التحيز الإيديولوجي والنوايا الخبيثة والمقاطعة الدبلوماسية بين الدول في دورة الألعاب الأولمبية في بكين
نشر بتاريخ: 03/02/2022 ( آخر تحديث: 03/02/2022 الساعة: 11:13 )
تعتبر الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين قضية سياسية منذ أن حصلت العاصمة الصينية على حق استضافتها. وتثير المقاطعة الدبلوماسية المعلنة لبعض الدول جدلاً منذ كانون الأول/ديسمبر 2021. الصين ترد على المقاطعة بسخط، واللجنة الأولمبية الدولية تعتبر نفسها محايدة ولا تريد "تسييس الرياضة". باتت الرياضة الدولية ساحة واسعة لتصفية الحسابات بين الدول التي تشوبها علاقات متوترة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وصحيا وامنيا، وأصبحت بعض الدول تستخدم الألعاب الأولمبية غايات ووسائل للتلاعب السياسي والدبلوماسي والتحيز الإيديولوجي، وهو أمر لا يحظى بشعبية ويصل الى حد عزل بعض الدول لنفسها. الرياضة لا علاقة لها بالسياسة والعلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدول المتخاصمة؛ والسبب يعود أن الرياضة والألعاب الأولمبية تحديدا هي تجمع كبير للرياضيين وعشاق الرياضة وليست مسرحا للسياسيين لتقديم عرض سياسي.
" من موسكو 1980 الى بكين 2022... كيف باتت المقاطعة الأولمبية سلاحا سياسيا؟ "
ليست هذه المرة الأولى التي تتحول فيها دورة الألعاب الرياضية فرصة لتسجيل المواقف السياسية، والضغط الدبلوماسي المتبادل بين أطراف يطفو على علاقاتهم مناخ التوتر، بل ولطالما كانت دورات الأولمبياد ساحة من بين ساحات التنافس خلال الحرب الباردة. إن "وجود مسؤولين حكوميين ودبلوماسيين (في الألعاب الأولمبية) هو قرار سياسي بحت لكل حكومة، وتحترمه اللجنة الأولمبية الدولية تماماً في إطار حيادها السياسي"، وما يبدي الارتياح كون القرار المقاطعة لم يشمل مشاركة الرياضيين بل اقتصر على المسؤولين والدبلوماسيين. يجب أن نكون واضحين في قرار بعض الدول حيال المقاطعة الدبلوماسية والسياسية لدورة الألعاب الأولمبية إما أن تتم المقاطع بشكل كامل دون إرسال الرياضيين، وإما أن يتم ربط الأمور بعمل كامل بخطوة مهمة كما هي الحال دائما على المستوى الدولي.
على مر السنوات تحول الأولمبياد ساحة للنزاع السياسي بين الدول، وليست أول مرة يتم فيها مقاطعة دورات الألعاب الأولمبية، بينما أولها كانت سنة 1956، إذ تعددت أسباب المقاطعة لكن قرارها كان واحداً؛ غياب ثمانية دول عن الدورة. وقاطعت كل من مصر ولبنان والعراق وكمبوديا الدورة احتجاجاً عن العدوان الثلاثي الذي استهدف القاهرة. وقاطعت هولندا وإسبانيا وسويسرا الألعاب رفضاً لاجتياح الاتحاد السوفياتي هنغاريا. وغابت تايوان لحضور الصين في تلك الدورة. بعدها ستصبح الألعاب الأولمبية ساحة يجري فيها الصراع السياسي العالمي وتبرز فيها المواقف. وفي سنة 1972 قاطع عدد من الدول الإفريقية الألعاب الصيفية نظراً لسحب اللجنة الأولمبية الدولية مشاركة روديسيا (زيمبابوي قبل الاستقلال) فيها، معتبرين الأمر اصطفافاً للجنة المفترض فيها الحياد السياسي إلى جانب الاحتلال. فيما وعلى طول تلك السنوات، كانت الحرب الباردة ترخي ظلالها على الألعاب التي شهدت مناكفات عدة لذات الأسباب بين دول المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي. أشهرها وأكثرها مقاطعة كانت دورة موسكو 1980، حيث قاطعت 66 دولة من الغرب والعالم الإسلامي الألعاب رداً على اجتياح موسكو أفغانستان. رد الروس وحلفاؤهم بعدها بمقاطعة أولمبياد لوس أنغيلوس 1984.
"الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. انتقادات ومخاوف بشأن التجسس "
في الآونة الأخيرة انتشرت الكثير من الانتقادات من بدء الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، ومنها الخوف من برامج التجسس على الهواتف المحمولة للرياضيين، وانتشار متحور أوميكرون ووضع حقوق الإنسان غير المستقر في الصين. قبل الألعاب الأولمبية في العاصمة الصينية، كانت هناك تحذيرات متكررة من أن الأجهزة السرية الصينية يمكن أن تقرأ البيانات الحساسة من الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. في تطبيق "My2022 "، يجب على جميع المشاركين في الألعاب الأولمبية إدخال البيانات الطبية، على سبيل المثال نتائج اختبارات "بي سي أر" لفيروس كورونا قبل دخول الصين ونتائج القياس اليومي للحمى. وعلى أثر ذلك قامت الكثير من الدول المشتركة في الأولمبياد بتزويد المشاركين بهواتف محمولة خاصة كما فعلت ألمانيا وبريطانيا وهولندا. قبل الألمان، أعلن البريطانيون أنهم سوف يزودون الرياضيين بهواتف محمولة جديدة طوال مدة المسابقات، إذا رغبوا في ذلك، وتم تقديم نصائح عملية للرياضيين والمدربين حتى يتمكنوا من أن يقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا سيصطحبون أجهزتهم الشخصية إلى الألعاب أم لا". "بالنسبة لأولئك الذين لا يريدون أخذ أجهزتهم الخاصة، قمنا بتوفير أجهزة لهم بشكل مؤقت". أما اللجنة الأولمبية الوطنية الهولندية فذهبت إلى أبعد من ذلك ودعت الرياضيين والمدربين إلى ترك أجهزتهم الشخصية في منازلهم، وبدلاً من ذلك، ستوزع اللجنة أجهزة "نظيفة" لهم ليتم إتلافها بعد العودة إلى هولندا.
ولم يقتصر الأمر على مخاوف التجسس بل مخاوف بشأن اختبارات لفيروس كورونا الكاذبة وعواقبها، ويأتي ذلك على أثر عدم وجود نظام مستقل كما هو الحال مع ضوابط المنشطات؛ لاستبعاد التلاعب. ولم يقف الامر على ذلك بل هناك انتقادات أخرى لإقامة الألعاب الشتوية على الرغم من انتشار متحور أوميكرون في جميع أنحاء العالم، في الوقت أيضا الذي يتم فيه انتهاك حقوق الرياضيين ويتم اللعب بصحتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة حقوق الإنسان في الصين هي قضية مستمرة: احتجاز الأويغور وسياسة التبت وقمع المعارضة في هونغ كونغ وغيرها الكثير.
الكثير من الرياضيين دعموا حقيقة إعلان بعض الدول كالولايات المتحدة الامريكية وكندا وبريطانيا وأستراليا عن مقاطعتها الدبلوماسية لبكين، وبعضهم صرح أن المقاطعة السياسية صحيحة بالتأكيد، وبعضهم سيكون ممنونا لو عملت المانيا وفرنسا بنفس طريقة المقاطعة السياسية، والبعض يقول علينا المقاطعة حتى يتغير شيء هنالك في الصين.
بدورها أعلن فرنسا عدم مقاطعتها دبلوماسيا لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، ويأتي هذا القرار غداة إعلان بريطانيا وكندا انضمامهما للولايات المتحدة وأستراليا في "المقاطعة الدبلوماسية" لدورة بكين، وبالتزامن مع تنديد الصين بقرار الدول الأربعة محذرة من أنها "ستدفع الثمن". ويأتي القرار الفرنسي عقب المقاطعة الدبلوماسية ما مثل ضربة جديدة للنظام الصيني الذي يتهمه الغرب بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وكانت فرنسا أعلنت في وقت سابق عن أنها "ستنسق" مع الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي حول الموقف الذي ستتبعه. من جهة أخرى، تمسكت اللجنة الأولمبية الدولية بـ "الحياد" وامتنعت عن التعليق على هذه "القرارات السياسية البحتة"، ورحبت بغياب المقاطعة الرياضية. بمعنى ان اهتمامها ينصب بشكل كامل على الرياضيين".
في الوقت الذي فيه نددت الصين بقرار الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا مقاطعة دورة بكين "دبلوماسيا" محذرة من أنها "ستدفع الثمن، وإن تلك الدول التي سترسل رياضيين إلى الألعاب الأولمبية لكن ليس مسؤولين رسميين، "ستدفع ثمن" قرارها عقب قرار المقاطعة السياسية. وتنظم الألعاب الأولمبية الشتوية في الفترة ما بين 4 و20 فبراير/شباط، لكن بسبب القيود التي تفرضها الصين على دخول الأجانب في إطار مكافحتها فيروس كورونا، من المرتقب أن يحضر عدد قليل من المسؤولين السياسيين العالميين إلى بكين، باستثناء حضور لافت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قبل دعوة نظيره الصيني شي جينبينغ.