وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الدبلوماسية الشعبية الغائب الحاضر في الدبلوماسية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 29/12/2021 ( آخر تحديث: 29/12/2021 الساعة: 15:34 )
الدبلوماسية الشعبية الغائب الحاضر في الدبلوماسية الفلسطينية

لا شك ان الدبلوماسية الشعبية اصبحت جزء لا يتجزء من دبلوماسية الدولة واداة من ادوات الترويج للمصالح والثقافات بين الشعوب ولتحسين سمعة الدولة بما يحقق القبول الجماهيري لمصالحها والأهداف التي تطمح إلى تحقيقها، علاوة على تحقيق المكاسب الإقتصادية الناتجة عن تلميع صورة الدولة وجعلها جذابة في نظر الآخرين.

تنوعت اساليب الدبلوماسية الشعبية ووظفت العادات والتقاليد والتراث والموسيقى والفن والمسرح والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي بالاضافة الى ادوات القوة الناعمة من مساعدات وتبادل تجاري . فالتطورات في حقل الإتصالات مكنت الدول من بناء العلاقات مع الشعوب التي تقع خارج أراضيها، والدبلوماسية الشعبية تخطت بمهامها و وسائلها وأساليبها الدبلوماسية التقليدية، كما أنها تجاوزت السفارات والحكومات الأجنبية لتخاطب وتؤثر في الشعوب المستهدفة.

على الرغم من حداثة هذا العلم في الدبلوماسيةالدولية، الا ان الفلسطينين كانوا اول من استخدمه وتبناه للترويج لقضيتهم الفلسطينية دوليا . ولا نجافي الحقيقة اذا قلنا ان الدبلوماسية الشعبية كانت هي السمة السائدة والمسيطرة على النشاط السياسي الفلسطيني منذ بدء الصراع ولغاية اتفاق اسلو. في العشرينات افتتح الفلسطينيون اول مكتب دعاية وتنسيق لهم في لندن لمخاطبة الشعوب الاوروبية. وخلال فترة السبعينات والثمانينات خاطبنا شعوب العالم بموسيقانا وبكوفيتنا ،وتراثنا خاطبنا شعوب العالم عبر المشاركة في مؤتمراتهم الشبابية والنسائية والشعرية والثقافية. شاركنا حركات التحرر في مؤتمراتهم وشاركنا اليسار الاشتراكي وغيرها من الايدولوجيات التي تؤمن بعدالة قضيتنا. ولعلنا الشعب الوحيد في العالم الذي انشأ وزارة خارجيتة قبل انشاء دولته. التحركات الدبلوماسيه الفلسطينية الشعبية انطلقت في اوائل العشرينات حيث بدأ الشعب الفلسطيني بمطالبة قياداته بتوحيد الصف والضغط لإلغاء وعد بلفور, وبدا الفلسطينيون بتشكيل المنظمات والجمعيات لتقف امام المنظمات الصهيونية , وعقدت تلك الجمعيات مؤتمرها الاول في القدس , وكان من قراراته اجراء اتصالات مع القيادات السورية لتوحيد الجهد المشترك ضد اطماع اليهود في فلسطين , ونتيجة لذلك عقد المؤتمر السوري العام وشارك فيه عدد من القيادات الفلسطينية, وايضا تم ارسال وفد الى فرنسا لشرح مطالب الشعب الفلسطيني ورغباته , وتعتبر قرارات المؤتمر بداية للحملة الدبلوماسيه الفلسطينية.

تطور الدبلوماسية الشعبية الفلسطينية تزامن مع تطور الحركة الوطنية ، حيث شهدت فترة العشرينات وبداية الثلاثنينات انطلاق ما يسمى سياسة المؤتمرات. في عام 1920 عقد المؤتمر الثالث في حيفا وتم تشكيل لجنه تنفيذيه اسند اليها تنفيذ قرارات المؤتمر والعمل على الاتصال بالشعب وبالسلطات البريطانية على اساس انها سلطه انتداب , وطالبت السلطات البريطانية بإقامه حكومة فلسطينية وطنيه ولكن تم رفض هذه المطالب .

الرفض البريطاني دفع الفلسطيينيين الى تكثيف جهودهم الدبلوماسية الشعبية وفي عام 1921 عقد المؤتمر الرابع في القدس وتم اتخاذ قرار بالرسال وفد فلسطيني لشرح القضية الفلسطينية على الساحة الأوروبية والاتصال بالجاليات العربية هناك , وفي العام 1922 عقد المؤتمر الخامس في نابلس وذلك بعد عوده الوفد من اوروبا , وقرروا ايضا ارسال وفد الى الحجاز للاتصال بالمسولين العرب وايضا العمل على تأسيس مكتب دعاية في لندن لاستخدامه لصالح القضية الفلسطينية. وفي عام 1923 عقد المؤتمر السادس في يافا وتم اتخاذ قرار بتوسيع العمل الدبلوماسي وذلك بإرسال وفود فلسطينية الى العديد من دول العالم لشرح القضية الفلسطينية وايصال مطالب الشعب الفلسطيني , حيث زار الوفد امريكا وتم شرح مطالبهم وفضح اطماع اليهود في فلسطين , وفي عام 1924 زارت وفود فلسطينية عدد من دول العالم منها (ايران, البحرين , الكويت , العراق , الهند , الحجاز ) وتم الاتصال مع القيادات العربية والإسلامية هناك , وتم كسب تأييد وتضامن عدد من الدول في تلك الفترة , وبعدها العام 1925 عقد المؤتمر الفلسطيني السابع في يافا وتم خلاله مناقشه الاوضاع الفلسطينية ونتج عنه تشكيل وفد للاجتماع مع وزير المستعمرات البريطاني طالبوه بإلغاء وعد بلفور والمساعدة على تشكيل حكومة فلسطينية ووقف هجره اليهود الى فلسطين , ولكن قوبلت هذه المطالب بالرفض , وفي العام 1926 عقد وفد فلسطيني اجتماع مع مساعد السكرتير العام للحكومة البريطانية نوقش خلال الاجتماع رفض السلطات البريطانية لمطالب الوفد الفلسطيني السابق.

وفي العام 1928 عقد مؤتمر برئاسة امين الحسيني وعدد كبير من الفلسطينيين يمثلون جميع مناطق فلسطين , وتم اقرار ارسال برقية الى عصبه الامم للمطالبة بإنشاء نظام حكم ديمقراطي برلماني في فلسطين , وفي العام الذي تلاه سافر وفد فلسطيني الى امريكا لمواصلة الدعاية لصالح القضية الفلسطينية , وفي نفس الفترة عقد مؤتمر نسائي في القدس ايدت فيه المشاركات قرارات المؤتمرات الفلسطينية السابقة , وطالبت بلقاء المندوب السامي وتسليمه مذكره بمطالب المرآه الفلسطينية التي تتضمن الغاء وعد بلفور ووقف هجرة اليهود.

وفي العام 1931 عقد مؤتمر في القدس حضره عدد من القيادات التي مثلت 22 قطر من البلاد الاسلامية وكان شعاره العمل على ايجاد كتلة عربية اسلامية تقف امام مطامع اليهود في البلاد المقدسة , وكان من قراراته تأسيس مركز للدعاية وفتح فروع له في البلدان الاسلامية , وانتخاب لجنة تنفيذية للمؤتمر عملها الاتصال برجال السياسة والفكر في البلاد العربية , وبعدها في العام 1932 عقد مؤتمر للحركة الشبابية في فلسطين التي كان لها دور كبير في النضال العسكري والسياسي الفلسطيني, فيما بدأت القطاعات الوطنية بتأسيس الاحزاب الفلسطينية منها حزب الاستقلال الذي اجتمع بداية عام 1933 بالمندوب السامي البريطاني حيث طلبوا منه العمل على حماية السكان العرب , وفي نفس الفترة عادت الوفود التي زارت الهند وايران والعراق بعد الاتصال مع القيادات العربية والاسلامية لتنسيق المواقف ضد الاخطار الموجهة للبلدان العربية. في اواسط الثلاثينات عقد المؤتمر الاسلامي للعلماء المسلمين في القدس كان من قراراته طلب المساعدة لأهالي البلاد من ملوك العرب وزعمائهم وشرح الحالة الفلسطينية لهم , وفي العام 1935 عقدت الحركة الشبابية مؤتمرها الثاني قرروا فيه تشكيل لجان شبابية تعمل من اجل خدمة قضية فلسطين والقيام بالدعاية للقضية في الداخل والخارج والاتصال بالقيادات في الخارج لتوثيق العلاقات مع البلدان الشقيقة.

وفي اعقاب اعلان بريطانيا عن نيتها تقسيم فلسطين بين العرب واليهود في كتابها الابض لعام 1937 كثف الفلسطينيون من جهودهم الدبلوماسية الرسمية والشعبية حيث بعثت القيادات الفلسطينية بالوفود الى الاقطار العربية لكسب تضامنها ، وارسلت وفود الى عصبة الامم وبلغاريا وتركيا. وفي شهر تشرين عام 1938 عقد مؤتمر برلماني عربي في القاهرة شارك فيه ممثلون عن فلسطين , اليمن , سوريا , لبنان , العراق , والهند , وقرروا ارسال وفد للاتصال بالمسولين البريطانيين وشرح مطالب الشعب الفلسطيني, وفي نفس العام ايضا تم ارسال وفود من قبل بعض القيادات الفلسطينية الى السعودية, وامريكا الوسطى, والولايات المتحدة , للقيام بأعمال الدعاية للقضية الفلسطينية .

وخلال فترة الحرب العالمية(1939-1945) الاولى توقفت الاعمال الدبلوماسية الفلسطينية بسبب اعتقال عدد من القيادات وخروج بعضهم الى البلاد العربية خوفا من الملاحقة لكن في العام 1943 بدأت المشاورات لتشكيل جامعة الدول العربية وتم دمج فلسطين في ميثاق الجامعة وتمثيلها بمندوب في اجتماعاتها هو السيد (موسى العلمي) , وفي العام 1945 قررت الجامعة العربية انشاء مكاتب عربية للدعاية للقضايا العربية في لندن وواشنطن , وعلى اثر ذلك انشا العلمي مكاتب في لندن وواشنطن والقدس حيث ركز على الاتصال بالأشخاص المهمين من ( كبار الموظفين , والساسة , والصحفيين )

وفي العام 1947 سافرت وفود فلسطينية الى لندن ونيويورك والبلاد الاسلامية للاتصال بزعاماتها وعرض المطالب الفلسطينية عليها , وشارك ايضا وفد فلسطيني في الدورة الثالثة لمؤتمر لندن فرفضت المطالب الفلسطينية ,وفي شهر تشرين الثاني عام 1947 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة المصادقة على قرار التقسيم , وبعد ذلك شارك وفد فلسطيني في اجتماعات الجامعة العربية وقررت العمل على احباط هذا القرار , وبعد ذلك في اوائل عام 1948 بدأت بريطانيا الانسحاب من فلسطين تاركة لليهود فرصة ادارة انفسهم وتقويه مراكزهم للاستيلاء على المناطق الاستراتيجية. على الرغم من الجهود الشعبية الفلسطينية في مجال الدبلوماسية الشعبية خلال فترة السبيعينات والثمانينيات الا ان هذا النوع من الدبلوماسية بدا يتراجع لصالح الدبلوماسية الرسمية التي انطلقت بشكل رسمي بعدا انشاء السلطة الفلسطينية التي ركزت في جهودها على الدبلوماسية الرسمية و القانونية.