|
ليس دفاعاً عن الأمن
نشر بتاريخ: 10/01/2022 ( آخر تحديث: 10/01/2022 الساعة: 14:43 )
د. رمزي عودة نجحت السلطة الوطنية الفلسطينية في بناء مؤسسة أمنية محترفة الى حد كبير، وإمتدت جذور هذه المؤسسة الى ممارسات وأعراف منظمة التحرير الفلسطينية حتى قبل إنشاء السلطة الوطنية في العام 1993، لاسيما تلك الخبرات المتراكمة في جهاز الرصد الثوري الذي أنشأه القائد الشهيد أبو إياد، أو حتى الفرق الثورية الطليعية التي شكلت تنظيم حركة فتح في الانتفاضة الاولى. بالمحصلة، فإن الخبرات المتراكمة والممارسات العملية لمختلف الأجهزة الأمنية الفلسطينية، خلقت مؤسسة أمنية فلسطينية طليعية وذات مكانة مرموقة ومحترمة بمستوى عالٍ على المستوى العربي والدولي ككل. وتمتعت الأجهزة الأمنية بإحترام العديد من الدول نتيجةً لتمتعها بهذه الخبرات والمهنية العالية، وخاصةً بعد النجاح اللافت لها في مكافحة الارهاب الدولي وحماية الجاليات الفلسطينية في الخارج وتنفيذ كافة البروتوكولات الأمنية الدولية بتميز، ودعم العمليات الدبلوماسية في الخارج. المفارقة الأساسية؛ هي أنه بالرغم من النجاح البارز للمؤسسة الأمنية الفلسطينية ونيلها التقدير والاحترام في الخارج، الا أنها تعاني في هذه الأثناء من إشكاليات حقيقية في فرض الأمن والسلم الداخلي. ويعود السبب في ذالك لعدة عوامل؛ أهمها محاولات الاحتلال الاسرائيلي المستمرة لإضعاف المؤسسة الأمنية الفلسطينية والحد من مناطق سيطرتها. كما أن الثقافة العشائرية والبنى الحزبية المعارضة تلعبان دوراً سلبياً في إعاقة قيام الأجهزة الأمنية بمهمتها الأساسية وهي حفظ الأمن الداخلي. في الواقع، إن العقيدة الأمنية للقطاع الأمني الفلسطيني تقوم على عدة منطلقات رئيسية أولها مقاومة الاحتلال، وثانيها تحقيق السلم المجتمعي، وثالثها حرمة الدم الفلسطيني. ورابعها الإحترافية. ووفقاً لهذه المنطلقات التي تبدو متناقضة المسارات في بعض الإستثناءات، فإن الكادر الأمني يسعى دائماً للمواءمة فيما بين هذه المنطلقات من أجل الوصول الى "صيغة توافقية" للإستقرار الداخلي تراعي الخصوصية الفلسطينية. اليوم، على الشعب الفلسطيني أن يُمكّن مؤسسته الأمنية، لأن هدف الأمن والإستقرار هو مصلحة وطنية جماعية وفردية للفلسطينيين أجمع. وفي السياق، فإن حماية المشروع الوطني والحد من الجرائم والقضاء على الميليشيا المسلحة وإحتواء الفلتان الأمني تعتبر جميعها مصلحة وطنية لا يمكن تحقيقها إلا إذا تعززت الثقة بين الجمهور والمؤسسة الأمنية. وهذه الثقة تعتمد الى حد كبير على المصلحة المشتركة وعلى وعي المواطنين من جهة، وتعتمد أيضاً على مهارات التواصل والإحترام لكادر المؤسسة الأمنية في التعامل مع الجمهور. وفي الوقت الذي توجد فيه بعض التجاوزات لبعض أفراد الأجهزة الأمنية الا أن الحالة العامة للكادر الامني تُعبّر عن درجة عالية من المهنية والإنضباط. وحتى تقوم هذه الأجهزة الأمنية بواجبها الوطني، فإن سلاحها يجب أن يبقى هو السلاح الشرعي الوحيد في الوطن، ويجب أن تطبق هذه الأجهزة القانون على الجميع، مواطنين ومناطق، دون إستثناء. وفي حال وجود أي تجاوزات من قبل بعض كوادرها الأمنية، فهي بالطبع ليست محصنة من المحاسبة، وهو الأمر الذي شهدناه في قضايا كثيرة سابقة. وفي النهاية، ليس دفاعاً عن الأمن أو مجاملةً له، أن ندعو الى تخصيص يوم وطني لرجل الأمن الفلسطيني من أجل إستذكار نضالات هذه المؤسسة في سبيل تحقيق الغايات الوطنية من جانب، ومن أجل تعزيز الثقة بين رجل الأمن والجمهور الفلسطيني من جانب آخر. |