاً، ولكن ماذا بعد؟
أرادت إسرائيل عزلنا عن عمقنا العربي، وقد يكون إعادة النظر في موقفنا – وهذا أمر مشروع، بل ومرغوب- في ألا نحقق لها ما تريد، وبالتالي تجنب العزلة .
نبدأ بالتفكير في كيفية استثمار الموقف لصالحنا، وما الذي يمكن أن نستفيد منه جراء توقيع هذه الاتفاقية، بعيداً عن العواطف والمسلمات في عمق العلاقة التاريخية بين الإمارات وفلسطين، وما هي المخاسر بالنسبة لنا لو قاطعنا دولة الإمارات وإن كان ذلك سيغير من الواقع.
شاهدت فعاليات اليوم الوطني لفلسطين الذي جرى ضمن إكسبو دبي، لفتني الحضور الكبير للحفل الذي ضم بالإضافة إلى الجالية الفلسطينية والعربية في الإمارات، حضور إماراتي رسمي وشعبي، وكانت كلمات الأغاني تؤكد على الحق الفلسطيني وتمثل التراث الفلسطيني بعدة وجوه، منها الأغنية الفلسطينية الشعبية والثوب الشعبي الفلسطيني الذي كان حاضراً على المسرح وضمن الحضور، كما وزعت الجالية الفلسطينية اللفحة الفلسطينية والعلم الفلسطيني على الحضور في مشهد حضاري مؤثر، ما كنت لأستغرب أو لأتوقف عند هذا المشهد الجميل، لولا التوتر الذي حصل بسبب التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولكن كان ذلك مؤشراً واضحاً على عودة العلاقات الفلسطينية الإماراتية إلى سابق عهدها قبل أي توتر كان قد حصل حتى قبل موضوع التطبيع، واحتد بعد توقيع الاتفاق، لأطمئن بأن تدارك القيادة الفلسطينية للموقف، والتصرف بحكمة وعقلانية تمثلت بزيارة اللواء أبو بشار للإمارات للاستيضاح وترميم العلاقات بما يضمن عدم المساس بأي من حقوقنا المشروعة، أسفر عن - كما أعتقد- العديد من الأمور الإيجابية، والتي كان يوم أمس إحداها.
أعتقد أن اللقاء مع الإماراتيين أسفر عن تطمينات من قبل الإمارات بأن اتفاقهم الموقع مع إسرائيل لا يعني تغيير موقفهم من القضية الفلسطينية، ولا يعني الاستخفاف والمتاجرة بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بل أن الإمارات تعتبر أن من حقها إبرام الاتفاقيات مع أي دولة بما فيها إسرائيل ، إذا كان هناك مصالح مشتركة، وواضح أن هذا هو الحال، بمعنى أنها فصلت بين الأمرين، علاقات ثنائية مع دولة الاحتلال، وعلاقتها مع فلسطين، ولكن السؤال هو، هل ستستطيع الإمارات المحافظة على التوازن بين هذه العلاقات والتعامل مع التناقضات التي قد تنتج جراء المواقف المختلفة؟
كيف يمكن لنا كفلسطينيين أن نستثمر علاقات الإمارات مع دولة الاحتلال، هل يمكن أن نحقق ما لم نستطع أن نحققه طوال سنوات سابقة من خلال الإمارات؟ هل يمكن لنا مثلا أن نطلب من الإمارات التدخل في موضوع الإفراج عن الأسرى، عالأقل من نطالب دائما بإطلاق سراحهم من مرضى وكبار سن ونساء وأطفال!! هل يمكن لنا أن نطلب من الإمارات التدخل لدى دولة الاحتلال بوقف الاستيطان وإخلاء المستوطنات في الضفة وغزة والقدس؟ هل يمكن لنا أن نطلب منها التوسط لدى الاحتلال بإيقاف ممارساته القمعية تجاه أبناء شعبنا وتجاه الممتلكات من هدم بيوت ومصادرة أراضي؟؟؟ هل يمكن لنا أن نطلب التدخل في موضوع القدس والمقدسات؟ وإذا كانت الإجابة "نعم"، السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى يمكن لإسرائيل أن تتجاوب مع تلك المطالب؟
وهناك تساؤل آخر أود طرحه، هل يمكن للإمارات والدول المطبعة أن تكون وسيطاً أو راعياً في أي مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل؟؟
أعتقد أن على القيادة الفلسطينية أن تضع خطة حول الكيفية التي يمكن لنا أن نستثمر فيها علاقات الإمارات المتميزة مع إسرائيل لصالح قضيتنا.
أود أن أؤكد – لكي لا يساء فهمي- على أن التطبيع الذي قامت به الإمارات وغيرها من الدول هو أمر خطير جداً، وأنه أخل بالأمن القومي العربي والاستراتيجية العربية للسلام ، المساندة لمبادرة السلام العربية التي لاقت تأييداً واسعاً، ولكن بما أن الأمر حصل ولا يمكن لنا ان نغيره، فعلينا استثماره لصالحنا كما سبق وذكرت.