نشر بتاريخ: 31/01/2022 ( آخر تحديث: 31/01/2022 الساعة: 00:06 )
إستنكر الكل الفلسطيني ما قامت به حركتي حماس والجهاد الاسلامي قبل عدة أيام في قطاع غزة من حشد تظاهرة رفعت أعلام عبد الملك الحوثي وقاسم سليماني القائد السباق لفيلق القدس الايراني. وهتف المشاركون في هذه التظاهرة بشعارات ضد الامارات العربية والمملكة السعودية، وسبق هذه التظاهرات تصريحات عدائية من قبل القيادي في حركة حماس لوسائل إعلام مقربة من إيران حسب ما ورد في صحيفة "العرب الالكترونية" يهدد فيها دول الخليج حيال السياسة التي تتبعها في اليمن. في النتيجة، أدت هذه التظاهرة والتصريحات المرافقة لها الى تصعيد الخطاب السياسي الموجه ضد الفلسطينيين في دول الخليج، وإنتشرت "هاشتاغات" على مواقع التواصل الاجتماعي معادية للشعب الفلسطيني وأخرى شعبية ورسمية مستنكرة لهذه التظاهرات. ومنعاً لتدهور الأمور سارعت القيادة الفلسطينية الى تأكيد موقفها الثابت في دعم أمن دول الخليج الشقيقة من أي تدخلات خارجية، كما أكدت القيادة شجبها للاعتداءات الحوثية الأخيرة على الامارات العربية والسعودية. والسؤالين الهامين اللذان تسعى المقالة للإجابة عليهما هما: أولاً لماذا قامت حركة حماس بإحتضان هذه التظاهرة تأييداً للحوثيين في الوقت الذي أعلنت فيه تأييدها لموقف العربية السعودية في اليمن عندما بدأت الحرب في اليمن في العام 2015 ؟ وثانياً: ما هي الآثار السياسية لهذه التظاهرة على الأمن القومي الفلسطيني؟
بالنسبة للسؤال الأول، حول أسباب قيام حماس بإحتضان هذه التظاهرة المؤيدة لايران ضد دول الخليج، يبدو أن حماس تريد أن تعازل إيران الداعم الرئيسي لها من أجل الحصول على مزيد من الأموال الإيرانية، حيث تقدر المصادر غير الرسمية حجم الدعم الإيراني لحماس بنحو 400 مليون دولار سنوياً، الا أن غالبية هذه الأموال لا تصل الى مواطني القطاع ودعم إعادة الإعمار، وانما تعتبرها حماس أموالاً خاصة بالحركة، وهذا ما عبر عنه أحد قادة حماس سابقاً عندما قال " أموال حماس لحماس". وفي الوقت الذي تعثرت به جهود إعادة إعمار غزة بعد تعنت موقف حركة حماس في موضوعة إشرافها المباشر على المنح المقدمة، فإن الحركة تسعى من خلال هذه التظاهرات المؤيدة لايران ضد دول الخليج لإستقطاب مزيد من الأموال الإيرانية للحركة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن حركة حماس تسعى من خلال هذه التظاهرة المؤيدة لإيران لإرسال رسالة سياسية الى الأشقاء المصريين من أجل فرض مزيد من الضغوط على حكومة "بنيت" في ملف فك الحصار على القطاع.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني حول نتائج هذه الخطوة غير المسبوقة على الأمن القومي الفلسطيني، فإنه من الواضح أن هذه التظاهرات تعتبر خروج عن حالة الإجماع الوطني بضررة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والنئي بالنفس عن الصراعات البينية العربية إحتراما لسيادة الدول ومنعاً من تكرار ما حدث في حرب الخليج الثانية. والإشكالية الرئيسية في خطوة حماس المتهورة هذه أنها تعرض جالياتنا الفلسطينية الى خطر التهجير من الدول العربية الخليجية والذين يقيمون فيها منذ عقود طويلة. وتقدر عدد الجالية الفلسطينية في الامارات العربية وحدها بأكثر من 350 ألف فلسطيني، كما يقدر العدد الإجمالي للفلسطينيين المقيمين في جميع دول الخليج بما يزيد عن 2.5 مليون فلسطيني جلهم سيتعرض لخطر فقدان العمل والإقامة في حال تعارض المواقف السياسية بين منظمة التحرير وبين هذه الدول الشقيقة. ومن جانب آخر، فإن قيام العديد من دول الخليج العربية بتقديم الدعم المالي والسياسي للشعب الفلسطيني سيتعرض هو الآخر الى الايقاف والتجميد في حال وجود هذا التعارض في المصالح السياسية. وأخيراً، فإن وحدة الدم العربي ووحدة التاريخ والدين والمصلحة تفرض على الشعب الفلسطيني قيادةً وشعباً منع تدخل أي طرف أجنبي في المنطقة العربية.
وفي السياق، فإن مظاهرات حماس الأخيرة تمثل ضربة في خاصرة الأمة العربية من حيث التماسك ووحدة الموقف العربي ضد أي تهديد أجنبي، كما أنها يمكن أن تؤدي الى خسائر فادحة في الأمن القومي العربي والفلسطيني. وفي الواقع، فإنه لا يمكن فهم تغير المواقف الحمساوية من الأزمة اليمنية وغيرها من الصراعات في المنطقة العربية الا في سياق البراغماتية السياسية المسيطرة على عقول قادتها. وفي الوقت الذي تسعى فيه القيادة الفلسطينية الى رأب الصدع في العلاقات الفلسطينية الخليجية على إثر فترة ولاية "ترامب"، فإن حركة حماس بسلوكها السياسي غير المحسوب تسعى الى عرقلة مساعي إصلاح هذه العلاقات وإعادة تمتينها في سياق تعطيل المشروع الوطني الفلسطيني. ومن أجل مواجهة هذا السلوك الخطير لحركة حماس، فإن الرد يجب أن يكون أولا: شعبياً من خلال إستمرار الضغط الجماهيري على حركة حماس لدفعها لقبول اتفاقات المصالحة. وثانياً: عربياً من خلال إجبار الحركة على تنفيذ إتفاقية المصالحة عام 2017 وعدم التعاطي مع الحركة اذا لم تمتثل لهذا الإتفاق. وبالنتيجة فعلى حماس وغيرها أن يدركوا جيداً بأن العرب يعتبرون خطاً أحمراً بالنسبة للشعب الفلسطيني لا يجوز المساس به قطعياً.