|
الاستدامة: المبادرات العالمية
نشر بتاريخ: 05/01/2022 ( آخر تحديث: 05/01/2022 الساعة: 12:11 )
لم يعد هناك أدنى شك في أن الحاجة أصبحت مُلحة لمواجهة الأزمات المُهددة لاستدامة الحياة الآمنة على كوكب الارض. ويتطلب التصدي لهذه الأزمات المعقدة معالجة جذرية لأسبابها كتنفيذ مبادرات عالمية تقدم حلولاً متكاملة تغطي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويستلزم نجاح هذه المبادرات توفر القيادة الفعالة وتضافر جهود الدول الشريكة، على مستوى الحكومات والقطاع المدني والخاص، لبلورة الرؤى وتحديد الأدوار والمسؤوليات التي تشمل سنّ التشريعات ورسم التوجهات الاستراتيجية، ووضع الخطط التنفيذية ومتابعة مستوى الالتزام بها والتقرير عنها بشفافية. كما تعمل الجهود المشتركة على تحديد الموازنات اللازمة والإطار الزمني وتسعى لتوفير البيئة الداعمة لتحفيز الكفاءات على وضع معارفها ومهاراتها وخبراتها موضع التنفيذ والمنافسة على ابتكار حلول تحويلية تُخفف من الاضرار البيئية وتُجنب الوصول الى نقطة اللاعودة. على المستوى العالمي، وعلى الرغم من كثرة التحديات وعمقها، فقد تمكنت بعض الدول والمؤسسات والتحالفات من قيادة مئات المبادرات الملهمة التي يمكن تكرارها، أو توسيع نطاقها أو البناء عليها، في معرض جهود الحفاظ على الأرض وجودة حياة الانسان. وفيما يأتي مختارات من هذه المبادرات: أولاً: «خطة التنمية المستدامة 2030» : تنبع أهمية هذه المبادرة من كونها ثمرة جهود مشتركة بدأت بالتحديد المنهجي لسبعة عشر هدفاً عالمياً لتحقيق الاستدامة. وقد اعتمدت الدول الأعضاء الـ 193 في الجمعية العمومية للأمم المتحدة هذه الأهداف عام 2015، كما حظيت بدعم الشركات والمنظمات الدولية الاخرى. وتتميز المبادرة بشموليتها وتكامل عناصرها وترابط أهدافها التي تقع في صلب جميع ركائز الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، بما يشمل الفقر والتعليم والصحة والمساواة بين الجنسين والجوع والعدالة الاجتماعية، والطاقة والمياه وتغير المناخ، والنمو الاقتصادي والعمل اللائق والصناعة والاستهلاك والشراكات والسلام. كما تتسم باحتوائها على أدوات لمتابعة التنفيذ وقياس مستوى تقدم كل دولة مشاركة بمسار خطة التنمية المستدامة. في هذا السياق، تُدرِج التقارير الدورية، التي تُعد من قِبل فرق متخصصة من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية، نتائج القياس وتستعرض العوائق الجوهرية أمام التحول الجذري المنشود، وتتيح المجال لإعداد الخطط العلاجية والتطويرية لسد الثغرات وتحسين الأداء، كما تفسح المجال لترتيب الدول المشاركة حسب تحصيلها. فعلى سبيل المثال، احتلت فنلندا، هذا العام 2021، المرتبة الاولى وحصلت على علامة 85.9%، تلتها السويد ثم الدنمارك. لهذه المبادرة أثر كبير في إثارة الوعي بأخطار الاستهلاك المفرط للموارد والممارسات غير المسؤولة. كما أن أثرها التحفيزي واضح في سياق حشد الجهود واستنهاض الدول والمؤسسات والطاقات الفردية للالتزام بالخطة وابتكار الحلول. وعلى الرغم من أن الخطة ما زالت قيد التنفيذ، إلا أن بعض الدول المشاركة نجحت في تحقيق إنجازات ملموسة في رحلتها نحو الاستدامة. ثانياً: المدن المستدامة (الصديقة للبيئة): تمتاز المدن المستدامة بإنجازاتها في المجالات البيئية والاجتماعية مع توفيرها لاحتياجات مواطنيها ليعيشوا بازدهار دون المساس باحتياجات جيل المستقبل. ويتم تصنيف المدن المستدامة وفقاً لمؤشر استدامة المدن والذي يعتمد بدوره على معايير ثلاثة تندرج تحت مؤشر الربح المتعلق بقيمة العقارات وسهولة إنشاء الأعمال التجارية وتشغيلها، والمؤشر الاجتماعي المرتبط بمستوى معيشة الناس والتعليم والصحة، ومؤشر كوكب الأرض المرتبط بتحسين خدمات النقل العام وتخفيض انبعاثات الكربون ومعالجة تلوث الهواء والماء والصرف الصحي والنفايات وغيرها. استناداً لهذه المعايير، تم في هذا العام 2021، تحديد قائمة العشر مدن الأكثر استدامة لتضم فرانكفورت وميونيخ وهونج كونج وأوسلو وزيوريخ وفيينا وسنغافورة وأدنبرة وستوكهولم ولندن. وفيما يأتي تلخيص لأهم أسباب اختيار أربعة منها: تعد فرانكفورت، مدينة مستدامة لكونها المركز المالي لألمانيا، ولحفاظها على مسطحاتها المائية ومساحاتها الخضراء التي تشكل 52٪ من أراضيها. كما أنها أعدت خطة استدامة تسعى من خلالها للحفاظ على نظافة المياه، ورفع كفاءة الطاقة مع التحول لاستخدام مصادرها المتجددة بالكامل بحلول عام 2050، وحماية المناخ والحد من انبعاثات الكربون بنسبة 50% بحلول عام 2030. وتتميز سنغافورة باستخدامها أساليب مبتكرة مكنتها من استخدام مياهها غير العذبة بما يشمل التحلية وإعادة التدوير وتجميع مياه الأمطار، وتحسينها للنقل العام بالتركيز على زيادة استخدام الدراجات والسيارات الكهربائية وإنشاء محطات شحن لها. لدى سنغافورة مزارع للطاقة النظيفة وتشتهر بمبانيها وأحيائها الخضراء المصممة بطرق توفر الطاقة وتسمح بالمشي وتزويد السكان بالخدمات السريعة. ما يميز ستوكهولم احتلالها للمرتبة الأولى في الاتحاد الأوروبي في استهلاك الأغذية العضوية، واعتمادها على الطاقة المتجددة، وإعادة تدوير الزجاجات والعلب، وسعيها لتصبح خالية من الوقود الأحفوري بنسبة 100% مع نهاية عام 2050. |