|
مؤسساتنا…. وسيكولوجية المسؤول !!
نشر بتاريخ: 27/12/2021 ( آخر تحديث: 27/12/2021 الساعة: 08:12 )
مهند أبو شمّة
بمراجعة أدبيات إدارة الموارد البشرية وبناء المؤسسات؛ نجد أن جْل تركيزها منصب على البناء المؤسسي، وعلى تطوير إجراءات العمل، وعلى الرضا الوظيفي، بالإضافة إلى الجوانب النفسية والاجتماعية للموارد البشرية في بيئة العمل، كما نجد أن الدراسات أيضاً تحرص على تطوير القدرات، وتركز على الظواهر الايجابية وكيفية البناء عليها وتطويرها، وعلى الظواهر السلبية وكيفية معالجتها والتخلص منها، مع التأكيد على أن أهمية الدراسة كامنة في مدى قدرة الباحث على تشخيص المشكلة وأسبابها، وطرح النموذج الأمثل لمعالجة أسبابها المتجذرة والمتخفية، ورغم أن المتسببين في هذه المشكلة قد يكونون أقلية في المؤسسة إلا أنهم مؤثرون ذوو نفوذ، ومن المفيد تسليط الضوء على ممارساتهم والتدقيق فيها، فدراسة الجوانب السيكولوجية للمسئولين، أو المرشحين لتولي المناصب الهامة؛ غدت من المرتكزات الأساسية في عالم الموارد البشرية، وأصبحت دراسة سيكولوجية الموارد البشرية جزءا أصيلا من مهام إدارة الموارد البشرية، ويتم ممارسة ذلك على أرض الواقع عند تشكيل فرق الاستقطاب للموارد البشرية، وقد بات المتخصصون في علم النفس أعضاء رئيسيين في هذه الفرق، ومهمتهم التركيز على الجوانب السيكولوجية في شخصية المرشحين للمواقع المتقدمة في المؤسسات، ويشمل ذلك إخضاع المرشحين لاختبارات متعددة لها علاقة بالسلوك النفسي والاجتماعي وردود أفعالهم نتيجة للمواقف، ومقدرتهم على حل المشكلات، وإدارة المؤسسة في حالات الطوارئ، وكيفية اتخاذ القرار، ودرجة ثبات التفكير والسلوك، ومدى التأثر بالبيئة المحيطة والاحاطة بكيفية التعامل معها، إضافة إلى جوانب خاصة بالتشبث بالمنصب، وماهيّة الثمن الذي قد يدفعه مقابل بقائه في منصبه أو تحت الأضواء . هنا؛ تستوقفنا عديد السلوكيات والقرارات للمسؤولين؛ والتي تتطلب التدقيق والتحليل، فمنها الحكيم والوازن المقترن اتخاذه بطريقة رشيقة، ومنها غير المبرر وغير المقنع، ونتساءل بغرابة: لماذا تم ذلك؟ وهل هو التوقيت المناسب لذلك؟ وهل؟ وهل؟....فالصدق والجد والانتماء والنزاهة في العمل؛ صفات يجب أن يتمتع فيها كل من أُوكلت له مهام وظيفية تتطلب تأديته لها بأمانة ونزاهة، وهي صفات سائدة في سلوك غالبية الموارد البشرية، وتجد أصحاب هذه الصفات متمكنين وملمين، ومتخصصين في عملهم؛ يعملون بجدٍ واجتهاد من مبدأ الانتماء المؤسسي، وأنهم يتقاضون أجرهم مقابل عملهم، وتجد الاتزان والحكمة والرشاد في سلوكهم، ويعملون لخدمة المؤسسة وتطويرها والنهوض بها والاستثمار الأمثل في مقدراتها البشرية والمادية ولولا وجودهم في مؤسساتهم لكان مصير المؤسسة الانهيار. في المقابل، تجد في المؤسسة مظاهر سلبية تمارسها قلة، ومنهم من يعمل على توظيف كل مقدرات المؤسسة المادية والقانونية والبشرية لخدمة مصالح معينة، وعادة ما يتم تغليف أعمالهم بأنها لخدمة المؤسسة أو لمتلقي الخدمات . وإذا ما تعمقنا في التدقيق والتركيز والتحليل في جوهرها( كيف؟ ولماذا؟ ولمن؟ ومتى؟ وإلى متى؟)؛ نقف على حقائق صادمة؛ لتدرك حينها أن القائمين على ذلك يعملون ويوظفون طاقاتهم كلها لإقرار أنظمة وتعليمات لخدمة مصالح أفراد أو مجموعات بعينهم، وهذا ما يعرف بمصطلح (قوننة الفساد)؛ ما يعني القيام بسنّ تشريعات وأنظمة وتعليمات "تشرعن" وتسمح بممارسة الفساد تحت مظلة أنظمة وقوانين؛ جوهرها خدمة لمصالح أفراد أو جماعات بعينها دون غيرها، وهنا تكمن ضرورة إجراء اختبارات سيكولوجية للمؤثرين في صناعة القرار واتخاذه في المؤسسة، فالدماغ بمكوناته هو الجهاز العصبي المتحكم في سلوكيات البشر وتوجيهها، ومن الضروري ربط اتجاهات وسلوك المؤثرين في رسم السياسات واتخاذ القرارات بحالة دماغهم ووظائفه والتي أخطرها الانفصامية. وللحفاظ على كينونة مؤسساتنا، فإن المطلوب لا يقتصر على التدقيق في الخلفيات العلمية والسيرة الذاتية للمرشحين لمناصب مرموقة وحساسة، إذ يتطلب الأمر إجراء اختبارات نفسية سيكولوجية، فأهمية التركيز على عدم وجود نقاط ضعف، والتحقق من سلامة الجهاز العصبي لديهم لا تقل أهمية من التدقيق في الخلفية التاريخية والعلمية لديهم ، فسلوك الجهاز العصبي هو الأهم في نجاح العمل أو فشله . إزاء ما سبق، وبناء عليه، وتأسيسا على فحوى ما أوردناه، فإن استحداث دور للرقابة السيكولوجية بات ضرورة وليس ترفا إداريا؛ بحيث تُعنى بتطوير أدوات متقدمة لقياس مدى الثبات السيكولوجي لدى المسئولين، ومدى تأثير ذلك على أداء صناع ومتخذي القرار، وأثر ذلك على تطبيق مبادئ الحكم الرشيد وإدارة الجودة ودرء المخاطر في المؤسسات. لقد حان الوقت لتجاوز القفز عن حقيقة أن سيكولوجية اتخاذ القرارات وما يترتب عليها إيجاباً أو سلباً ترتبط ارتباطاً عضوياً بالصحة النفسية والنضج العقلي لصنّاع القرارات ومتخذيها؛ لما لهذا الأمر من انعكاسات على طبيعة القرارات وتوقيت اتخاذها وآليات تنفيذها. |